تابع سماحة الشيخ رائد الستري سلسلة محاضراته الرمضانية وذلك لليلة العشرين من شهر رمضان لعام 1439 هـ ، والتي توافق ليلة وصية الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لأبنائه و شيعته ، و تحت عنوان " سبل و طرق والمعرفة للعقل " ابتدأ سماحته بالآيات الشريفة من سورة الشمس " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10) " ، نتحدّث عن المعرفة العقلية وعن غذاء العقل ، وطرق التغذية للعقل ، وفي هذا الموضوع نتحدث عن مقدمة نبين فيها كيف أن العقل يحتاج الى سلاح العلم و المعرفة ثم طرق و انواع المعرفة و التغذية العلمية للعقل .
الآية الشريفة تتحدّث عن تزكية النفس ، وعن تسامي النفس و علوّها و رقيّها ووصولها لله سبحانه وتعالى ، وتبيّن أن هناك حاجةً الى نوع من المجاهدة للنفس ، فإن الأعالي و السموّ و الإرتقاء لا يحصل الا بنوع من المجاهدة للنفس ، و العقل يعدّ سببًا من أسباب الأخذ بالمجاهدة و الأخذ بالنفس الى نحو التكامل و الكمال ، فالعقل كما بينّا بالأمس ان فُعّل تفعيلًا صحيحًا فانه يرتقي ليكون مسيطر على انفعالات النفس و عن الملذات النفسية ، تفعيل و تنشيط العقل يعدّ سببًا من أسباب الأخذ بالنفس الى السموّ و التكامل ، أول حجة على الإنسان هي حجة العقل ، و العقلُ بذلك يشكّل نوعًا من الهداية في طبيعة الخلقة وتكوين الإنسان ، العقل يشكّل هدايةً تكوينية وتعني الهداية في أصل خلق الإنسان ، العقل يهدينا و يرشدنا ان فُعّل ويجنبنا الغواية ، العقل بذاته ان استقلّ فإنه يصل الى رتبة يجد نفسه عاجزًا عن تخطّيها ، العقل يمكن أن يدرك بعضًا من الأساسيات الإعتقادية كالإعتقاد بالله وضرورة وجود المعاد و ووجود الأنبياء ولكن هناك تفاصيل لا يمكن للعقل أن يتناولها فيحتاج العقل الى نوع من المدد ، ونوعه من الوسيلة و الإعانة ، هذه الإعانة انما تكون من خلال الهداية التشريعية و بعثة الرسل الذين يشرعون لنا شريعة ، وهذه الشريعة يبين فيها جملة من التفاصيل ، ترتبط بكيفة الإيمان بالله وعبادته و كيف نتبع الرسل .
يحتاج العقل الى كتب و نوع من الشركة التي يهتدي بها عمليًا ، نجد الإسلام حرص على ان الإنسان يبني عقله بالبناء المعرفي و أن نبني السلوك تبعًا على ذلك ، أن نسيّر في تغذية عقولنا و في تغذية سلوكنا بالعمل و السلوك على تلك المعرفة ، يوجد في الإسلام أصول و فروع ، توجد عقائد و فقه ، توجد أخلاق و تفاصيل محددة تخاطب السلوك ، وتوجد تفاصيل تخاطب العقل ، السلوك قيمة وعلوًّا لا يمكن أن يحلّق بمعزل عن عقيدته ، الإنسان ربما يصلّي لسنوات و يصوم ، ولكن لما نأتي نجد بأن السلوك مبني على عقيدة منحرفة ، فيبطل العمل ، نحتاج أن نتعرف على طرق تغذية العقل و بعض الملاحظات على طرق المعرفة ، يقول العلماء ان أول طريق لتغذية العقل و القناعات هي المعرفة الحسية ، وهي المرتبطة بالحواس ، كاللمس و الشم و التذوق و الإبصار ، هذه الحواس تُدرك ما تلمسه ويقع في خانة المحسوسات ، ومن فقد حاسة فقد علمًا ، هناك بعض الأمور لا يمكن أن تتناولها ، تحتاج الى نوع آخر يعتمد التجربة و المختبر ، فتبني معرفة من نوع ثانٍ ، هذا النوع المعرفي الثاني يعرف بالمعرفة التجريبية ، وتميل الى اخضاع الأمور الى المختبرات و تجربتها ، لك التجربة لديها عيوب أيضًا ، ليست التجربة فقط في المواد و العناصر بل تقاس أيضًا في الجانب الإجتماعي ، وهذا يغذي العقل أيضًا ، المعرفة الثالثة هي معرفة عقلية ، اذا لا يمكن لك أن تخضع كل شي للمختبر و التجربة ، العقل به مدركات ، كاستحالة اجتماع النقيضين ، الجهل المركب ، أن يعتقد الإنسان أنه على علم و على صواب و لا يعلم بأنه على خطأ ، وعقيدة الإلحاد تنبني على هذا الأساس ، فانتبه الى المقدمات ، الحق لا يتعدّد ، لابدّ أن نركز في المعارف العقلية و البناء العقلي ، فانه يغذي العقل بالمعرفة ،
أيضًا من ضمن المعارف هو البناء على المعارف النقلية ، حيث انها النقولات التي تأتينا من أشخاص و أفراد ، المعارف العقلية بها مشكلة وهي تبعثر الواقع من خلال جملة من الأكاذيب من قبل أناسًا يتعمّدون الإشاعة و الكذب ، وهنا الإنسان يجب أن يكون له نوعٌ من الدقة في التعامل مع النقول ، لأنها قد تُحدث و ترتب آثارًا خلقية سيئة ، كالتعامل مع النقل في وسائل التواصل الإجتماعية ، حيث فيها نوع من السذاجة في التعامل مع النقول ، البعض يتكّل على "ذمة ما وصلني " ليتخلّص من ذمة النقل ، يجب على الإنسان أن يكون دقيقًا في المعلومات ، من المعارف النقلية عندنا المعرفة الوحيية ، أي المعرفة المنقولة من الوحي ، و التي جاء بها النبي محمّد ( ص ) وأهل البيت ( ع ) ، وهذه المعرفة الوحيية هي أرقى المعارف ؛ لأنها كما تحمل معارفًا مدعمةً بالعقل و العلم ، تحملُ بعضًا من المعارف الغيبية ، أي المعارف التي لا يمكن للحسّ أو التجربة أو العقل أن يدركها ، كمثل صفة العرش و تفاصيل الجنة و النار ، وتفاصيل النعيم الذي يعيشه الإنسان ، وتفاصيل تتعلق بمعرفة غيبية ، ربما يعسر علينا اثباتها تفصيلًا بالعقل ، هذا الدليل هو النقلي المعتمد على الوحي و المرتبط بالله سبحانه وتعالى ، القرآن الكريم مدح المؤمنين لأنهم يأخذون بالمعرفة الغيبية و يسلموا تسليما ، هذه المعرفة دليلها أنها مرتبطة بالله ارتباطًا وثيقًا ، لو كانت مرتبطة بنوع من الضعف لا نأخذ بها ، البعض يستغل أسماء المعصومين و ينقل روايات ما قام دليلٌ واضح عليها و يرتب على ذلك آثارًا في الترويج ، يجب على الإنسان أن يتنبه في المعرفة الوحيية على أن هناك صنف من النقول معتبر وصنف غير معتبر ، الربط الإيماني لا يكون الا بالروايات المعتبرة وفي بعض الأحيان لابدّ أن تكون متواترة .
التعليقات (0)