الزائر هذه الأيام للعاصمة الإيرانية طهران وبقية المدن الكبرى التي تتماثلها في العمق الاستراتيجي والعددي والثقافي لا يمكنه إلاّ أن يرى ما تعيشه إيران من واقع متجدد بمناسبة حلول الذكرى الـ 25 لانتصار الثورة الإسلامية احتفالات استعراضية، وشعارات تحمل أسماء ضحايا الحرب العراقية الإيرانية ( شهداء الدفاع المقدس ) وتُزيين بلا حدود للقاعات والأبنية برسوم جدارية ضخمة لزعماء الثورة الأوائل الذين قضوا غدراً على أيدي جماعات الدم الإرهابية، وإلى جانب ذلك فإن الأثواب المُزركشة والأنوار الليزرية التي تخترق فضاء العاصمة طهران وغيرها تبدوا فاقعة، كما يتدافع المسؤولون في النظام الإسلامي بدءً من المرشد الأعلى ومروراً بأعضاء الحكومة والمجالس الرقابية وقادة الحرس الثوري وقوى الأمن الداخلي لزيارة مرقد الإمام الخميني المُسجى فيه منذ الرابع من حزيران يونيو 1989، وهي لفتة لها دلالاتها الرمزية والسياسية، خصوصاً وأن الجميع بات يُدرك بأنه مدين لهذا الرجل الذي غادر أرض إيران مكرهاً رغم أنه كان يملك " قوة الرجل " في العام 1964 ليعود إليها بعد 15 عاماً منتصراً مستفيداً من " قوة اللحظة " تحفّه الجماهير المليونية كالموج لكنه ظل يحمل بين جنبيه هموماً متراكمة لا يسعها سوى قلبه المُثخن الذي تهرأ بعد الثورة مرتين اضطر خلالهما لأن يُجرى عمليتين جراحيتين انتصر في الأولى وحال القدر دونه في الثانية ليُغادر هذا العالم تاركاً وراءه إرثاً سياسياً وفقهياً وحركياً ونظام أفكار عقمت الحركات الإسلامية ( السنية والشيعية ) ومنظريها في عصرنا الحاضر لأن تأتي بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .
وفي الحين الذي تحتفل فيه الجمهورية الإسلامية بإكمالها العام الخامس والعشرين فهي أيضاً لا تريد لمشاكلها أن تُطمس أو أن تضيع في زحمة تلك الشعارات والاحتفالات الكرنفالية فهي تراقب همومها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعناية وتحاول جاهدة أن تتلمس لها ما تستطيع من حلول لتفادي اتساع دائرتها، فقبل سبعة أعوام فهم القادة في طهران أن جمهوريتهم قد وصلت إلى طريق غير ما كانوا يصبون إليه نتيجة مزاحمة مضطربة بين الخيارات والبرامج والسياسات والخطط لذا فإنهم وفي سبيل ردم الهوة بين كل ذلك توصلوا إلى نتيجة جريئة وقراءة رشيدة في مسيرة عملهم السياسي وهو أنه عندما لا يتواكب معدل التنمية السياسية مع خطوات الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية ( أو العكس ) وعندما تصطدم التوقعات المطروحة في المجتمع على صعيد مجالات الرفاهية بالواقع عندئذ يزداد الطلب على الإصلاحات الديمقراطية بمعطيات أخرى واستقرار السلام على الجبهة الخارجية مع العمل على تحقيق رفاهية اقتصادية في الدخل، فسارعوا إلى استقدام هوية سياسية جديدة تتواءم مع الواقع الذي وصلوا إليه بخارج إرادتهم بدون تنصّل غائر أو قفز على المبادئ فجيء برئيس مثقف كان لسنوات عديدة منكباً على المطالعة والبحث كمدير للمكتبة الوطنية في طهران وعضواً بالمجلس الأعلى للثورة الثقافية وهو متقن لفن الخطاب الديني غير المنفّر ومفردات فقه الشعار، عالماً بأنه وكما النحو بمعناه المحدد والمتفق عليه باعتباره القواعد التي تضبط علاقات الألفاظ داخل جملة وتمكنها من إحداث الدلالة، فإنه يمكن تحوير الشعار وموائمته مع الواقع بتجدد وتحييد غايته مؤقتاً فاستطاع من خلال موفوراته الثقافية والدينية إعادة تجميع أكثر من 90 بالمائة من الشعب الإيراني حول النظام الإسلامي الذي عُدهّ إنجازاً أنقذه من مأزق افتراق شرائح مجتمعية صاعدة عن أداة القياس التي يعتمد عليها الحكم .
وفي حديث مهم لأحد المفكرين الإيرانيين حول جدوائية الحكم الديني ( أو على الأقل كما هو مطبق في إيران الجمهورية الإسلامية ) ومدى قدرته على صنع مقدمات الحضارة يقول فيه أن توينبي يذكر في إحدى مرئياته الفلسفية أن الحضارات تنعقد نطفتها وتولد وتنمو وتزدهر وتأفل وتتحجر وعليه فإن الركن الأول للحضارة هو أن تحظى بعقلانية، بمعني أن يكون لها أساس من العقل العملي أي كيف نبلور من خلالها حياتنا الفردية والاجتماعية، أما الركن الثاني فهو أن يجعل الناس الذين يتسمون بالعقلانية المذكورة قاعدة لحياتهم المدنية، وإذا ما قام شعب يتسم بالعقلانية بعدم إرساء حياته الجماعية على أساسها فلن تتبلور له حضارة، الركن الثالث هو الاستمرارية في الالتزام بالعقلانية كي تتبلور المؤسسات المدنية وتزدهر العقلانية بذلك وتنمو إثر التعامل معها، والركن الرابع هو زبائن العقلانية أي اتساع حدودها بما يلزم، إذ يجب أن تتمتع الحضارة بحجم وطني وأن تتجاوز الحدود الجغرافية، وإذا جعلنا علم اثنيات هذه الحضارة قاعدة فعندها نستيطع النظر إلى الدين، فالدين عندما يتمكن من إيجاد أجواء عقلانية فإنه يستطيع أن يُشكل قاعدة للحضارة، ولكن إذا ما بقي الدين فقط في حدود التجربة الشخصية أي في حدود المؤلفات المعروفة لعلم الأديان كأمر مقدس فإنه يشكل قاعدة لظاهرة اجتماعية نفسية فقط، وعليه وبما أن الدين يشكل أساساً للعقلانية فإنه يمكن للأفراد أن يعتمدوا عليه في حياتهم الفردية والاجتماعية، ويمكن أن يشكل أيضاً قاعدة للحضارة، إن العقلانية تشبه العقل العملي تماماً ( ماكس فيبر ) ويُقصد بذلك الأسس التي يعتمد عليها الأفراد فيما يختارونه في حياتهم الفردية والاجتماعية، وعليه يكون الدين في ترابط قوي مع الحضارة في هذا الجانب، وربما لا تستطيع الأديان كافة أن تكون صانعة للحضارة لأنها تعجز عن تلبية متطلبات ودوافع الحياة الاجتماعية والفردية، لكن الإسلام قادر على بناء الحضارة ( وهو خيار الثورة الإسلامية المعلن ضمن أدبياتها ) .
ورغم الحالة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الشعب الإيراني نتيجة حرب الثمان سنوات المفروضة وإفرازات أزمتها الخارجية في عقد الثمانينات وجزء من التسعينات الناشئة من أخطاء داخلية وخارجية فلا زال الجيل المخضرم في إيران يتحدث لمن لم يُعايش أحداث الثورة وإرهاصاتها كيف كان الإيرانيون في العهد البهلوي يعيشون الحياة ( التي أرادها لهم الشاه أن يحيوها ) بكل ما فيها مساقات غير منسجمة جرّاء سياسته الساعية بقوة في الاندفاع الأحمق نحو التغرب الثقافي والتأمرك السياسي إلى منتهاه ولم تغادر ذاكرتهم أبداً أنه ورغم التحسن الاقتصادي المحدود إلاّ أنهم كانوا ارتهاناً لغربة حقيقية عن حرية التعبير والحركة والانتخاب حين كان جهاز الاستخبارات ( السافاك ) يُمثل رأس الحربة الشاهنشاهية في ضبط المعارضين وتصفيتهم في ( بحرية الملح ) مستغلاً الإمكانيات المادية الفلكية التي رصدتها له الأسرة البهلوية (مليار دولار سنوياً ) لتجويد عمله وتشديد قبضته أكثر، فكان كل ثمانية إيرانيين من الثلاثة والثلاثين مليون ( آنذاك ) تحت أعين رجل سافاكي واحد !!
المستندات والإحصائيات الصادرة عن منظمة اليونسكو تشير إلى أنه في العام 1976 كانت الأميّة مستشرية في أكثر من 56 بالمائة من الشعب الإيراني، وفي جانب آخر تشير المعلومات أنه تمّ تخصيص أكثر من 33 ألف هكتار من أخصب الأراضي الإيرانية لزراعة الأفيون والمخدِّرات تعمل مباشرة لحساب أشرف بهلوي ( الأخت التوأم للشاه محمد رضا بهلوي ) كما أن الثروة الوطنية كانت مُبددة ومحصورة في أيدي فئة قليلة، ففي العام 1961 بلغت ثروة الشاه ( حسب ما أشارت إليه بعض الوثائق التي تمّ ضبطها خلال عملية اقتحام السفارة الأمريكية في طهران في نوفمبر 1979 ) ما يلي : ملكية أكثر من 17 مصرفاً في إيران بينها بنك العمران الضخم، مؤسسة توزيع الأدوية المعروفة " داروبخش " ومعمل الإسمنت في محافظة فارس وشركة الإسمنت في منطقة درود ومعمل السكر في فريمان وقهستان والأهواز وبارس وشركة الأسهم والتأمين في شركة الخليج لنقل النفط ومعمل الأترنيك ومعمل إطارات بي إف غودريج و25 مصنعاً لإنتاج الصناعات الفلزية وثمان شركات تعود إلى الصناعات المعدنية وعشر معامل لإنشاء المواد الإنشائية والبنائية وخمسة وأربعون شركة خدمات عمومية وثلاثة وأربعون معملاً لتهيئة المواد الغذائية، كما أن مؤسسة بهلوي تملك أكثر من 70 بالمائة من الفنادق العملاقة والمطاعم الفاخرة و50 بالمائة من شركات القطن والإسمنت الكبيرة، ولم يكن يُسمح لأحد بالاستثمار إلاّ بعد مشاركة أحد أعضاء الأسرة البهلوية الحاكمة لذا فإن الكثير من الإيرانيين لا زالوا متيقنين رغم المشاكل الاقتصادية الخانقة بأن الثورة الإسلامية هي هبة السماء إليهم، وتتأكد تلك القناعة أكثر عندما تنشر الصحافة الإيرانية بشكل مستمر أنباء قيام محكمة مكافحة الفساد برئاسة دري نجف آبادي ( والمُشكلة بأمر من المرشد الأعلى ) بضبط عمليات فساد اقتصادي للكثيرين من المتنفذين، ليس آخرها قضية رئيس بلدية طهران كرباستشي ومهرام جزائري .
وفي هذه المناسبة أرى لزاماً على أن أتناول بعض ملفات الداخل الإيراني والتي أعتقد بأنها أمور مُهمّة لكنها بعيدة ( وللأسف ) عن التناول :
(1) الصفوة الحاكمة : بعد قيام الحكومة المؤقتة برئاسة المهندس مهدي بازركان أدرج توزيع مناصب السلطة على جدول أعمال الحكومة وكان تغيير المسؤولين العسكريين المسألة الأكثر إلحاحاً بسبب التخوف من حدوث انقلاب عسكري مباغت وموجّه يقوده بعض ضباط العهد البهلوي، إلاّ أنه وفي الوقت نفسه بات الجميع يُدرك بأن عدم تدخل الجيش على نطاق واسع في حركة الثورة وانضمام قطاعات واسعة منه إلى الحركة الثورية حال دون وقوع مواجهات دامية بين الجيش والثوريين وهو ما أدى إلى الإبقاء على التسلسل التراتبي في الجيش، كما أن وقوع الحرب العراقية الإيرانية أدى إلى تغيير في مواقع النخبة في الحقول الاقتصادية والسياسية والثقافية في المجتمع .
وبعد استقالة الحكومة المؤقتة في 06 تشرين الثاني / نوفمبر 1979 بعد عملية احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية تولى إدارة الأمور مجلس الثورة وكان هدفه الرئيسي تطهير المؤسسات الوزارية من العناصر الفاسدة " وقدم في سبيل ذلك الشهيد الدكتور بهشتي برنامجاً ينطوي على ست مواد كتفاصيل للمشروع، وكانت تلك السياسة نهاية للجدل الدائر بين رؤية تقول بإلغاء الصفوة القديمة وأخرى تدعو إلى الاندماج، وقد بذلت قيادة الثورة جهوداً مُضنية في سد حاجة البلاد من الآلاف من الوظائف التي باتت شاغرة في ظل الحاجة المُلحّة لكوادر تكنوقراطية يمكنها أن تُسيّر الأمور وتجعل من العمل الإداري والوزاري أكثر سلاسة وانسياباً، إلاّ أن الأمر المهم من كل ذلك أنه ورغم ما قامت به الجمهورية الإسلامية من جهد كبير في ذلك المجال إلاّ أن الأمور لا زالت تخضع لمعايير غير عملية ( أحياناً ) كالولاءات السياسية والدينية وربما القومية والمناطقية رغم أنها قد تكون متطلبات وجيهة بنظر قادة النظام الإسلامي بسبب تخوفهم من التآمر الخارجي أو الداخلي معاً أو حتى من حسابات المسألة الإثنية والعرقية وطريقة توزيع الخريطة السياسية الحزبية في المجتمع المدني أو الأهلي .
(2) المرأة الإيرانية : كان الإمام الخميني يرى أن مساهمة المرأة في المجتمع ليست ضرورة تنبع فقط من مجرد التظاهر أو الخطوات الرمزية بل تنبثق من حقيقة أن تجارب العديد من البلدان تشير إلى أن المجتمع الذي تضطلع فيه المرأة بدور أكبر على مستوى الأنشطة الاجتماعية والإدارية يتسم بتنمية وتقدم أرسخ، كما أنه ورغم تلك النظرة المتقدمة للمرأة لم تكن عملية الاختيار والزج النسوي في الحياة العامة نابع من مرئيات العلاقات العامة الترويجية بل روعيت العلاقة الطردية بينها وبين المهارات العلمية والإداركية والشخصية للمهن المناطة بها .
وقد بدأ قادة الثورة عملية التنظير الدستوري والقانوني وتحديث رؤيتهم تلك حين أفردوا في دستورهم سبع مواد عامة تؤكد على دور المرأة كما بُدأ العمل بالقوانين والقرارات المدنية والقضائية والقرارات المتعلقة بالعمل والصحة والتعليم والساسة والاقتصاد والثقافة لذا فقد استطاعت المرأة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية أن تحصل على دعم المسؤولين لها لتشارك بفاعلية في الإنتاج القومي، ولا غرابة أن نعرف أن المرأة الإيرانية هي الآن في منصب مساعدة رئيس الجمهورية ومساعدة للوزير لشؤون البحث العلمي وأخرى تترأس الحي السابع ببلدية طهران المزدحم بالسكان وتشغل مناصب سيادية في دائرة التخطيط والموازنة، كما ازداد عدد النائبات في مجلس الشورى الإسلامي أربعة أضعاف على ما كان عليه في الدورة الأولى، وفي المجال الحوزوي نالت كثيرات منهن درجة الاجتهاد وإجازة الرواية من علماء الدين من الدرجة الأولى ( فريدة مصطفوي الخميني البنت الوسطى للإمام مثالاً ) بعد أن كان مقصوراً على الرجال باستثناء فقيهات الأندلس .
وفي المجال الأكاديمي فإن الإحصائيات تشير إلى أن عدد الطالبات الجامعيات اليوم في إيران يفوق نسبة الرجال بخمسة في المائة وأن نسبة النساء المتعلمات العاملات تفوق نسبة الرجال المتعلمين اليوم في إيران إذ أنها زادت منذ العام 1996 عن نسبة الرجال 15 بالمائة وأنه في عام 2001 فاق عدد الجامعيات على الجامعيين بنسبة عشرة في المائة أي 45 بالمائة للذكور و 55 في المائة للإناث، كما أن الإحصائيات تشير إلى أن نسبة النساء المتعلمات مع قيام الجمهورية الإسلامية بلغت في العام 1986 نحو 26 بالمائة ثم ارتفع إلى 52 في المائة وبلغ 74 بالمائة عام 1996 أي أن النسبة ازدادت منذ العام 1979 إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه كما ارتفع معدل الزيادة في مجال التعليم النسوي من 1.2 في المائة عام 1976 إلى 62 بالمائة عام 1996، وبلغت الصحف التي تُدار من قبل نساء حتى عام 2001 نحو 67 صحيفة في عموم إيران .
وفي العام 1995 ونتيجة إدخال جملة من تعديلات على قانون شروط انتخاب القضاة المصادق عليها في العام 1982 صار بمقدور السيدات المساهمة بدرجة قاضي في تولي مناصب الاستشارة وقاضي التحقيق في المؤسسات القضائية في البلاد، كما ازداد مؤخراً امتهانهن للمحاماة بصورة مُلفتة .
(3) القوة العسكرية : قطعت الجمهورية الإسلامية شوطاً طويلاً في مجالات التطوير والإنتاج العسكري إلى درجات متقدمة جداً حيث بدأت المشوار منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي في أتون الحرب العراقية الإيرانية وجسّرت علاقات عسكرية ذات خيط رفيع مع بعض القوى الإقليمية والدولية وبعض السماسرة الكبار في السوق السوداء، ثم ازدادت أكثر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عندما استقدمت المئات من خبراء السلاح من جمهورياته المترهلة وقدّمت لهم تسهيلات مالية مُغرية في سبيل قيامهم بالمساهمة في تطوير الآلة الحربية الإيرانية وتدريب الكوادر في قوات حرس الثورة الإسلامية ( الباسدران ) والجيش خصوصاً في مجالات الردع الصاروخي، ثم قامت بتدجين تلك التكنولوجيا في عقول إيرانية وطنية لتكون في مأمن من أي عقوبات عسكرية مُحتملة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فأن الدراسات الدفاعية تشير إلى أن إيران بدأت في تصنيع :
- مقاتلات إف 4 وإف 5 وإف 7 والطوافة شاباوز 2-75 التي يبلغ مدى اكتفائها 500 كيلومتر ويمكن أن تحلق على ارتفاع 12600 قدم (1170.5 متر ) وكذا طائرات نقل الركاب وطائرة شفق التعليمية وطائرات بلا طيار .
- كما أنها بدأت في تصنيع الصواريخ المتطورة شهاب 3 متوسط المدى ( 1300 كم ) والذي يعمل على الوقود الصلب، وشهاب 4 الذي يصل مداه إلى 3000 كم، وتعتزم القيام بتطوير الصاروخ الكوري الشمالي " تايبو دونغ 1 " ليصل مداه إلى 5000 كم ويدخل الخدمة في سنة 2005 – 2006، بالإضافة إلى منظومة صواريخ زلزال "1" و"2" و"3" المتطورة وكذلك صاروخ صيّاد "1" المضاد للطائرات الذي تمّ اختباره في مناورات الحرس الثوري بجنوب طهران في العام 1999 .
- وفي شهر سبتمبر الماضي أعلن رئيس مؤسسة الصناعات الجوية الإيرانية العميد أحمد وحيدي عن تدشين مصنع جديد لإنتاج صاروخ كروز البحري وصاروخ فجر وخط إنتاج للمدفعية المضادة للجو من عيار 35 ملم، كما تمّ الإعلان عن إنتاج صواريخ مضادة للدروع وصواريخ تعمل بالوقود الجامد .
- بدأت في تصنيع ناقلات الدبابات تيماز ( وهي تطوير للدبابة الروسية تي 72 ) وكذا تصنيع دبابات ذو الفقار .
وبمناسبة الذكرى الخامسة والعشرون لانتصار الثورة الإسلامية عقد مسؤولون وخبراء من القوة الجوية بالجيش الإيراني مؤتمراً صحفياً يوم 04 فبراير الجاري شرحوا فيه أهم المنجزات العسكرية التي حققتها إيران حيث أكدوا أن أكثر من 50 بالمائة من مجمل حاجات القوة الجوية الإيرانية يتم تصميمها وصناعتها من قِبَل خبراء ومتخصصون إيرانيون، وأن صنع الرادارات الأرضية والجوية وتدريب الكوادر الشابة وتحديث الأنظمة القديمة والارتقاء بمستوى التكنولوجيا في قطاعات التزويد والتزود بالوقود والطائرات المقاتلة وتصميم وصنع الصواريخ تعتبر من أهم الأنشطة المُنجَزَة من قِبَل القوة الجوية .
كما تمّ تدشين خط إنتاج مروحيات ذات محركين بشركة " بهنا " التابعة لمنظمة الصناعات الجوية بوزارة الدفاع، حيث سيتم استخدامها في مجال النقل البحري والإغاثة وسيتم إنتاجها لأول مرة في إيران بواقع 6 إلى 12 مروحية في العام .
(4) القوة النووية :
كان الشاه محمد رضا بهلوي قد بدأ مشروع امتلاك الطاقة النووية مطلع السبعينات عن طريق تعاقده مع شركة سيمنس الألمانية، مستفيداً من الضوء الأخضر المُعطَى له من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تعتبره الحليف الاستراتيجي لها في المنطقة بعد إسرائيل، إلاّ أن المشروع تعثر بعد انتصار الثورة الإسلامية وتغيّر النظام في إيران من حليف إلى عدو للغرب في المنطقة، ثم عاود القادة الجدد الاهتمام بذلك المجال مع حلول العام 1985 عن طريق كوريا الشمالية والبرازيل والسوق السوداء، إلى أن لجأت إيران بصورة علنية إلى التعاون مع روسيا الاتحادية مع بداية العام 1992 حين وقع البلدان اتفاقيتين، الأولى تهم التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والثانية تتعلق ببناء محطة نووية في إيران لتوليد الطاقة الكهربائية .
وفي العام 1994 وبالتحديد كانون الثاني وقعت إيران عقداً مع روسيا بقيمة 800 مليون دولار لبناء مفاعل بوشهر النووي (جنوب إيران) بطاقة تبلغ 1000 ميغاوات بعد أن تنصلت شركة سيمنس الألمانية عن إكماله بضغط من الولايات المتحدة بعد الثورة، وقد نُقِل هذا المفاعل من مصنع إيغورسكاي زافودي (وبإشراف مؤسسة اتوم ستروي ايكسبورت المكلفة بتنفيذ المشروع) بسان بطرسبرغ عبر البحر إلى إيران وبصحبته أكثر من ستمائة تقني على أن يلتحق بهذا العدد في نهاية العام 2002 ألف وأربعمائة تقني آخر ويدخل الخدمة في ديسمبر 2003 ويتم الحصول على الدفعة الأولى من طاقته الإنتاجية بحلول أواسط العام 2004، كما أن زيارة وزير الطاقة الروسي قبل عامين ثبَّتت دراسات حول بناء محطات جديدة في أماكن متفرقة من إيران أهمها في منطقة الأهواز (غرب) بقيمة 780 مليون دولار، وكانت إيران قد وقَّعت اتفاقاً تكميلياً آخر نهاية العام 2001 بقيمة 1.200 مليار دولار ليكون مجموع المفاعلات التي ستساهم في بنائها موسكو خمس محطات نووية على أن يتم الانتهاء من تشييدهم بحلول العام 2012 م بشرط أن تقوم إيران بإعادة الوقود المُستَنفد إلى روسيا مقابل حصولها على الوقود الذري النّشِط، وكان رئيس لجنة الطاقة الذرية الإيرانية البروفيسور رضا آغا زادة قد أعلن قبل فترة بأن بلاده عاقدة العزم لبناء 6 محطات لتوليد الطاقة النووية خلال العشرين سنة القادمة تصل قوتها إلى 6000 ميغاوات .
وبعد حلحلة الأزمة النووية الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية من قِبَل وزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا حصلت إيران رسمياً على تعهد دولي على حق امتلاكها للطاقة النووية للأغراض السلمية وبتزويدها بما تحتاجه من مستلزمات بحثية وغيرها من أوربا، وهو ما اعتُبِرَ أنجازاً مهمّا في سعيها الحثيث لامتلاك التقنية النووية .
وتأمل إيران من امتلاك تلك التقنية لسد حاجتها المتزايدة للطاقة الكهربائية التي يزداد الطلب عليها باستمرار نظراً للمتطلبات الديمغرافية وسياسة التمدين والتوسع العمراني الذي تقوم به الحكومات الإيرانية المتعاقبة وخصوصاً في المحافظات الخمس المتضررة من الحرب مع العراق وهي (خوزستان ، إيلام ، باختران ، كردستان ، آذربيجان الغربية) .
النقطة الأهم التي أودّ الإشارة إليها هي أن هذه المكتسبات التي تمّ إنجازها طيلة عمر الجمهورية الإسلامية قد لا يكون التباهي بها مُجدياً من دون أن تكون هناك أسبقية " كيف على " ماذا " في التنمية السياسية المحاذية للتنمية الاقتصادية دون إحداث تباعد في المساق الإجرائي، يُضاف إلى كل ذلك فقد بات من المُحتّم على النظام الإسلامي في إيران (وكما فعل في محطات سابقة) أن يُعيد في هذه المرحلة فرز حالة الأفهام المختلفة للأفعال الأصلية والصناعية الدينية منها أو الدستورية التي ظهرت بعد الثورة لكي يستطيع استقطاب أكبر عدد ممكن من الشرائح المجتمعية ولكي تستمر عملية الانتقال الطبيعي للمراحل في ظل تخليقة سياسية متكافئة ومستقرة .
التعليقات (0)