" فن قيادة الإرادة " عنوان المجلس الرمضاني ليلة الحادي عشر من شهر رمضان لعام 1440 هـ ، من سورة الشمس " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا " ، القرآن الكريم تحدث عن موضوع الأصل في سعادة الإنسان او في شقائه ، و قد أسارت له الكثير من الآيات ، ولكن أبلغ سورة تحدث عن ذلك الموضوع هو الشمس ، و الموضوع يدور حول تزكية النفس و تطويرها وصقل الإرادة عند الإنسان ، كصرة الأقسام دليل خطورته ، الواو تسمى واو القسم ، و القسم بالمخلوقات من خصائص الله فقط ، المكلف لو أراد أن يُقسم ، فلا يجوز ان يقسم بالمخلوقات ، فلو قسم يعد قسم عرفي لا قيمة له ، و كأنه لم يُقسم ، فإذا أردت أن تقسم بالصيغ التالية " والله ، تالله ، بالله " او تقسم باسم من أسماءه الخاصة كالقدوس و القيوم لأنها خاصة بالله فيصح قسمه، على اعتبار ان بعض أسماء الله مشتركة كالكريم .
في سورة التين ، الله أقسم بالتين و الزيتون و غير ذلك ، المولى يريد أن يبين امرًا عظيمًا ، " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " ، للدلالة على حست صنع الله ، سورة الشمس فيها أكثر من أحد عشر قسم ، لقول حقيقة واحدة ، هذا القسم المتكثر لبيان أهمية صقل النفس و تربيتها ومن أبرز مظاهر تربية النفس صقل الإرادة في النفس ، هذه النفس لا ترتقي الا بارادة ، و لا تتسافل الا بإرادة ، هناك أربعة أصناف للإرادة ، أودعه الله في نفس الإنسان إرادة واحدة ، فكيف نفترض أربعة أصناف من الإرادات ، الحكم هو عينه كحديث القرآن عن النفس ، مع ان المتسالم عليه له نفس واحدة ، نفس أمارة بالسوء ، و نفس لوامة ، النفس المطمئنة ، له نفس واحدة و لكن الله أشار الى مراتبها ، فأسفلوا النفوس ، " ۞ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ " الأمارة بالسوء أدنى النفس وهو شر محض ، فاذا ترقت بين الخير و الشر " لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ " ، فاذا ترقت ووصلت للخير فقط " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " .
هناك أربع ارادات ، الإرادة النفسية الذاتية و الإرادة الذكية و الإرادة الطيبة و الإرادة العليا الإلهية ، فن قيادة الإرادة ، كيف تتحول من مرتبة الإرادة النفسية الذاتية لتصل بارادتك للإرادة الإلهية ، ومن هنا ينعطف الكلام نحو بيان الفرق بين تلك الأنفس حتى نتعرف الى أنفسنا أين نقف ؟ ، أولًا الإرادة النفسية الذاتية ، بطبيعة الحال كل مخلوق انساني خُلق لإرادة فأصل وجود الإرادة جبري ، لا يملك خيارًا في دفع ذلك أو قبولًا بالإرادة ، كل البشر وجود البشر في نفوسهم قهري و ليس اختياري ، بينما التصرف في الإرادة اختياري ، الإرادة ضرورية الوجود في الإنسان لانها أصل التكليف ، فلو كان الإنسان مجبورًا على الطاعة ، فلا فخر له على الطاعة و لا عقاب عليه على المعصية ، بخيارك تطيع و بخيارك تعصي ، هذه الإرادة قوة كامنة في نفس الإنسان ، لها قدرة في الدفع و التحريك ، وفي الإحجام و الإقدام ، تتاثر بالمصالح و المفاسد ، الإرادة النفسية وجودها ضروري و يجب أن يعرف الإنسان أن ارادته فرع ارادة الله ، انت كالظل بالنسبة لربك عز وجل ، اذا وضعت الشاخص ( راكز عصا يضرب بالأرض في الشمس ) نحن ظلال وجود الله ، الوجود الأصيل هو الله ، كل قواي و هي الإرادة هي فرع ارادة الله .
حاجتي لله ليست حاجة لخروجي من حيز العدم للوجود ، بل حاجتي لله في الإستمرار و البقاء ، فلهذا " وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " ، هذه الإرادة قابلة ان تُصاغ ، كيف تقود ارادتك لتكون ربانية الهية ، الإرادة الثانية وهي الذكية ، عندما يتكلم العلماء فلابد أن نعلم بانه هي هي ، غاية الأمر ان الارادة الذكية تنطلق من معايير أساسية ، أن تكون هناك مبادئ و أهداف و ووسائل ، و المبادئ إما مصالح أو مفاسد ، يولد لك هدفًا دنيويًا أو أخرويًا ، ماديًا أو روحانيًا أو اجتماعي و ثقافي او اقتصادي ، فاذا وصلت للهدف المنشود في وقت قياسي بوسائل سهلة و بطاقة أقل فأنت ذكي ، وليس لها دين و ليس لها مذهب ، فلو أن أحدنا وضع له هدف بأن يكون غنيًا ، من الإرادة الذكية ان يغش الناس أو أن يلعب القمار ، اختصار الطريق و الإرادة ذكيًا ، لكن كيف تصل الى الإرادة الطيبة الخيرة ، الإرادة الذكية بغض النظر عن وسائلها . نرتقى بقيادة الإرادة لنصل الى القيادة الثالثة الطيبة الخيرة ، أن تجرد المبادئ من جميع دواعي الشر ، و أن تجرد الوسائل الموصلة من جميع وسائل الشر ، فتكون الإرادة طيبة خيرة ، و يبغي أن يجرد المؤمن نفسه من غايات الشر ووسائل الشر ، يجب ان يكون هدفك نبيلًا و وسيلتك مجردة من الشر .
الإرادة العليا الإلهية ، أن يصل المؤمن الى درجة لا يجد لإرادته وجودًا أمام إرادة الله ، بل يرى اراددته تابعة الى ارادة الله ، هو مريد ، و لكن لشدة ترقي شدة المعرفة بالله ، يتحول من الإرادة الى الإرادة الذكية ، الى الخيرة ، الى الربانية ، العالم الرباني ليست خاصة بالعلماء بل قد يكون انسانًا ربانيُا في سلوكه ، اذا تجرّد الإنسان من ارادته و غيّبها وجعل ارادته تابعة و ليست قائدة ، " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " هذه إشارة الى الشخصية الربانية التي ترى وجودها ومماتها لله عز وجل ، وهذه ارادة إذا بلغت بصاحبها لهذا المستوى سميت الإرادة الإلهية ، وقد وصل اليها الأنبياء و الأوصياء و العلماء الربانيون ، و الرجال الأخيار و النساء الخيرات ، فصارت أعمالهم و أقواله فرع إرادة الله عز وجل ، و لانهم وصلوا ، أصبحت لهم قدرة في التحكم بغرائزهم وشهواتهم ونوازع انفسهم بإرادتهم فاتسموا بصفة أجلها الله وهي الصبر " وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " . من يطهر جسده من الخارج و قلبه من الداخل ، واذا انسجمت واندكت ارادته مع الإرادة التشريعة لله ، تولّدت حالة الطاعة ، هذه الإرادة هي سر الدوافع فينا .
التعليقات (0)