شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الخامس من رمضان لعام 1440 هـ

" الإمام المهدي (عج) و مستويات الإنتظار " عنوان المجلس الرمضاني ليلة الخامس من شهر رمضان لعام 1440 هـ ، قال ( ص ) " أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج " النبي المصطفى ( ص ) يشير الى وظيفة تكليفية ، تلقى على عواتق المؤمنين في زمن الغيبة ، شاءت ارادة الله أن يمحّص الناس و يختبروا ببلاء لا مثيل له ، وهو غيبة ولي نعمتهم ، وغيبة حجة الله عليهم ، وهذا البلاء من أصعب أنواع البلاء ، ويتوجه تكليف للأمة في قبال غيبة امام زمانها ، قال العسكري ( ع ) " كيف بكم بالخلف بعد الخلف لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره " محنة تمر بها الأمة ، حتى يصل الأمر الى أن ذكر صاحب الزمان في بعض الحقب يعتبر من المحرمات ، ولأجل هذا تتوجب عملية وظيفية سلوكية في زمن الإنتظار ، ، مرت غيبة على صاحب العصر و الزمان و هي الغيبة الصغرى وكان الإمام يتصل بالقواعد الشعبية من خلال أربعة من سفراءه ، أما بعد رحيل السفراء الأربعة ابتدأت الغيبة الكبرى ، التي ستستمرّ و لا نعرف خط نهايتها ، " انما أمره كأمر الساعة " لا احد يعرفها ، نفس الإنتظار عبادة من أفضل العبادات ، أن تكون منتظرًا نفسانيا ، فإن هذا من مؤشرات الفرج ، يقول الإمام علي في بيان مقام أجر المنتظرين " المنتظِر لأمرنا كالمتشحِّط بدمه في سَبيل الله" هذا الثواب لا يكون الا لأن الإنتظار ليس أمرًا عدميًا سلبيًا ، بل لأن الإنتظار فعلٌ و سلوكٌ و عمل ، يحتاج أن نوجد له حقيقة قائمة في واقعنا .

الحديث اليوم حول مستويات الإنتظار الثلاثة ، و تنتطلق من مثلث الهوية ، هوية كل انسان تتأرج بين مرتكزات ثلاثة ، الجسد ، العقل ، و الروح أو القلب ، كلٌّ يحقق انتظار، المستوى الأول هو البُعد المادي ، يقول الله في سورة الأنفال " وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) " هذه القوى لها مصاديق على مستويات عدة ، المستوى الأول على المستوى الشخصي ، ولا نتكلم على روح الإنسان ولا على فكره ، بل جاهزية الإنسان جسدًا ، هذا الإستعداد يسأل الله في الليل و النهار " واجعلنا من انصاره واعوانه وشيعته ومحبيه " أن تتمتع بخبرات و قدرات وجسد صلب يقوى على مبارعة أقوى أعداء الله ، النبي ( ص ) في مقام الإشارة الى تنمية القدرة البدنية " عَلِّمُوا أوْلاَدَكُمْ السِّبَاحَةَ والرِّمَايَةَ ورُكُوبَ الخَيْلِ " ، هذا النوع من اللهو الموجه ، يوجد لهو محرم ، ولهو راجح و يؤجر عليه الإنسان ، يستشعر الصبي متعة من خلال هذه الألعاب ، هي في الحقيقة ألعاب من شأنها أن تعدّ ناصرًا ، لكنّ الألعاب في هذا الزمن من أجل أن توجد منحرفين ومدمنين و مرضى وأهل الجرائم ، الألعاب الإلكترونية مآلها الخطورة البالغة ، بينما المعصوم عندما يؤكد على نحوٍ من اللهو ، لهو مستحب و مفيد ، وهذه تصب في مصب اعداد أبدان جاهزية لنصر الإمام ( عج )، عندما نريد أن ننصر الإمام ، فحركية الإمام و ثورة الإمام فيها جانب إعجازي لا يُنكر لكنها على ضوء الظروف الطبيعية من حروب و دماء و أجساد قوية ، اذا اردت أن تكون من أنصاره ، على الجانب المادي أن تعد جسمًا صلبًا و قويًا على أكل الطعام المُحلّل الذي يُضفي في بدنك منفعة و قلبك نورانية .

على المستوى الإجتماعي ، هذا المجتمع بأفراده و أشخاصه يجب أن يكون مُترابطًا متلاحمًا متنزهًا عن النعرات و الخلافات و التمزقات و الإنشقاقات على اعتبار أن الله أشار في كتابه بحكمته " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " نزاع يؤدي للفشل ، معنى الفشل أن لا نصل للهدف ، هناك هدف منشود ، أمة الإنتظار المرتقبون للظهور ، هذا المشروع الضخم يقتضي بأن نكون يدًا واحدة ، فلو تمزقنا لفشلنا ، و لم نصل للهدف ، واذا لم نصل للهدف ذهبت ريحنا ، وذهاب الريح كناية بلاغية عن ذهاب القوة والهيبة و المنعة ، علينا أن نفتش عن جوانب النقص في أجسمنا ، هذه الخلافات التي تنشأ بين الشخص و أخيه و بين الرجل و أخيه ، وبين المأتم و المأتم ، كل مصاديق الإنشقاق و الإفتراق من أسباب الوهن و الضعف ، علينا أن نُعيد المياه الى مجاريها و أن نعيد جدار الوحدة و الترابط ، و تكون لنا ريح ، أي قوة ولنا ثبات و هيبة .

المستوى الثالث هو مستوى الإنتظار و الإعداد الرسالي ، علينا في الخارج أن نُسخّر جهودنا باتجاه الهدف الأكبر وهو الإنتظار ، أيها الأب ،، بوسعك أن تربي أولادك و بناتك من منطلق عاطفي غريزي ، أولادي جزءٌ مني ، محبّتي الغريزية تدعوني لأعمل و أكدح و أنفق عليهم و أربيهم ، بينما اذا كنتَ تنتطلق من مبدأ الإنتظار ، فربِّ أولادك ترببية رسالية تصب في مشروع الإنتظار الأعظم ، ربّ أبناء ليكونوا أنصار ، أيها المعلم في المدرسة ،، بوسعك أن تكون أستاذا و موظفًا تتقاضى راتبًا و تُنجز عملًا وتنتهي وظيفتك ، بينما اذا كنت رساليًا تنطلق من مبدأ الإنتظار ستكون وظيفتك مُختلفة تمامًا ، ليس همّك أن ينجح طلابك أكاديميًا فقط ، بل يجب أن ينجحوا إيمانيا و فكريا وتقوائيًا و رساليًا وكل خطوة إيجابية يخطيها الصبي ، أنت شريك له في الأجر ، اذا تعاطينا مع عقول أبنائنا على أنها هامات ، يومًا من الأيام ستصطف وراء إمام الزمان و ستختلف اسلوب التعليم عندنا تمامًا ، أيها الرساليوم في المجتمع ، يجب أن يتجرد الرسالي من ذاتي و أن يتحرك في كل خطوة كيفما كان ، سواء كان عالمًا أو أستاذًا في الحوزة أو رادودًا ، يجب أن يوجّه الأمّة باتجاه ذلك الهدف الأكبر ، بوسعي أن أتحدث هنا وهناك ، لأقول (أنا) ، فتكون حركية الدعوة لذاتي ، و تنتهي الدعوة بموتي ، بينما علينا أن نكون رساليين ، فما ننطقه هو الإسلام و علينا أن ندعوا الى الإسلام ، و هل وجه الإسلام العملي الا صاحب الزمان ! ، اذا ما دعونا الناس لإمام الزمان وهذا يكون في مختلف مجالات الحياة ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ " [التحريم:6] ، أن نوجد خيرة صالحة .

المستوى الرابع من مستويات الإنتظار المادي هو الإعداد الرمزي و العسكري ، ونقول الإنتظار الكشافي ، يقول الصادق " ليعدن أحدكم لخروج القائم ولو سهما فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نيته رجوت لأن ينسئ في عمره حتى يدركه فيكون من أعوانه وأنصاره " قضية المهدي من القضايا المتواترة التي لا يمكن لعالِم أن يتنكرها ، و ان اختلف البعض في حيثيتها ان وُلد او لا ، القضية المهدوية قضية حاسمة ، وتعتبر من ضروريات الدين المُسلّمة ، لأجل هذا من وظائفنا العملية الرمزية الإستعداد الرمزي ، أن تعلق سكينا في دارك ، بان هذا سلاح لإمام الزمان ، في زمان النبي كان تعليق السيف و الرمح او الخنجر ، اشارة الى رمزية الإنتظار فيما لو دقت نواقيس ظهوره ، آخر أنواع الإستعداد المادي الخارجي ، انتظار الفرج يحتاج الى عمل منظم ، حالة الغوغائية و التشرذم في المجتمع لا تنفع ، الإمام علي عليه السلام في وصيته لولديه الحسن و الحسين " أوصيكما و جميع ولدي و أهل بيتي و من بلغهم كتابي هذا من المؤمنين بتقوى الله و نظم أمركم و صلاح ذات بينكم " التنظيم الذي يكون في الضوء ، فاذا أقصينا العلماء ، العالم الرباني قادر على تشخيص الحق من الباطل ، و يستطيع ان يخرج بالمؤمنين من ظلمات الفتن بما أوتي من العلم ، كل تنظيم مهدوي أراد لنفسه البقاء ، اذا أقصى العلماء يكون أمام احتمالين ، الأول اقصاء العلماء يدل على أن اتباع الحركة المهدوية يدّعون السفارة ، و أن الإمام يحدثهم و يكلمهم و لذا ضربوا بآراء المراجع والعلماء عرض الجدار ، كل حركة تحت مظلة اسم الإمام خذوها بضرس قاطع ، ما يعطيك اياه الفقيه هو حكم ظاهري ، قد يوافق الحكم الواقعي وقد لا يوافق ، اما أتباع التيارات المنحرفة الذين يدعون السفارة ، فهي ليست أحكام ظاهرية بل واقعية ، يدعون انهم يأخذون حكم الله الأصيل ، وعلى المراجع ان تحرق رسائلهم العملية و تضرب بعمائمهم عرض الجدار ، ما ان ترى التنكر للعلماء فاعلم أنهم من أتباع السفارة ، صرّح بها أو لم يصرح ، لأن الحركة المهدوية هي من تجعل على رأسها العمامة الربانية ، مظهرهم مظهر المتدينون و الصالحون ، و المؤمن سيما الصلاح تكون على مظهره ، هكذا يكون العمل منظما ، وهذا يرشد مسيرتنا .

المستوى الثاني هو البعد الفكري ، في زمن الغيبة اذا تجاوزنا البعد المادي و الخارجي ، هذا العقل و الفكر ، من لوازم الإنتظار أن نستعدّ فكريًا ، و مظاهر الإستعداد الفكري له صورٌ متعددة ، أولًا أن نروّج للقضية المهدوية و أن ننشر الثقافة المهدويّة - ما استطعنا - في خطاباتنا و مجالسنا و صحافتنا و جامعاتنا و مدارسنا ، حتى تكون القضية المهدوية حاضرة ، يجب أن تتجلى الحقيقة أمام هذه القضية المهمّة ، الأبواق التي تُطلق هنا و هناك من جهلة بعض السلفيين ، الذي يوصفون بالغباء ، ويتهمون الشيعة بأن امام زمانهم دخل السرداب ، ومنذ دخوله السرداب اختفى فيه ، و ان الشيعة تزور السرداب ، تضج و تنوح ليخرج من السرداب ، هذه ترهات و أباطيل ، ان دلت على شيء ، تدلّ على جهل قائلها ، الإمام الحجة له دور رسالي كدور الخضر عليه السلام ، الخضر حجة الله " فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا " الله بعث موسى فوجد الخضر، موسى ولي الله و الخضر ولي الله ، ولكن الوظيفة واحدة وهي الدعوة لله و هداية الناس ، ولكن دعوة موسى ظاهرية ، ودعوة الخضر باطنية ، لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً ، و إِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً " هذه القضية تتعدى المذهبية ، جميعًا نؤمن بأن الإمام المهدي ( عج ) هو من ذرية النبي محمد ( ص ) و اذا أردنا أن نوسع القضية ، لنتحرك تحت عنوان المخلّص الموعود ، عندئذ يصطف خلف هذه القضية أصحاب الاديان كلها ، الزرادشتيون ، و البوذيون و اليهود و النصارى ، هي قضية عالمية . تعميق البعد العقدي في قلوبنا ، القضية المهدوية لا تنفصل عن الإمامة ، و الإمامة في عقيدتنا أصل من أصول الدين يجب معرفتها ، و لا يجوز التقليد فيها - كما ذكرنا من قبل - ، لا نتعاطى مع المسألة معاطي التقليد ، ولكننا يجب أن نعرف الادلة على وجوده ، و البراهين على امكانية بقائه ، و معرفة فلسفة وجوده . أيضًا الحاجة الى التطوير العلمي و المعرفي في مختلف المجالات الأكاديمية ، زمن الإنتظار هو زمن التمهيد للقوة ، من النظريات التي يؤمن بها بعض مراجعنا ، هي نظرية العزة ، و المراد من نظرية العزة أن الله " إن العزة لله جميعا " قائمة على أساس أن هذه الأمة الإسلامية ان تكون عزيزة أمام تلك الأمم ، لابد أن تعيش العزة و الإستقلالية و عدم الحاجة ، فالطب واجب التعلم ، و علم الذرة واجب التعلم و علم الفضاء و غيرها . في زماننا اليوم يطلق علينا العالم الثالث ، ببركات الغرب نعتمد عليها في كل شيء ، نظرية العزة قائمة على أن ضرورة أن تكون الأمة الإسلامية عزيزة قادرة على ادارة أمورها من تلقاء نفسها ، وهذه فرصة ان نوجه لأبنائنا التأكيد على ضرورة الجد و المثابرة في التحصيل العلمي .

المستوى الثالث هو البعد الروحي ، في زمن الإنتظار يجب أن ننتظر ونعد أنفسنا اعدادًا روحيًا ، ويتحقق ذلك أولًا بإصلاح الأنفس و تطهير القلوب وتزكيتها ، و اعدادها ، على اعتبار أن أنصار المولى ( عج ) هم من خير الناس و أطهرهم و أزكاهم ، " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا " ضرورة تزكية النفس و تطهيرها ، حيث أن الله قسم في إحدى عشر آية ، علينا أن نراجع أنفسنا ، هل هي قلوب قاسية و مقفلة ؟ ، يجب ان نصلح ذواتنا ، و أن نحقق معاني الإخلاص ، و الإخلاص مقوم على تجرد المؤمن من الإنية و الغيرية . الميزة الأخيرة هي النشاط العبادي ، انصار الإمام لا يعرفون الكسل ، هم أهل استقامة و مثابرة وطاعة ، يبادرون الى مواطن طاعة الله و الى مجالس الوعظ و العلم ، وكل ما يقربهم لله . أيضًا ، المسانخة ، وهي المشابهة لإمام الزمان ، و أن تسير بسيرته و تكون صورة منه .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع