شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الرابع من شهر رمضان لعام 1440 هـ

" آثار الحب الالهي " عنوان المجلس الرمضاني لليلة الرابعة من شهر رمضان لعام 1440 هـ ، من سورة البقرة " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ " القرآن الكريم تحدث عن مستويات العلاقة بين المؤمنين و بين الله عز وجل ، العلاقات تنطلق من مستويات ثلاثة ، العلاقة الأولى و المستوى الأول هي العلاقة العقلية ، ارتباط الإنسان بالله عز وجل على المستوى العقلي ، المستوى الثاني هو الإرنباط على المستوى القلبي ، المستوى الثالث هو الإرتباط مع الله عز وجل على المستوى العملي و السلوكي و الخارجي ، كل مستوى يعتبر مقدمة للمستوى الآخر ، لا يمكن ان تتغلغل محبة الله في المؤمن ولم يعرف الله على مستوى الدليل العقلي ، ولا يمكن ان ينسجم السلوك الخارجي من قلبٍ لا يحب الله عز وجل .

المستوى الأول بين العبد و ربه على مستوى العقل فهو واجب التحقيق من المكلّف على اعتبار ان العلاقة الأولى ، وهي العلاقة المعرفية القائمة على الدليل والحجة ، أن تسلم بوجود الله مع اقامة الدليل و البرهان ، الشريعة السمحاء تنقسم الى اصول الدين و الى فروع الدين ، لاشك عند جميع العلماء أصول الدين يجب على المكلف أن يحققها و يثبتها و لا يجوز التقليد فيها - على رأي أكثر العلماء - و عليه فهي وظيفة المؤمن أن يقيم الدليل ولا يمكن أن ندّعي العكس ، لا تديّن من دون معرفة ، حتى الإقرار به يحتاج الى معرفة و كذلك كل الأصول العقائدية من اثبات العدل و التوحيد و الإمامة و النبوة و المعاد . يجب ان نخصّص من أوقاتنا من أجل معرفة هذا البُعد ، المعرفة العقدية معرفة عينية وليست كفائية أي تجب على الجميع و لا تسقط على الفرد بتحقيق الكفاية ، لكي تترقى المعرفة على مستوى الإتصال الوجداني و القلبي .

الإرتباط بالقلب مع الله هو فرع الإتصال العقدي على مستوى العقل ، اذا تجلت معرفة العبد بالله عز وجل ، فنعرف أن الله هو معدن الجلال و الكمال و الجمال وهو أصله ، لا يمتلك القلب الا أن يحلّق في محبة الله عز وجل ، كل الحالات العارضة على القلب ، الحب و البغض و الشوق و الوجل حالات عارضة وليست مقومات ذاتية في الإنسان بل عارضة وقابلة أن تزول ، قد تكون في زمان و تفارقه في زمان آخر ، من دعاء الصباح عن امير المؤمنين " مَنْ ذا يَعْرِفُ قَدْرَكَ فَلا يَخافُكَ، وَمَن ذا يَعْلَمُ ما اَنْتَ فَلا يَهابُكَ، اَلَّفْتَ بِقُدْرَتِكَ الْفِرَقَ، وَفَلَقْتَ بِلُطْفِكَ الْفَلَقَ، وَاَنَرْتَ بِكَرَمِكَ دَياجِي الْغَسَقِ " الخوف والمهابة حالة ، كلها وليدة المعرفة ، اذا اسسنا المعرفة العقدية ، وُجد ارتباطًا قلبي وجداني لله تبارك و تعالى ، ومن ثم المستوى الثالث على مستوى السلوك ، ولا يتكامل الإرتباط بالله الا على المستويات الثلاثة .

من سورة العصر " وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) " الإنسان اذا وصل الى مرتبة الإرتباط بالله فان ذلك يصل الى مرتبة السلوك ، حديثنا الليلة حول محبة الله عز وجل ، و التي تتوقد في قلوب العارفين فيهيموا في معشوقهم ، بل يصلوا الى مرتبة من العشق و الهيمان ، هذه المرتبة لها آثارها المنعكسة سلوكًا ، الروايات تؤكد على اجتماع تلك الصفات على قلب المحب ، اولها المراقبة لحضور الله عز وجل ، المحب لله يستحيل ان يغيب الله عن قلبه ، بل هو مع الله في كل احواله ، هذا الشعور هو فرع المعرفة العقلية ، أي أن الله يستحيل أن يكون جسمًا ، حيث اذا وجد في زاوية يستحيل وجوده في زاوية أخرى ، المولى وجودٌ غير مجرّد ، و الجسمية من لوازمها الحدود ، المولى وجوده في كل مكان ، اذا تسلل ذلك للقلب ، هذا القلب يعيش الرقابة في كل الأحوال . الغفلة هي من تجعل الإنسان يمد يديه ، الغنسان المؤمن يعيش الشعور بحضور الله معه في كل الأحوال .

الأثر الثاني من آثار محبة الله على السلوك الخارجي هو الثبات على دينه ، الوجود الالهي على مستويين ، مستوى الحقيقة و على مستوى الإعتبار ، الشريعة تمثل حضور الله الإعتباري ، الله عز وجل ذاته شيء و أحكامه شيء آخر ولكنها تمثل وجوده على الأرض ، الرادّ على رسول الله كالرادّ على الله ، لهذا يثبت عليها الإنسان لأنها تعبّر عن ارتباطه بالله " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ " نحن اليوم في زمن العواصف العقائدية ، فهي زلزلة يتأثر بها الصغار و الكبار على المستوى العقائدي من تزييف و شكوك ، المحب لله عز وجل لا يتزلزل مقدار أنملة واحدة ، دكاكين المعصية مفتحة ويمكن للإنسان الوصول اليها في أي وقت ، هذا الثبات لأن الإنسان آثر الا ان يكون مع محبوبه و معشوقه . عندما تسمع فتاة تخلت عن حجابها او مؤمن غرته الدنيا فتخلى عن دينه ، أين الله اذن ، اهل محبة الله يجسدون الثبات و الصلابة في كل أحوالهم

الأثر الثالث هو المسارعة اليه ، المحب اذا احبّ انسانًا يُسارع اليه في كل أحواله ، المسارعة الى الله ليست المسارعة الى ذاته عز وجل ، وانما الى ما يُحبه الله ، اذا كنت تحب الله ، لن تملك نفسه فاذا مررت للمسجد و صوت الأذان يرتفع فستسارع للدخول ، لمخاطبة المعشوق ، لا يمكن أن يعيش القرآن في بيتك هجرًا و يتراكم عليه الغبار وهو الطريق الى معشوقك ، المسارعة الى الله من مؤشرات الحب ، من سورة طه تصف حال موسى مسارعًا لأرض الميعاد " ۞ وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ " الذي يجعل قلوبنا تهفو للصيام هو محبة رب الصيام ، من سورة آل عمران " ۞ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " ، الأنس بالله يصفه عز وجل في سورة الذاريات " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " . الحب من لوازمه الأنس بالمحبوب .

الأثر الرابع ، تقديس ما يرتبط بالمحبوب ، اذا أحببت شخصُا فكل ما يتصل به يكون عظيمًا ومُقدسًا ، لنحاكم انفسنا مع الله عز وجل ولنكن في مقام الصدق ، لان المقام لا يحتمل الكذب ، في كتاب الآداب المعنوية للصلاة للإمام الخميني ، الفصل الثاني في آداب تكبيرة الإحرام : " اذا كان في القلب اثر من كبرياء أحد لا يراه ولا يعلمه شعاع كبرياء الحق فقلبه مريض ومعلول ومورد لتصرف الشيطان وربما تكون التصرفات الشيطانية سببا لان يكون سلطان الكبرياء لغير الحق في القلب أكثر من الحق ويعرفه القلب أكبر من الحق ، ففي هذه الصورة يكون الانسان محسوبا في زمرة المنافقين ، وعلامة هذا المرض المهلك ان الانسان يقدّم رضا المخلوق على رضا الحق ليسخط الخالق لرضا المخلوق . وفي الحديث قال الصادق عليه السلام : " اذا كبّرت فاستصغر ما بين العلا والثرى دون كبريائه فإن الله اذا اطلع على قلب العبد وهو يكبّر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره قال : يا كاذب أتخدعني ، وعزّتي وجلالي لاحرمنّك حلاوة ذكري ولأحجبنك عن قربي والمسارة بمناجاتي " . يقول عليه السلام : اذا كبّرت فاستصغر في محضر كبرياء تلك الذات المقدسة ما في الكون من الأرض إلى العرش لان الله تبارك وتعالى اذا رأى عبدا يكبّر ولكن في قلبه علّة عن حقيقة التكبير - يعني أن قلبه لا يوافق ما يجريه على اللسان - يقول : يا كاذب أتخدعني وعزّتي وجلالي .. إلى آخر الحديث ." ، الله يعرف منك خائنة الأعين وما تُخفي الصدور ، يحول بينك و بين قلبك ، ان احببته صدقأ احس بك و ان لم تتفوه بشيء ، تعظيمك لما يرتبط بالمحبوب لهو تعظيمك للمحبوب ، تعظيمنا لرسول الله وذريته والشريعة و الأحكام هو تعظيم لله عز وجل .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع