شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة السادس من شهر رمضان لعام 1440 هـ

" شبابنا في شباك التغريب " عنوان المجلس الرمضاني ليلة السادس رمضان 1440 هـ ، الإمام الصادق عليه السلام قال " تفقهوا في الدين و لا تكونوا أعرابًا " المتتبع لروايات أهل البيت عليهم السلام و بالتحديد في الروايات التي تتحدث عن التعرّب ، حيث أن بحثنا في هذا اليوم يدور حول التغرّب ، ما هو وجه الشبه بين التغرّب الغربي و بين التعرّب الشرعي ؟ على اعتبار أن مفردة التعرّب بعد الهجرة ، مفردة شرعية ، و ليست لفظة ابتكارية او اختراعية من علماؤنا ، جاء بها لسان النبي ( ص ) ، والتعرب بعد الهجرة من الذنوب و المعاصي الكبيرة التي يُبتلى منها الناس . التعرّب هو ناظرٌ الى ظاهرة من الظواهر التي وجدت وهي عبارة عن تراجع ونكوس و تخلّف المسلمين من المدنية الى الأعراب ، أن يرجع الإنسان المهاجر من أرض الحضر ( العلم و الدين ) وما تكتنفه من حريةٍ فكرية عقدية ، و ما تتضمنه من وعيٍ اسلامي مُتقدّم ، و ما تحويه من حرية سلوكية على مستوى ممارسة الطقوس و العبادات ، واذا بالبعض ينتقصون عن أعرابهم فيرجعون بعيدون عن المجتمع المسلم الى البادية و التعرّب ، لا ثقافة و لا وعي و لا حرية في ممارسة شعائر الله ، ولذا حرّم الإسلام التعرّب ، ونحن اليوم لا نبتلى بالتعرّب ؛ بل شبابنا وشاباتنا يبتلون بالتغريب الغربي و هي استلاب العقول و القيم ، وهو من أخطر ما أبرزته الثقافة الغربية و هو صُلب بحثنا ونحن نشاهد كيف أن الكثير من أبنائنا تسللت الى عقولهم و الى أذهانهم ثقافة الغرب بقيمها ومبادئها ، فصار ينسلخ من قيم السماء .

التغريب في القواميس السياسية و الكثير من القواميس الغربية التي تعرضت الى تعريفه هو افراز للحركة الامبرالية الأوروبية التي انطلقت في القرن التاسع عشر ، هناك بعض المعاجم ، المفكر و الأديب محمد مصطفى هدارة : " ان التغريب ظهر في المعجم السياسي الغربي و معناه نشر الحضارة الغربية في البلدان الآسيوية و الأفريقية الواقعة تحت سيطرتهم عن طريق ازالة القوى المانعة " . ازالة الدين و المعارضات السياسية و القيم ، للتغريب أسماء متعددة منها : كالإغتراب الثقافي ، و الإلحاق الثقافي و المسخ الثقافي و الإستلاب الثقافي ، الحركية الخارجية هي فرع المبدأ العقلي الداخلي ، من سورة الرعد " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ " ، " يغيّروا ما بأنفسهم " أي أن التغيير يبدأ من الداخل ، و لذلك النبي ( ص) " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ " ، التزكية للقلب و التعليم للعقل ، اذا عمقت الثقافة الغربية في عقول أبنائنا فكل اناء بالذي فيه ينضح ، السلوك الخارجي تابع للشاكلة الباطنية " قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلً" ، التغريب يستهدف استلاب العقول و المجتمع برمّته .

منطلقات التغريب ، عندما نرجع الى التاريخ ، نجد أن العداء على الاسلام و النظرة السوداوية عند الغرب لتحريك الإسلام عن مبادئه و ثقافته و قيمه ليست وليدة اليوم ، بل التاريخ يتحدث عن رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت هيلدا تاتشر ، أثناء الحرب بين روسيا و بين أمريكا ، نجد مارغريت هيلدا تاتشر ، عندما شُكل حلف الشمال الأطلسي ضد روسيا وهو حلف عسكري ميداني من أجل القتل وعندما انتصرت أمريكا على روسيا ، فالمتفترض أن ينتهي هذا الحلف مع نهاية روسيا الكبرى ، وقفت تلك المرأة و قالت مقولة خطيرة عدائية للإسلام و ثقافته ، " لقد ذهب عدو - أي الشيوعية - و جاء عدو أخطر منه و هو الإسلام " حيث طالبوا بضرورة حلحلة حلف الشمال الأطلسي ، فطالبت تاتشر ببقاء الحلف لضرب حلف أخطر من الشيوعية وهو الإسلام ، وعبرت في الكثير من المقالات عن الإسلام بمصطلحات خطيرة و وسمته بالحركة العسكرية البلشفية ، وهي حركة شكلت الجيش الأحمر وقاتلت الجيش الأبيض المدعوم من فرنسا و بريطانيا و انتصر الجيش الأحمر ، فوسمت الإسلام بمثل تلك الحركة أي أنها حركة قتل ويجب أن يتكاتف الغرب أمام الإسلام . هكذا يُروّج للإسلام الذي هو منبع السلام و يجسد الأمن و يؤسس الحب و تقدير الإنسان كيفما كانت لغته و لونه .

عندما ترجع لقراءة دقيقة في الحركة الشيوعية ، و رفعت شعارًا خطيرًا ، شمل الإسلام ، "الدين أفيون الشعوب "، الدين الإسلامي وغيره من الأديان ، فكر التغريب ليس وليد اليوم ، الفكر العلماني التي روج لها بثقل والتي تؤسس عن فصل الدين عن مجالات الحياة ، الدين مجاله المحراب وليس الحياة و هذه القواعد تمثل خطورة ، لانها بالنتيجة تضرب بالفكر الإسلامي ضربًا عميقًا ، في القواميس الغربية تطلق علماني في القواعد على دنيوي أو مادي ، او ليس بديني وليس بروحاني ، أو ليس بمذهب أو رهباني ، النتيجة انهم يرونهم أن العلماني من لا دين له ، و لا رهبانية و لا روحانية ، في دائرة المعارف البريطانية : العلمانية هي حركة اجتماعية تهدف الى نقل الناس من العناية بالآخرة الى العناية بالدار الدنيا فحسب ، و قسمت الإلحاد الى الحاد نظري وعملي ، وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي ، أي إقصاء الله عن جميع مجالات الحياة ، يرون بأن الدين لا يصلح لإدارة شؤون الحياة . فلذلك يتحركون في فكر تغريبي على اعتبار أنهم يؤمنون بأن الثقافة و المبادئ الغربية هي الرائدة وهي من تقوم الحياة .

الى يومنا هذا يروجون بفوبيا الإسلام و الفوبيا هي حالة مرضية تجعل الإنسان يخاف من شيء ما ، تشويه صورة الإسلام و نقل الفكر الإسلامي و كأنه مسخ مشوّه ، يجعل من الغرب يعيش حالة من الفوبيا من الإسلام ، والنتيجة دعوة الى مبادئ جديدة ، وهو ما أثر في عقول الكثير من أبناء الإسلام ، علينا أن نلتفت الى أن الغرب صار يروّج من أجل اقتلاع الفكر الإسلامي ، في سنة 2005 ، عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايز مشروع الشرق الأوسط الجديد ، مسخ جديد وتشكيل شرق أوسط جديد من خلال لعبة خطيرة وهي نظرية الفوضى الخلّاقة ، ايجاد الفوضوى و لو من خلال ايدٍ مدسوسة ومدفوع لها ، وتبدأ الفوضى و زلزلة للأنظمة في الشرق الأوسط ، لأنها تنتهي بنظام ديموقراطي ، فوضى في العديد من العالم الإسلامي ، و من ثم تبدأ الفوضى الخلّاقة التي من المفترض أن تتوافق مع الأحكام الديموقراطي ، و هذه ترهات و أباطيل ، ولكن ننتهي بعد هذه المقدمة على أن التغريب لم يكن وليد اليوم . ما نراه اليوم من تراجع قيمي و أخلاقي ، غلبت الثقافة الغربية على القيم الإلهية ، كاللحية مثلًا ، تعتبر اليوم موضة ، ، فتجد أن لحى الشباب أكبر من لحى العلماء ، ولمّا أطلق الشرع هذه الفتوى لم يُستمع لها ، ولكن لمّا أتت الموضى التركية هكذا اوفقوا للثقافة الغربية ، وهذه من معايير الجمال ، لنكن منصفيين في التعاطي مع سلوكياتنا حتى في اللباس ، و قص الشعر . الإنعكاسات التي نجدها كسلوكيات على ابناءنا وبناتنا و رجالنا و أطفالنا والتي من ورائها مخطط مدروس ، التغريب لا يحتاج الى نار ودخان ، الحرب الأيدلوجية لا نار لها ولا دخان ، الألعاب الإلكترونية و المسلسلات تنسخ عقول أبناءنا من حيث لا نعلم بما فيها من الإدمان ، ويُقدّم بشكل هادئ لطيف ، نحن لا ندعو الى الإنغلاق التام ، ولكن نحتاج الى الوعي في التعاطي مع كل ما يأتي لنا به الغرب .

من الأسباب الي تجعلنا نقع ضحية التغريب الغربي ، السبب الأول هو الإنبهار السلبي ، و الإنبهار مرحلة فوق الإعجاب ، اذا انبهر الناس بثقافة انجذبوا لها ، نجد أن اولادنا عندما يعلقون صور اللاعبين بسبب أن عندهم حالة انبهار بهم ، وكلٌّ عنده انبهار بحسبه ، عندما يعيش المسلم حالة من الدونية ، وهي السر التي يجعل منهم يعيش الإنبهار ، في يوم ما كان العرب و المسلمون يقودون العالم علمًا وثقافًا في مُختلف العلوم ، لماذا الشعور بالدونية ! ، " ۞ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ " ، هذه الثروة و المال والأبهة ، أصاب الآخرين بالانبهار " فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ " الإنبهار منه ما هو ايجابي و منه ما هو سلبي ، قدّم لولدك القدوة الصالحة ، من سورة آل عمران " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " اليهود أيضًا يدّعون بأنهم شعب الله المختار ، ولكن نحن نأمر بالمعروف و ننهى عن المنكر وهذه وسيلة من وسائل تنقية المجتمع من الشبهات و الإنحرافات و الفساد و الضلال ، و أداة نقاء فيه ، السبب الآخر هو هيمنة الجهل فكلما تغلغل الجهل في المجتمع سهل سلبُه و سرقة ثرواته ؛ لان الجهل يحول بين الإنسان و بين تمييز ما هو نافع وما هو ضار ، ما هو حقيقي وما هو باطل ، حارب الإسلام الجهل و أكّد على ضرورة العلم ، قيمتنا بالعلم . الأثر الأخير هو فقدان المناعة الفكرية ، الخلل التربوي هو من اوجد تلك السلوكيات ، التربية فعل وليست ردة فعل ، هذّب ولدك من البداية ، " بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة " وهي تيار منحرف .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع