عبادة الله تعالى هي الهدف من الخلق، وقد جعل تعالى حقه على عباده أن يطيعوه.
ومن بين العبادات التي عينها المولى تعالى لتربية الإنسان: الصلاة. والتي هي إحدى الفرائض الإسلامية الكبيرة، وقد شرعت الصلاة لإيجاد العلاقة الدائمة والمستمرة بين العبد وخالقه، وإحكام مباني العبودية، ورأب الصدع الناشىء عن التصرفات البشرية وإعادة التلاحم بين الروح وبارئها، لذلك جُعِلت هذه الفريضة رأس الدين وعماده الذي يقوم عليه بنائه: "الصلاة عماد الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت رُدَّ ما سواها" الرسول الاعظم (ص).
كيف نصلي؟
عن رسول الله (ص): "ليس مني من استخف بصلاته".
إن للصلاة آداب ومقدمات، وحدود وتعقيبات يؤدِّي عدم مراعاتها والاستخفاف بها للإستخفاف بأصل الصلاة، فتُقام وتودَّى مبتورة ناقصة، وهي مع صحتها تبدو مذمومة وقبيحة.
والإمام الصادق ? حين أمر حمَّاداً بالصلاة فرآه لم يستجمع الآداب مع كون صلاته صحيحة قال له: "يا حمَّاد لا تحسن أن تصلي، ما أقبح الرجل منكم تأتي عليه ستون سنة أو سبعون فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة".
ثم قام وصلى أمامه ركعتين تامتين بحدودهما وآدابهما.
وصورة هذه الصلاة كما وردت عن أئمة الهدى (ع) هي: "إذا قمت للصلاة تقوم بالوقار والخشوع، واضعاً يديك على فخذيك بإزاء ركبتيك، مفرجاً بين قدميك بقدر ثلاث أصابع منفرجات إلى شبر، ناظراً إلى موضع سجودك، غير رافع بصرك إلى السماء، ولا مطأطأ الرأس ثم أقصد آداء الفريضة وقارن النية بإحدى التكبيرات السبع واجعلها تحريمة، رافعاً بكل منها يديك مستقبلاً بكفيك القبلة ضامّاً أصابعك سوى الإبهامين، غير متجاوز بكفيك أذنيك، مبتدئاً بالتكبير حال الرفع منتهياً بانتهائه، ثم تقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. تُخافت بها، ثم أقرأ الحمد مرتِّلاً مراعياً للوقوف في مواضعه، محضِراً قلبك متدبراً معانيها وتسكت بعدها بقدر نفس ثم تقرأ سورة كذلك. ثم اركع واضعاً يمناك على ركبتيك اليمنى قبل يسراك، مستوياً ظهرك ماداً عنقك، ناظراً إلى ما بين قدميك. ثم أهوِ للسجود بخضوع وخشوع متلقياً الأرض بيديك قبل ركبتيك، باسطاً كفيك مضمومي الأصابع مباعداً بينهما حيال وجهك، ممكِّناً جبهتك من الأرض جاعلاً أنفك ثامن مساجدك السبعة ناظراً إلى طرفه. ثم تجلس متوركاً، ثم تقوم رافعاً ركبتيك قبل كفيك معتمداً عليهما قائلاً: بحول الله وقوته أقوم وأقعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قاصداً به الأنبياء والأئمة والحفظة".
صلاة الجماعة:
للصلاة فوائد، وكلما كملت الصلاة وتوفرت شروطها زادت نسبة الاستفادة منها، حتى تصل إلى ذروتها عند آدائها جماعة في صفوف متراصة كالبنيان المرصوص، حيث يكتسب كل فرد في هذا الصف مناعة وحصانة ناجمة عن تراص البنيان والصفوف، وهذا جوهر أمر الله تعالى: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين"(1).
وتحقق صلاة الجماعة تماسكاً في المجتمع الإسلامي، وتمتِّن الترابط بين قلوب المؤمنين لذلك جعل الله لها فضلاً عظيماً، وجعل صلاة الجماعة تعدل خمس وعشرين صلاة فرادى، ومن يظلم نفسه ويترك هذا الفضل يضعُفُ دينه وتجب غيبته في هذه المجالس بناءً على قول رسول الله (ص): "ولا غيبة إلا لمن صلَّى في بيته ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، وسقطت عدالته، ووجب هجرانه، وإن رُفِعَ إلى إمام المسلمين أنذره وحذَّره ومن لزم جماعة المسلمين حرمت غيبته...".
وآثار ترك الجماعة وخيمة وقاتلة للفرد والمجتمع الذي يتألف من مجموع الأفراد، كما جاء في حديث أمير المؤمنين ?: "الشاذ عن الجماعة للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب".
"إن الصلاة فرادى مع إمكانية صلاة الجماعة نوع من أنواع الحرمات"(2).
الصلاة في المسجد:
قال تعالى: "إنَّما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر"(1).
إن أهم موقع تقام فيه صلاة الجماعة هو المسجد، وهو المكان المخصص للقاء المؤمنين، والمسجد أحد الثلاثة الذين يشكون إلى الله تعالى يوم القيامة هجرانهم واعتزال الناس عنهم، وما ذلك إلاّ لضعف الإيمان بالله وقلة النظر لليوم الآخر كما جاء في صريح الآية المباركة، فأصبحت عمارة المسجد والصلاة وعدمه دليلاً على صدق وكمال إيمان العبد وعدمه.
والفائدة المتوخاة من ارتياد المسجد والصلاة فيه وطول المكوث أعظم من كل ما يمكن أن يتحقق للإنسان من فوائد أخرى في حياته الدنيا.
عن هذه الفوائد يقول أمير المؤمنين ?: "من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله عزَّ وجل، أو علماً مُسْتَطرفاً، أو آية مُحكمَّة، أو رحمة منتظرة، أو كلمة تردّه عن سوء، أو يسمع كلمة تدله على هدى، أو يترك ذنباً خشية أو حياءً".
إن أهمية النتائج لإرتياد المسجد تبرز في مقابل خطر التخلُّف عنه وهجرانه، وهو ما ابتليت به الأمة دون أن تشعر بعواقبه لذلك نرى إمام الرحمة (ص) يتدارك الأمر ليقرع ناقوس الخطر ليخرج الناس من بيوتها ولو عنوة وبالضغط فيشبه الحال في خطابه لقوم كانوا يتباطئون عن المسجد في صلاتهم.
"ليوشك قوم يَدَعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع على أبوابهم فيوقد عليهم نار فيحرق عليهم بيوتهم".
"مساجدكم متاريسكم فاملأوا متاريسكم"(2).
آداب المسجد:
نظراً لأهمية دور المسجد والفوائد الجليلة التي تتضمنها حركة الزيارة اليومية والمتكررة إليه، ولأنَّه موضع نظر الرحمن ومورد عنايته وبركاته ومهبط ملائكته، جعل تعالى لكل مسجد آداب وتحية.
فآدابه:
دخوله على طهارة، وإتيانه مبكراً وسماع الآذان فيه، والخروج منه متأخراً متمهلاً، ودخوله بالقدم اليمنى مع الدعاء: "بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صلّ على محمد وآل محمّد وافتح لنا أبواب رحمتك واجعلنا من عمَّار مسجدك".
والخروج منه بالقدم اليسرى مع الدعاء: "اللهم صلّ على محمد وآل محمد وافتح لنا باب فضلك".
ومن آدابه عدم رفع الصوت فيه، وعدم الكلام بأمور الدنيا، والانشغال بالصلاة والذكر، والدعاء وقراءة القرآن، وفي الحديث عن النبي (ص): "يكون في آخر الزمان أناس من أمتي يأتون المساجد فيقعدون فيها حلقاً، ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، لا تجالسوهم فليس لله بهم حاجة".
أما تحية المسجد فصلاة ركعتين تقرباً وزلفى لأداء حق بيت الله المكرَّم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع وليدعُ الله عقيبها، وليصلِّ على النبي ودعا الله وسأله حاجته" رسول الله (ص).
- للمطالعة
الإستخفاف بالصلاة
"حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين" البقرة/238 الصلاة الوسطى: هي صلاة الظهر كما في بعض الروايات، والظاهر ان اهتمام رسول الله (ص) بها حيث يوصي قائلاً: "عَلَيْكَ بصلاةِ الزَّوال"، لأجل المحافظة على شروطها وحدودها ونوافلها وأوقاتها، وليس لأجل التأكيد على صلاة الظهر، ويستفاد ذلك من الأمر بالمحافظة على الصلوات وخاصة صلاة الظهر أيضاً.
وقد وردت أحاديث كثيرة مأثورة عن أهل بيت العصمة (ع) تأمرنا بالمحافظة على أوقات الصلاة، والإتيان بها في وقت فضيلتها، بل قد يسبّب تأخير الصلاة عن وقت الفضيلة من دون مبرر، التهاون في الصلاة، وخاصة إذا استمر على مثل هذا التهاون، وتكرّر على مدى الأيام اللاحقة.
ومن الواضح جداً أن من يعتني بشيء أنجزه في أسرع وقت وفي أفضل صورة، وعلى العكس ما إذا لم يحفل به ورآه أمراً هيناً لتهاون فيه وتماهله، ونعوذ بالله من أن ينتهي أمر الإنسان إلى الاستخفاف بالصلاة والتهاون بها.
عن أبي جعفر ? قال: "بينما رسول الله (ص) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلِّي فلم يُتِّم ركوعه ولا سجوده فقال ?: نقُ كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتُنّ على غير ديني".
"بل قد يُفضي الأمر بالإنسان من جرّاء الاستخفاف بالصلاة إلى تركها، ومن الطبيعي أن الإنسان إذا لم يُبد اهتماماً بشيء لسقط من عينه" الإمام الخميني (قدس سرّه)
- أسئلة حول الدرس
1- ما هو موقع الصلاة بين العبادات؟
2- ما هو أثر الصلاة على روح الإنسان؟
3- ما هو أثر الصلاة على جوارح الإنسان؟
4- متى تصبح الصلاة حجاباً على قلب العبد؟
5- كيف تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر؟
- تمارين
حدد الصحيح من الخطأ :
أ- شُرِّعت الصلاة لآداء الشكر لله على نعمه.
ب- شُرِّعت الصلاة لإيجاد العلاقة الدائمة بين العبد وخالقه.
ج- أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو راكع.
د- إن هدف العبادة هو تربية الإنسان وتزكية روحه.
التعليقات (1)
ولاء غازي
تاريخ: 2006-12-09 - الوقت: 16:22:29إن هذا الموضوع رائع وفعلا أن الصلاة عمود الدين