شارك هذا الموضوع

بعد انتهاء الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة الإيرانية

بعد انتهاء الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة الإيرانية
رفسنجاني ونجاد .. معركة البراغماتيين والطوباويين


أن يفوز الشيخ رفسنجاني بالمركز الأول في انتخابات الرئاسة الإيرانية أمر بشّرت به استطلاعات الرأي المتعددة وكذا حجم التحالفات الغائرة والمعقّدة بين الأحزاب وبعض المراجع الدينية، ولكن أن يندّه المهندس محمود أحمدي نجاد ويتخطّى رقاب المُرشّحين ليتربع في المركز الثاني أمر غير اعتيادي بالمطلق ليس فقط لأنه يقف في أقصى اليمين المحافظ بل لأنه أيضاً شخصية توتاليتارية غير معروفة، وكان اسمه لا يُقرن إلاّ بعوالم البسيج والباسدران وخازان زينب وألوية كربلاء وشعارات الفدائيين وأسلمة المجتمع حتى النخاع، ولم يُعرف اسمه كرجل تنفيذي إلاّ بعد أن سيطر المحافظون على المجالس البلدية في انتخابات فبراير 2003 ومن ثم اختياره بالإجماع من قِبَل المجلس الإسلامي المحلي رئيساً لبلدية طهران .


إن المتابع لما حدث في انتخابات الرئاسة التاسعة لا يُمكنه إلاّ أن يصف ما حدث بالانشطار الأفقي لخريطة القوى السياسية في إيران ذلك بعد التيقّن من أن المسافة التي فصلت رفسنجاني بوصفه إصلاحياً في قالب محافظ عن أحمدي نجاد بوصفه يمينياً متشدداً بامتياز لم تكن كبيرة، فقد أشارت الأصوات التي فرزت لصالح المرشحين اللذين انتقلا إلى المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية أن هاشمي رفسنجاني حاز على المرتبة الثانية في ثمانية عشر محافظة وأحمدي نجاد حصل على المراتب من الثالثة وحتى السادسة في تسعة عشر محافظة، وتشير الأصوات إلى أن هاشمي رفسنجاني لم يحل في المرتبتين الخامسة والسادسة في أي محافظة في حين أن أحمدي نجاد حلّ في المرتبة الخامسة والسادسة في عشر محافظات، كما تفيد الأصوات أن رفسنجاني جاء بالمرتبة الرابعة في خمس محافظات في حين حل أحمدي نجاد رابعاً في ثلاث محافظات فقط، وجاء رفسنجاني ثالثاً في ثلاث محافظات في حين حل أحمدي نجاد ثالثاً في أربع محافظات، وفي الوقت الذي حلّ هاشمي رفسنجاني بالمرتبة الثانية في ثمانية عشر محافظة، وبالمرتبة الأولى في ثلاث محافظات جاء أحمدي نجاد ثانياً في محافظتين، وبالمرتبة الأولى في تسع محافظات !!


من هو أحمدي نجاد ؟!
لم يمنع نبوغ أحمدي نجاد وتميّزه الأكاديمي وحصوله على درجة الدكتوراه في الهندسة المعمارية لأن ينخرط في صفوف البسيج وفي قوات حرس الثورة الإسلامية (الباسدران) أو أن يُشارك في حرب الشوارع التي سبقت رحيل الشاه ثم قائداً فدائياً (جانباز) في الفرق الخاصة التي توغلت في الأراضي العراقية (الشمالية الشرقية) مُشعلة حرب عصابات ضد الجيش العراقي أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وقد اكتسب مصداقيته بين أقرانه وفي الأحياء الفقيرة من سلوكه الطوباوي ومن التزامه المفرط في العيش بحد الكفاف واكتساء البزّات الخاصة بقوات التعبئة والعيش في أزيد الأحياء فقراً بطهران، كما أنه لا يتقاضى راتباً نظير رئاسته لبلدية طهران مُكتفياً براتبه التي يحصل عليه كأستاذ جامعي يعمل بعد الظهر بل حَرِصَ على تسجيل كافة ممتلكاته هو وزوجته لدى ديوان الذمة المالية التابع للسلطة القضائية بُعيد انتخابه رئيساً للبلدية، ثم إن ولائه المطلق للقيادة الدينية جعله جندياً مطواعاً من الدرجة الأولى، وكان دائماً ما يُردد مقولة للشهيد محمد علي رجائي " لا تنسبوا مواقف ضعفي للثورة ولا لتوجهي ومدرستي، فما ترونه من مشكلات فأنا سببها وليس نظام الجمهورية الإسلامية " ولا زال يُجاهد من أجل تطبيق رؤيته في الإدارة الثورية التي يعتقد بأنها تعود إلى تلقّي وتصور أساس الثورة وإيجاد مجتمع إسلامي نموذجي مُتقدم كمنطلق لحركة إقامة الحكومة العالمية للإسلام .


ولم يثنه اختياره في حكومة رفسنجاني الثانية مستشاراً لوزير التعليم العالي، ومن ثم تعيينه من قِبَل رفسنجاني رئيساً لمدية أردبيل لأن يُمارس دور المُنشِد الديني للإمام الخامنئي أو أن يتخلّى عن زياراته الميدانية اليومية لتجمعات الشباب في الأسواق والردهات الترفيهية أو حتى المشاركة في مناورات البسيج والحرس وحضور العروض العسكرية لحزب الله لبنان  .


ملاحظات أولية على نتائج الانتخابات
(1) أظهرت نتيجة الانتخابات الأخيرة بأن تحولات هامة بدأت تفرض نفسها بقوة على المجتمع الإيراني الذي ملّ من حالة الاحتراب بين القوى السياسية المتنافسة وأخذ ينسحب تدريجياً صوب التجمعات الأهلية التي قد تُقدّم له خيارات أكثر حرصاً على تطلعاته، وهو خيار يبدوا أن أحمدي نجاد تنبّه له أبكر من غيره وبدأ العمل من خلاله بعيد انتخابات المجلس النيابي السادس، وزاد منه أكثر بعد استلامه رئاسة بلدية طهران .


(2) إن بريق التيار الإصلاحي المتطرف قد بدأت في الانحسار ولم تعد شعاراته التي كانت تطرب لها أذن الناخب الإيراني تُسعفه في شيء، لذا فقد حلّ مرشحهم (الحامل لذات الشعارات البائسة) مصطفى معين في المرتبة الخامسة، وهي وبالمناسبة الانتكاسة الثالثة التي يُمنى بها الإصلاحيون المتطرفون بعد هزيمتهم في انتخابات المجالس البلدية في فبراير 2003 وهزيمتهم في الانتخابات النيابية السابعة في فبراير 2004  وهي رسالة واضحة وجليّة بأن حالة الاحتقان السياسي التي أسّسوا والغبار الذي ملؤوا به الأجواء الداخلية وشعارات التنمية السياسية بمنظورهم المتطرف قد بدأت تتعفّن .


أختتم الحديث بسؤال كبير يطرح نفسه : أيهما أحق برئاسة الجمهورية الإسلامية ؟ رفسنجاني أو نجاد، ولأن الجواب من اختصاص الإيرانيين وحدهم الذين سيقولون كلمتهم في يوم الجمعة لذا لا يُمكنني أن أصادر ما سيقررونه لكنني أحتفظ برأي خاص حول ذلك أطرحه لاحقاً .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع