" القرآن الكريم و قضايا المرأة " عنوان المجلس الرمضاني ليلة العاشر من شهر رمضان لعام 1440 هـ ، " قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) " القرآن الكريم ، كلام الله المنزل على قلب نبيه المصطفى ( ص ) ، ما ترك مجالا من مجالات الحياة الانسانية الا وتعرض لبيان أحكامه وضوابطه ، اما بالتخصيص و النص المباشر أو القواعد العامة التي تشير للحكم ، النتيجة أن القرآن من أبرز خصائصه أنه شمولي في عطائه ، ومن مميزاته الشمولية و معالجته لقضايا متعددة ، واحدة من المسائل الشائكة التي روجت من أعداء الإسلام ، انها قضية تتعلق بمسائل وقضايا المرأة .
الليلة نود أن نقف مع هذه الآية المباركة التي تتضمن مجموعة من المسائل التي تتعرض بالنساء و المرأة بنحو خاص ، قول الله تعالى في الآية المتقدمة ، آية تتضمن مجموعة من الأبحاث ، البحث الأول يدور حول نظر الإسلام الى عقل المرأة ، أكاملة أم قاصرة - اذا قيست بالرجال - ، هناك رؤيا مستفادة من مجموعة من النصوص على أن الإسلام حقّر ادراك و عقل المرأة ، فلا يُمكن أن يقاس عقل المرأة مع عقل الرجال ، من ضمن ما ورد في كتاب الصحيحين و كتب السنة ، قال رسول الله ( ص ) " وما رأيتُ من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن " يُهزم الرجل أمام المرأة ، فالمرأة تتسم بصفتين في هذه الراوية ناقصة في الدين و ناقصة في العقل ، العلامة المجلسي في البحار يقول أن النبي ( ص ) " شاوروا النساء وخالفوهن فان خلافهن بركة " ، في كتاب من لا يحضره الفقيه ، ورد عن علي " لا تطيعوا النساء على حال، ولا تأمنوهن على مال " ، و في رواية أخرى " إياك ومشاورة النساء إلا جربت بكمال، فإن رأيهن يجر إلى أفن، وعزمهن إلى وهن " ، بالنظر الى هذه النصوص تشكلت الرؤيا التي مفادها أن المرأة قاصرة في عقلها و ادراكها ، و لا يمكن أن تجاري بعقلها الرجل ، هذه دعوى و لكنها تسقط وتتهاوى لعدة أسباب ، البعض من المنظمات النسوية التحررية وقفوا على مثل هذه الدعوة و طالبوا بحقوق المرأة ، و روّجوا كيف أن الإسلام ينظر للمرأة نظرة دونية حقيرة .
الدعوة لا يمكن أن تُقبل الا بدليل ، أولًا كل تلك الروايات التي سيقت في كتاب البحار ومن لا يحضره الفقيه ، فانها من الروايات المُرسلة ، الرواية تكون لها قيمة علمية بلحاظين ، أولًا أن تكون ثابتة سندًا ، ثانيًا أن تعالج على مستوى دلالة الرواية و مضمون الرواية يتوافق مع كتاب الله ام يرتطم مع القرآن ، النصوص ثابتة عندنا متى ما ارتطمت فانها تسقط " وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف " ، لو حاكمنا تلك الروايات ، لا تخلوا انها من المُرسلات ، سند تلك الروايات لا يُمكن التعويل عليه ، من جانب آخر ، مضمون الرواية ، بعض الروايات واضح البُطلان ، الصادق " فلا تطيعوهن في المعروف فيدعونكن الى المنكر " ، وقد أمر الله بضرورة الإمتثال الى المعروف ، وهذا تناقض ، النقصان في العقل و الدين بيّنه رسول الله ، انما نقصان الدين بلحاظ أمر تكويني وهو الحيض ، فتفطر في صيام رمضان و تسقط بعض الصلوات ، و ناقصات عقل ، لأن شهادة رجل تعدل شهادة امرأتين ، الأمر الآخر ان الرواية تُقبل اذا وافقت كتاب الله ، المضمون أن لا تعمل برأي المرأة و لكن الآية التي افتتحنا به ، ابنة شعيب في مقام التشخيص و اعطاء الرأي ، عمل شعيب بذلك ، فاذا عمل فهو امضاء بالقرآن ، وقول النبي و المعصوم حجة ، ففعل هذا النبي المعصوم ، كاشف عن صحة العمل برأي المرآة .
من دلائل بطلان هذه الدعوة ، اذا وقفنا مع التشريع الإلهي ، الله عز وجل ساوى بين الرجل و المرأة على مستوى التشريع ، لو كانت المرأة أقل عقلاً و إدراكًا ، لما صح منه عز وجل أن يساويها بالرجل ، و كان يلزم من الله ظلمًا ، أن تحمّل المرأة في ظل عقلها الناقص ، فالمرأة و الرجل في الخمس و الصلاة و الحج و الوضوء و الغسل و الزكاة و الصوم و كل التكاليف الإلهية يتساوون ، الا في الأحكام التي اختصت بها المرأة بسبب الأمور التكوينية كالحيض ، و بعض المسائل في الجهاد ، الإسلام لطيف بالمرأة ، حيث لم يوجب عليها الجهاد الا اذا الجهاد دفاعيًا ، فهذه الدعوة لا تصمد مع النقاش العلمي ، المسألة الثانية مسألة تتعلّق بالنساء و الرجال وهي مسألة الحياء ، الثقافة الروحية تؤكد على ضرورة وجود وعي على مستوى الحياء ، و ثقافة الحياء اذا عُممت في المجتمع تضمن لنا مجتمعًا طاهرًا نقيًا معصوم عن الزلات و الأخطاء ، يتبادر الى اذهاننا ان الحياء مطالب على المرأة ، لكن في الواقع فان الجميع مطالب في كل حركة من حركات وجودهم ، القرآن لما تكلّم عن ابنة نبي الله ، جسّد لنا مساحة الحياء ، " وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ " ، موسى هو من زاحم الرجال ، عدم المخالطة مع الرجال من دلائل الحياء و التقوى و الإستقامة ، " فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " ، المفسرون قالوا ،أنها جاءت و قد سترت وجهها بثوبها ، والرأي الآخر أي مستترة بكم درعها ، او بكم قميصها حتى لا يُرى وجهها ، وفي رواية أخرى واقعة يدها على وجهها ، وهذه صور من الحياء . الإختلاط مع الضوابط الشرعية يكون مكروهًا ، و يكون محرمًا لا ريب اذا كان من دون الضوابط كالتبرّج و إظهار ما يجب ستره على الأجنبي .
علاقة الحياء بالإيمان ، نجد أن الإمام الصادق " إِنَّ الْحَيَاءَ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ ، وَلا إِيمَانَ لِمَنْ لا حَيَاءَ لَهُ ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِالْعَقْلِ ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَقْلَ لَهُ " ، اذا سلبت الحياء من انسان ، سلبت إيمانه ، أي أن الإيمان و الحياء على حدّ سواء ، الحياء سلوك ، عن الإمام عليّ عليه السلام: "الحياء يصدّ عن فعل القبيح" ، وقد أشار الإمام عليّ عليه السلام إلى هذه الحقيقة: "كثرة حياء الرجل دليل على إيمانه" ، الإسلامُ ولتكريمه للمرأة خصّها بأضعاف ما خص به الرجل من الحياء تكوينًا ، الإمام الصادق عليه السلام " "إنّ الله قسّم الحياء عشرة أجزاء فجعل في النساء تسعة وفي الرجال واحداً " ، هذا ما شار إليه الإمام الصادق " ع : " الحياء عشرة أجزاء تسعة في النساء وواحد في الرجال ، فإذا حاضت الجارية ذهب جزء من حياها وإذا تزوجت ذهب جزء وإذا أفترعت ذهب جزء وإذا ولدت ذهب جزء وبقى لها خمسة أجزاء فان فجرت ذهب حياءها كله وان عفت بقى لها خمسة أجزاء " . مساحة العقل و الرأي أتاحها الاسلام للمرأة .
التعليقات (1)
الشيخ ابراهيم الصفا
تاريخ: 2019-05-16 - الوقت: 02:10 مساءًبارك الله فيكم وادامكم على ولاة علي و آل بيته