شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الرابع عشر من شهر رمضان لعام 1439 هـ

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية و ذلك لليلة الرابعة عشر من شهر رمضان لعام 1439 هـ ، وتحت عنوان : " مصاديق المصيبة في الدين " ، ابتدأ سماحته بدعاء عن سيدنا مولانا زين العابدين ، يخاطب الله فيقول بلسان حال العاصي ، و بلسان حال المقصرين و المذنبين " انا الَّذِي أَمْهَلْتَنِي فَما ارْعَوَيْتُ، وَسَتَرْتَ عَلَيَّ فَما اسْتَحْيَيْتُ، وَعَمِلْتُ بِالمَعاصِي فَتَعَدَّيْتُ، وَأَسْقَطْتَنِي مِنْ عَيْنِكَ فَما بالَيْتُ " مقطع دعائي فيه عمق بليغ يحدثنا عن سبب من اسباب سقوط الانسان وهويه من عين الله ومن عين عباده ، ولهذا لكل انسان منزلة عند الله ، و لكن بعض السلوكيات و بعض العوامل و الأسباب تؤدي الى سقوط الانسان و انحداره سقوطًا اجتماعيًا ، ما هي أبرز الأسباب لذلك ؟ بعض الأفعال و السلوكيات التي من شأنها ان يسقط العبد من عين الله تعالى فيؤدي الى سقوطه من عين عباده .

السبب الأول مبارزة الله بالذنوب و المعاصي ، صدور الذنب من الناس على صنفين ، اما أن يصدر من جاهلٍ أو من انسان عامد نادم ، أو أن يصدر من عالم عامد مصر و محارب لله ، فمثل هذا العبد هو الذي يتحدث عنه الامام ، رجل مستهتر وصل الى مراحل في السقوط في الذنوب و المعاصي و انغمس في وحل معاصيه ، ولوث سريرته و قلبه فأظلم باطنه ، هذا الإنسان يسقط من عين الله ، لا سيما للذنوب آثار خطيرة أكد عليها أمير المؤمنين في دعاء كميل " اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَهْتِكُ العِصَمَ، اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُنْزِلُ النِّقَمَ. اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تُغَيِّرُ النِّعَمَ، اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ الَّتِي تَحْبِسُ الدُّعاءَ. اللّهُمَّ اغْفِرْ لِيَ الّذنُوبَ الّتي تُنْزِلُ البَلَاء. " هذا الإنسان مطرود من ساحة رحمة الله لجرأته ، كلما رفع يده للدعاء لم يستجب به لانه بارز الله بمعصيته ، الانسان المعتصم أي الممتنع ، ولكن بعض الذنوب تهتك العصم فيتهاوى هذا الإنسان ، بساط الثراء يسحب من قدمي العبد ، فتتوارى عليه الخسارة ، وتتنزل عليه النوائب فلا يبقى في رزقه شيء ، تُسلب البركة بسبب مبارزته لله عز وجل بذنوبه

هناك معادلة روحية ، من أحبه الله رفعه و من بغضه الله وضعه ، و الحب و الكره من الله وليد الطاعة و الإستقامة ، كلما تمرّد العبد على الله وهذه من دلائل الجهل ، فأينما ترمي بطرفك تجد المنكرات و المعاصي ، هناك قضايا تصل الى مسامعنا تذوب منها الفؤاد ، القضايا الأخلاقية و السلوكية لو قدر لنا أن نقيم الحدود لسُلخت ظهور الكثير من أهل المعاصي - و العياذ بالله - ، فمن أمن العقوبة أساء الأدب ، يتمادى و يتغاضى و يغفل ، ولا يعلم بأن الله له بالمرصاد ، من أخطر ما يؤدي الى الهويّ و السقوط الجرأة على الله بالمعاصي ، الإمام في قمة العصمة و العفة ، نحن العاصون و المقصرون ، الإمام يتحدث بلسان حالنا نحن ، على المؤمن أن يتلافى وقوعه في معصية الله عز وجل ، من أسقطه الله تعالى لا يرفع ، ومن رفعه الله لا يوضع ما دامت من الله .

السبب الثاني ، أن يضع الإنسان نفسه في موقع التهمة ، موقع التهمة أن يكون في معرض الإتهام على معرض الناس ، عن أمير المؤمنين عليه السلام " من وضع نفسه في موقع التهمة فلا يلومنّ من أساء الظن به " اعذر الناس اذا طعنوا فيك أو حكموا خطأً فيك ، ما دام يجلس في مجالس البطّالين ، ويأنس بمجالس أهل معصية الله ، ويرافق أهل الطلاح من عباد الله ، ويذهب الى مذاهب المنكرات و مجالس الظلم و العدوان ، من هذه المجالس شأنها أن تحيط صاحبها بالتهمة ، سوء الظن موجود ، ولكن يجب على الإنسان أن يتورّع و لا يتسرّع بالحكم ، الخواطر سيئة و لكنك لا تؤثم باصدار الخاطرة ، لكنك لو أسقط عدالته مأثوم ، لو لم تصل خلفه مأثوم ، لو لم تقبل شهادته أنت مأثوم أيضًا لأنك رتبت أثرًا بأنه فاسق ، لا تتعجل ، هذا السلوك سببٌ لاصدار الحكم من الآخرين ، علينا أن نلتفت الى أن من المسقطات لشخصية الإنسان من يقف في مواقف التهم .

السبب الثالث ، التصدّي للمواقع الخطيرة قبل النضج و قبل تملّك الأدوات ، مهم للإنسان أن يتعرف على قدراته و إمكانيته ليضع نفسه في المكان المناسب ، من أهم و أسوأ الأسباب المسقطة للناس ان يتصدّى الإنسان مواقع ليس أهلًا لها ، " من تصدّى قبل أوانه ، فقد تصدّى لهوانه " ، أن يأخذ الإنسان المواقع الريادية وهو لا يملك هذه الأدوات ، هذا يطيح و يتصدّى لهوانه ، أن تضع نفسك في المسؤولية العلمية وأنت لا تملك علمًا ، في أول جولة تنكشف سوئته ، يجب على الإنسان أن يعرف قدر نفسه ليضع نفسه في المكان الذي يليق به ، ان قادوا فانهم يقيدون المجتمع للضياع و الهلك ، السبب الرابع ، المؤمن اذا وعد وفى ، فان لم يف لوعد للناس فكيف يفيَ لله ، المؤمن يجب أن يضع نفسه على الموازين ، كثرة الخلف عن الوحد من المسقطات ، لان هذا يشير الى خلل للبعد التربوي للنفس ، الظروف القاهرة والإضطرار معذورون فيها ، أما ان تكون الحالة الغالبة عليه هو الخلف فذلك لا ينسجم مع ايمانه .

السبب الخامس ، هو الإستهداف الخارجي ، أحيانًا الانسان يراقب نفسه ويصلح سريرته ، ويجسّد الكمال بين الناس ، ولكن ما وراء الكواليس أناسًا اما حسدًا أو غدرًا أو مكرًا أو لغايات سباسية او اقتصادية او أهداف اجتماعية فهي تحفر للناس من أجل اسقاطه ، الإنسان يجب أن يكون حكيمًا ، هناك ألسنة مأجورة وصحافة موجهة و اعلام مأجور للتصيد على عبارات و ألفاظ أشخاص من أجل الإسقاط . قد يتسبب رجل في اسقاط رجل ، و قد تسبب امرأة في اسقاط امرأة ، فالويل لمن أسس الشائعات و الويل لمن روجها ، له وقفة موجعة بين يدي الله عز وجل ، المسقط الأخير هو الإنقلاب عن صراط الحق و الدين القويم ، لهذا يسأل المؤمن الثبات ، لاويل لمن انقلب بعد رسول الله ، وخالف الجادة و الصراط المستقيم ، هناك من انقلب ومن انقلب سقط ، هناك انقلاب سياسي .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع