شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة السابع من شهر رمضان لعام 1440 هـ

" ابو طالب (ع) و دروس في الثبات " عنوان المجلس الحسيني ليلة السابع من شهر رمضان لعام 1440 هـ ، من سورة فصلت " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) " ، القرآن الكريم و في الكثير من آياته تحدّث حول المؤمنين وصفاتهم ، و ذكر في الكثير من المواطن صفات متعددة للمؤمنين ، و من خلال تلك الصفات يكون بوسعك على أن تشخّص المؤمن من غيره ، وفي هذه الآية نقف مع صفة تُعتبر من اهم صفات المؤمنين ، و تعتبر تلك الصفة من الصفات المقومة للهوية الإيمانية ، انها صفة الثبات و القدرة على التحمّل ، الإستقامة و الثبات من أهم خصال المؤمن ، من لوازم الإيمان التكليف ، و التكليف يحتاج الى صبر وتحمّل و ارادة صلبة ، و لا يمكن للإنسان أن يحقق نجاة من مستنقع الخسران ، الا اذا عاشر روح الإستقامة و الثبات ، الإيمان لوحده لا ينفع . الإيمان بمعية العمل الغير ثابت لا ينفع أيضًا ، الإيمان مع العمل الصالح مع الثبات مع الله يحقق النجاة و السعادة و هذا عين ما أشار اليه الله تعالى " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) " .

" وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " اليقين هو الموت ، حالة العبودية و حالة الإنقياد ملازمة للإنسان حتى آخر وجوده ، نودّ أن نعرج في بحثنا حول أسباب الثبات و الصبر في المواقف ، بحيث نفتش عن أسباب تولد القدرة على تحمّل المشاق و المتاعب ، و ينعطف البيان الى بيان الأسباب التي تولد حالة الثبات ، السبب الأول السبب الغرائزي و الفطري ، كل انسان أودع الله في ذاته مجموعة من الغرائز ، و الغريزة امر فطري ، لا مدخلية للإنسان في أصل وجوده ، وجود الغرائز مؤثر لأنها قوى فاعلة تؤثر في حركية الإنسان ، كثير من الغرائز و ان كانت مودعة في الإنسان ، لكنها تلعب دورا في المواقف ، و الغرائز مودعة في الإنسان و الحيوان على حدً سواء . التاريخ يسجل لنا مواقف يجب أن تقرأ لما فيها دروس و عبر . كفتح الأندلس مثلُا ، الجانب الغريزي لعب دورا مهما لأنه وترًا حساسًا ، عندما يحارب قوم في وجودهم ، يتحولون الى قوة ليست طبيعية و لا بهينة ، هذه الغريزة مشتركة ، الغرائز نوعية ( نوع الإنسان ) ، لا علاقة لها بالقوميات و الأعراق .

السبب الثاني هو العامل الإجتماعي ، الإنسان يتحمّل الكثير من المشاق من أجل أن يحظى بمكانة اجتماعية ، و أن يتصدر موقعًا مرموقًا وحضورًا انسانيًا واضحًا ، بحثًا عن الوجاهة و المكانة و هذا أمر طبيعي ، و لكي يصل ، يسهر الليال و يتحمّل المشاق ، اذا اراد أن يكون انسانًا ناجحًا سواء كانت المواقع مرضية عند الله أم لا ، قد يبذل الإنسان جهدًا مضاعفًا في سبيل ذلك ، العامل الثالث هو السبب العقلي ، هناك أسباب عقلية ، يتخلّف الحيوان على اعتبار ان القدرة الإدراكية العقلية تخص النوع الإنساني فقط ، حب التميز و النجاح و الميل الى الكمال ، امور فطرية مدفوعة من قوانين العقل ، في علم الكلام قال علماؤنا أنّ وجوب دفع الضرر برهان و دليل عقلي محض ، فيولد طاقة ، من ضمن قوانين العقل الميل نحو الكمال ، في العقل قوانين دافعة ، اذا وجدت عقول نيرة ، تنجذب و تندفع ، اذا رأيت النجوم و الأفلاك فهي من مظاهر الكمال ، فأنت تقف وقفة اجلال للحقيقة المطلقة لله سبحانه و تعالى فيولد طاقة للبحث عن الله ، فيصل اليه .

العامل الأخير هو البعد العقائدي و الديني و هو أخطر الأبعاد و أقواها و أشدها ، وهو الذي يولد طاقة تحمّلية ليست طبيعية في الإنسان " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ " الإيمان من لوازمه التكليف ، و التكليف لا يمكن أن تنهض به بنفس ضعيفة ، بل بنفس قوية و ارادة صلبة ، صفة الصبر هي مظهر من مظاهر الثبات و القوة ، عندما يقاس الصبر بالإيمان قال رسول الله ( ص ) " منزلة الصبر من الإيمان منزلة الرأس من الجسد " ايماننا لابد ان يكون مقرونًا بالثبات و الصبر ، الصبر على طاعة الله و اجتناب معصيته ، و عند النوائب و المصائب و البلاء ، هذا المؤمن دائمًا يكون إيمانه مقرونًا بالصبر ، الإيمان دائمًا يولّد الثبات و يدفع للصلابة و القوة ، البُعد العقدي فيه قوة لا نظير لها . عندما يتعرض الدين و تتعرض الشعائر الدينية للخطر ، يقدّم الناس أرواحهم من أجل ذلك . النماذج الثباتي و القوة على دين الله عز وجل ، رجل ظُلم تاريخيًا ، هو أبو طالب ، والد علي بن أبي طالب عليه السلام ، الذي تصادف هذه الليلة ذكرى رحيله ، هذا الرجل الجليل الذي وقف مواقف صلبة للدفاع عن رسول الله ( ص ) ، وقوفه خلف النبي ليتحمّل الأذى . هذا الثبات منشأه ليس الوجاهة ولا النسب ، بل مصدره الإيمان ، تتألم عندما نعرض رأي اخواننا السنة في هذه الشخصية العظمى حيث يرى البعض بأنه كافر .



التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع