مع انطلاقة الصرخة التي يصدرها الرضيع ساعة ولادته تبدأ مسيرة تحمُّل المسؤوليات لدى الأهل. ومع تفوه أول كلمة تخرج من فم الطفل تنشأ التصورات لأبجدية التعاطي والتواصل مع هذا العالم الملائكي، مع عالم الأطفال الذين جعلهم الله أمانة في أعناقنا ووسيلة اختبار لمدى الإستفادة من التعاليم الإلهية في حفظ هذه الأمانة ورعايتها. لذا تعتبر التربية مسألة هامة وحساسة في حياة الأمم لأن الأطفال هم الركيزة التي ستبنى عليها المجتمعات.
وهناك إجماع لدى المربين بأن التربية الثقافية والأخلاقية، التي تعتمد على تربية النفس وتثقيفها هي أصعب بكثير من التربية الجسدية، بل إنها من أصعب أنواع التربية على الإطلاق وخاصة اليوم في ظل التحديات التي يشهدها هذا العصر من انفتاح على الثقافة الغربية. هذه الثقافة التي تغزو حياتنا بوسائل شتى وتدخل بيوتنا عبر شاشات التلفزة التي ما تنفك تبث برامج ومضامين تغاير ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، أو عبر المجلات المترجمة التي تلعب دوراً سلبياً في تكوين ثقافة الطفل العربي وفي تدعيم مفاهيمه وقيمه وكذلك من خلال الإنترنت سمة العصر الأساسية التي لا يخفى على أحد مدى خطورته وهو الذي يفتح الأبواب على مصراعيها لطمس هوية مجتمعنا الدينية والقومية والشخصية، خاصة في ظل ضعف صوت الوالدين أمام مغريات واكتشافات هذا العصر التي تلبس زياً غربياً لا يليق بنا.
أمام هذه التحديات الراهنة لا بد وأن نقف متأملين في مدى خطورة الوسائل التي نعتمدها في تثقيف أطفالنا.
تأثير التلفزيون على الأطفال؟
مما لا شك فيه بأن التلفزيون هو وسيلة إعلامية خطيرة تملك ما يجعلها تطغى على الوسائل الأخرى لأنه يتمتع بجاذبية فنية تقنية جاذبة تبدو من خلال تدامج الصوت والصورة، فهو يبدو انطلاقاً من خصائصه مؤهلاً أكثر من غيره لجذب الإهتمام والتأثير في الطفل.. ولا شك في أن متانة العلاقة بين الأطفال والتلفزيون يمكن أن يلحظها كل مراقب لأطفال محيطه وبيئته.
وهذه العلاقة قد تؤثر سلباً عليهم «فإدمان الأطفال على مشاهدة التلفزيون يهدد أبصارهم وقدرتهم على التركيز كما قد يسبب لهم أمراضاً نفسية جسيمة وعديدة حيث تؤثر الذبذبات المرئية على المخ»، كما أن مشاهدة التلفزيون لفترات طويلة تؤدي الى حدة عصبية الطفل بشكل واضح.
ولعل من المنطقي القول بأن التلفزيون هو ضار ونافع في آن معاً، فهو وسيلة تثقيفية موجهة ومنظمة، ولا بد من امتلاك الوعي والمعرفة والعلم لمن يوجه هذه الوسيلة كي يثقف الطفل. وهناك أبحاث أجريت حول هذا الموضوع وخرجت بنتائج منها «إن التلفزيون يفسح فرصة للتعرف من خلال البرامج الدراسية والمسلسلات على عالم خارجي متنوع وساحر. ولكن المشكلة تكمن في معرفة ما إذا كان بالإمكان التخلص من خطورة الآثار التي تتولد من تأثير البرامج التلفزيونية الساحرة على خيال الأطفال وطغيانها على شخصياتهم وسلوكهم طغياناً ظاهراً في التقمص والإسقاط لدى الأطفال وابتعادهم عن الواقع الحقيقي».
وهنا لا بد أن ننتبه الى محاولة تقليد الأطفال للأفعال الخارقة التي يرونها لدى شخصيات البرامج التلفزيونية، وكثر هم الذين حاولوا أن يطيروا كسوبرمان أو الرجل الوطواط.
إن خطر التلفزيون لا يتأتى من كونه تلفزيوناً أو وسيلة من وسائل تثقيف الطفل، وإنما من البرامج التي تشوه ثقافة الطفل وتبعده عن واقعه ومجتمعه. وذلك نتيجة علاقتنا التبعية بالغرب ومحاولة استيرادنا مظاهر ثقافته عبر استيراد برامجه.
وقد أجمع الفقهاء بأن وسائل الإعلام من راديو وتلفزيون هي من الإختراعات المهمة التي يمكن الإستفادة منها بما يفيد وينفع، واستخدامها بما يجوز الإستماع والنظر اليه. وإلا عُدّت هذه الوسائل من المحظورات الشرعية التي نهى الله سبحانه وتعالى عنها. وقد اعتبر الإمام الخميني هبان الراديو والتلفزيون الأشد فساداُ قد جر شبابنا إلى مستوى من الفساد والإنحطاط « وبذلك استأصلوا أصالة فكرنا وقدرتنا ودفعونا ويدفعونا إلى اليأس وروجوا بالفعل والقول والقلم والعادات والتقاليد الأجنبية على ابتذالها وفضاحتها وقدموها إلى الشعوب بالمدح والثناء».
القراءة سلاح ذو حدين:
الواقع أنه يُمكن أن يكون للتعلق بالكتب أثر جذري في نمو الطفل العقلي بحيث تصبح عادة القراءة مكسباً يدوم مدى الحياة إذا عرفنا كيف نقدِّم التشجيع اللازم بصورة مستمرة ومنظمة.
ولا شك بأن إهمال القصة كوسيلة تسلية وتثقيف مسيء للطفل ونمو شخصيته فالقراءات الأولى للطفل هامة جداً في صنع تصوراته للظواهر الإجتماعية وتكوين القيم الخاصة التي يبني عليها حياته.
وهنا تكمن الخطورة في عدم مراقبة ما يقرأه أطفالنا أو عدم إدراك أبعاد هذه القراءات، ففي حين يجب أن تكون القصة (الكتاب المجلة..) عاملاً مساعداً في تدعيم ثقافة الطفل وفق الأسس التي تتوافق مع مجتمعه فالمعلومات والحوادث التي تتضمنها القصص تؤثر في تكوين شخصية الطفل العقلية وفي ذوقه وخياله وفي لغته، نجد أن بعض أنواع القصص تنقل الى خيال الطفل صوراً عن شخصيات فوضوية مستهترة وعدائية في نفس الوقت (شخصيات ديزني مثلاً..) بأسلوب شيق وجذاب يشهد الأطفال ويجعلهم يتصرفون مثلها وينهجون سبيلها وطريقتها في الحياة التي تتنافى أحياناً مع الضوابط الإجتماعية والأخلاقية في مجتمعاتنا.
الإنترنت وسيلة تثقيفية... ولكن:
برز الإنترنت في الآونة الأخيرة كأحد أهم عوامل المعرفة ساحباً البساط من تحت وسائل التثقيف الأخرى، وذلك لعدة أسباب أهمها سرعة وسهولة الحصول على المعلومات من خلاله، ناهيك عن المتعة التي يجدها الباحث خلال تقصي المعلومات. ولكن ما يجب الإنتباه اليه هو أن ناقوس الخطر بدأ يدق وبصوت عالٍ لأن شبكة المعلومات هذه هي سمُ مدسوس في مجتمعاتنا بكوب من العسل، والأمر لا يحتاج الى إحصاءات فَنَظرة بسيطة لكل مراكز الإنترنت تظهر اكتظاظها بالزائرين من ذوي الأعمار الصغيرة. وهؤلاء للأسف يقضون أمام أجهزة الأنترنت معظم ساعات النهار فيهدرون بذلك الوقت والمال، والأهم من كل شيء يبنون ثقافة مغلوطة ملغومة تدمر أخلاقياتهم، لتأتي الفضائيات في ساعات الليل المتأخرة وتكمل ما بدأه الإنترنت فتنعدم بذلك إمكانية بناء مجتمعاتنا، لأن الطفل في سنواته الأولى يكون أداة لينة وطينة سهلة في اكتساب الكثير من الأمور، دون أن يميز السيء من الجيد، فيكتسب الإثنين على حد سواء. وهو يقلِّد ما يشاهده وما يسمعه ليكوّن طريقة تفكيره ومنطقه.
هنا لا بد من القول أن الإسلام لا ينفي ولا يحرم الإستفادة من علوم الآخرين وتجاربهم إذا كان ذلك يسد حاجات الإنسان ولا يتنافى مع تعاليمه، ولكنه يرفض هذه العلوم إذا كان فيها مفسدة للمجتمع،وتشويها للتعاليم الإلهية. وقد أوضح السيد القائد الإمام الخامنئي ذلك في قوله: «لو عثرنا في معارف الغرب ما يناسبنا،فعلينا أن نجذبه ونتعاطى معه كما يتعاطى الإنسان السليم مع الغذاء إذ هو يجذب المفيد لجسمه ويدفع الضار» أي إننا يجب أن نملك حرية الإختيار.
التخطيط لأجل الصيف:
الصيف فرصة مناسبة لأجل التخطيط وكسب الجهود البنَّاءة والمناسبة. فماذا نستطيع أن نعمل لأجل الطفل في فصل الصيف؟ هناك أعمال عظيمة وواسعة في عدة مجالات.
1 - في المجال التعليمي:
نستطيع أن نضع برامجاً تعليمية متنوعة للأطفال تشكل التعاليم الدراسية الترفيهية عبر تشكيل مجموعات وصفوف لأجل التلاميذ المكملين في عدّة دروس أو الذين لم يكسبوا الدرجات الكافية في درس أو في عدة دروس، أو عبر تعليمهم دروساً يستفيدون منها في سنواتهم المقبلة كاللغات والرياضيات والعلوم.
2 - علموهم القرآن والتعاليم الدينية:
يحتاج الطفل الى الدين والتعاليم الدينية. لأن معرفة أصول الدين وعقائده تشكل حاجزاً بينه وبين الإنحراف. كما إن لتعليم القرآن أهمية باللغة في تنشئة أجيالنا وسيرها وفق السبل الصحيحة والمفاهيم الإسلامية.
3 - في مجال التسلية والفرح:
الصيف فرصة مناسبة لأجل استراحة الأطفال وسرورهم والإنتفاع من تجارب رؤية الأصدقاء، صلة الرحم، الإشتراك في النشاطات الدينية أوالكشفية.
كما إنه فرصة للقيام بالرحلات التي تهدف إلى مشاهدة الآثار والمعالم التاريخية، أو ريادة الطبيعة التي تبعث في النفس الطمأنينة والراحة. هذه الرحلات قد تكون سبيلاً للإستفادة من زيارة المقامات والأماكن المقدسة التي يستطاع زيارتها. ومن شأن هذه الزيارات أن تعمق محبة أطفالنا لآل بيت رسول اللها.
إن فصل الصيف مع جميع الفوائد الموجودة فيه هو وقت الخطر لأبنائكم وخصوصاً الذين هم صغار وقليلو التجربة. فلنحرص إذاً على تمضية أوقات العطلة الصيفية بوسائل تثقيفية مثمرة ومفيدة. بدل أن يقع أولادنا فريسة سهلة في يد الحضارة الغربية وما تصدِّره الينا من أفكار ومفاهيم عبر الفضائيات المحلية والعالمية وعبر الانترنت الذي لا يخضع لرقابة المربين وارشاداتهم؟
التعليقات (0)