أكمل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية و ذلك لليلة الثالثة عشر من شهر رمضان لعام 1439 ، وتحت عنوان " أسباب السقوط الإجتماعي " وقد بدأ سماحته بحديث للرسول الأعظم ( ص ) " اهل البدع كلاب أهل النار " . المتأمل في نصوص الشريعة يجد بأن الأوامر و النواهي و التعليمات الالهية ، جاءت لتبين بأن كل انسان في هذا الوجود هو في معرض الابتلاء و لا يخلو أحد في هذه الدنيا من أن يكون تحت قانون الإبتلاء ، الا ان البلاء له أنواع و له صور و مواضيع عدة ، فقد يكون البلاء في بدن الانسان وقد يكون البلاء في مال الإنسان وقد يكون في ولده و أهله ، ولكن أخطر أنواع الابتلاء أن تكون البلية و المصيبة في دين الانسان ، حتى ورد في النص و الدعاء عنهم عليهم السلام " اللهم ولا تجعل مصيبتنا في ديننا " ، ولهذا عندما نتحدث عن البلاء و المصيبة في الدين ، فمصيبة الدين لها مفاهيم عديدة ، فقد ينظر اليها على مستوى الفرد وتارة على مستوى المجتمعات الاسلامية و تارة على الأمة ، انحراف بعض المؤمنين عن خط الاستقامة مصيبة في الدين ، عندما يبقون على جادة التوحيد لكنهم يمارسون الخطأ بغواية الشيطان ، وعندما ينحرف الإنسان بشكل شخصي او بشكل مجتمع عن جادة التوحيد فينحرف عن صراط الاستقامة فهذه مصيبة أكبر في الدين ، حينما ينخر الإلحاد في مجتمع ما و يتنكرون لمبادئهم و قيمهم فهذه مصيبة أعظم ، علينا أن نلتفت بأن المصيبة في الدين عنوان واسع ، نقف الليلة مع بعض مصاديق المصيبة في الدين الا وهي ظهور البدع .
البدع من أخطر ما يبتلى به المجتمع المؤمن ، يطلق عليهم النبي بأنهم في النار و أنهم في صورة كلاب كذلك ، ولهذا جاء التحذير من البدع و الابتداعات ، عن النبي ( ص ) " أهل البدع أشر الخلق و الخليقة " وهناك تكليف شرعي أن ينكر المؤمنين انكار المنكر أمام اهل البدع و أن يستقبلوهم بوجوه مكفهرة ، عن النبي " من تبسّم في وجه مبتدع فقد أعان على هدم دينه " ، الحديث الشريف " وما هدم الدين بمثل أهل البدع " ، عندما نتكلم عن الإبتداع ، هذه النصوص التي تحذر من الإبتداع ، البديع من أسماء الله ، و البديع بمعنى الخالق من العدم ، فلو خلق الإنسان براءة اختراع ما ، هل هو هذا النوع المحذور ؟ لو وجد أحد تصميمًا غير مألوف في بيته ؟ لو قام أحدهم بهندسة معينة في سيارته خلاف لسائر السيارات و قس على ذلك ، هؤلاء كلهم مبدعون ، فهل هذا الإبتداع المنهي عنه ؟ نقول لا ، انما البحث يدور حول البدعة في الدين فقط ، فادخال في الدين ما ليس فيه هو البدعة المحرمة ، على اعتبار ان الله أبان أحكامه ووضع قوعد عامة ، ولا يجوز الخروج عن أطرها . " ، من سورة يونس " قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)" ، أن تحلل على هواك وتحرم على هواك و تحرم ما حلل الله وتحرم ما حلل الله ، المسألة خاضعة للشرع و الدين ، وهذا أمر عقلائي ، فالمسؤول عن طرح مسائل الطب و الإبداع فيها هم الاطباء ، و المسؤول عن القانون و الضوابط القانونية المحامون ، و لو ادخل غيرهم في شغلهم من ليس له شأن وشغل سيفسد ، كذلك الشغل الفقهي و الحلال و الحرام هو شغل المختص وليس الكل له صلاحية التدخل في الدين ، وتشخيص الأحكام مع عدم امتلاكهم لذلك ، - اذا كنت تمتلك الأدوات الفقهية فأهلًا وسهلًا - ، أما من كان خلوًا من أدوات التقييم العلمي و الفقهي فإن هذا مصيره الإبتداع فيدخل في الدين ما ليس فيه .
المجتمع اليوم يحتاج لوقفة تقويمية تحتاج الى وعي و معرفة ، على مستوى المواكب و الشعائر و سلوكياتنا في كثير من القضايا بدأ يدخل في الدين ما ليس فيه ، نقرأ في دعاء كميل " أللَهُمَّ مَنْ أَرَادَنِي بِسُوءٍ فَأَرِدْهُ! وَمَنْ كَادَنِي فَكِدْهُ! " ، حيث نحوّل ما ورد عن لسان علي حينما علّمه لكميل ، تحويله لضمير الجمع بدعة أم لا ، حينما نحوّل ضمائر الدعاء من الإفراد الى الجمع ان كان بقصد الورود فهذا مبتدع وعليه الإثم وعليه ان يتوب الى الله ، اما اذا جاء من باب توسيع دائرة الدعاء الى الحاضرين بنية القربة المطلقة ليس من باب الورود لا بأس عليه وعمله لا يطلق عليه ببدعة ، كثير من المؤمنين في الصاء بعد قوله " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " المستحب أن تقول " الحمد لله رب العالمين " ، اخواننا السنة يقولون " آمين " حيث معناتها " اللهم استجب " اسم فعل بمعنى الدعاء ، فهو مبطل للصلاة ، آمين ليس دعاء بل اسم فعل بمعنى الدعاء وهو كلام ناقض للصلاة ، البعض يمرر يده على بطنه حينما يقول " الحمد لله رب العالمين " هل اتيان هذا الفعل بنية الورود ؟ انا هو مبتدع ، لا يبطل الصلاة ولكنه آثم ، في مقابرنا كثير من السلوكيات فصب الماء على القبر ، مشروعية صب الماء عند الدفن و استحب بعد أربعين يوم وقيل أربعة شهور ، لكن لا يوجد عندنا صب الماء دائمًا ، اذا كان الفعل عفوية فلا بأس ، اما ان تأتي بنية القربة فهو محذور شرعي ، المستحب في الشرع أن يقف الناس خلف الجنازة وليس أمامها ، اذا شارك المؤمنين و قصدوا بطريقة التشييع ان هذا هو الوارد أن نكون أمام الجنازة فهذه بدعة ، لكن الناس يمارسون بهذا الفعل بعفوية عامة ، لو فعلوها بالصورة الصحيحة لحققوا التشييع و الإستحباب ، المقبرة اما ان يكون المالك مالكًا لأرض القبر فلو بنى عليها فالأمر له ، أما في المقابر الوقفية العامة - وان عز عليك فقيدك - فالبناء عليه مكروه ، الا ما خرج بالدليل كالعلماء و الشهداء و أهل الفضل ، اما سائر الناس فالبناء على القبور فيه كراهية ، أضف الى الأزمة التي سوف تسببها حينما يبني كل من دفن قبرًا .
العديد من الأسباب التي تجعل الإنسان أن يدخل في الاسلام ما ليس فيه ، السبب الأول ، الجهل بأحكام الدين ، و الجهل بالمعارف الإلهية والدينية تؤدي الى الوقوع في هذه المتاهات ، بتعبد الى الله وليست من الدين ، ولهذا جاء التأكيد و التهديد و والوعد و الوعيد على أن من أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ، وجاء الأمر ، فر من الفتيى كفرارك من الأسد ، تجنّب الفتيى ما استطعت ، الكثير من المجتهدين يتورّع ، ولا ينزل رسالة عملية ، العمل في الدين ولا سيما في أيامنا هذه ، من لا يملك أدوات الدين نصب نفسه للنقد و التقييم و القدح و غير ذلك ، اذا لم تملك ذلك ، توقف خيرًا لك ، فالمسؤولية كبيرة أمام الله سبحانه و تعالى ، دخول المستحدث عادة يدخلها الجهلاء ، السبب الثاني غلبة الهوى ، و الهوى هو ميل الإنسان الى هواه على حساب عقله و ما يملي له العقل ، فميل للنفس ومبتغاها و التحرك الى مراداتها و أهوائها فيترك الحق و يوجد البدع ، السبب الثالث العمل بالعقل و الإعتماد عليه اعتمادًا تامًا ، العقل ليس محطًا لاستنباط الحكم الشرعي ، الإعتماد الكلي غير صحيح لأن العقل اقصى ما يفيد ، أن يفيد الكليات و لا يفيد الجزئيات ، ان نأخذ الأمور من النقل ونحتاج الأنبياء و الأوصياء ، ليس من شأن العقل أن صلاة الصبح ركعتان أو أربع ركعات ، صلاة الظهر جهرًا أم اخفاتًا ليس من شغله ، العقل يدرك بأنك مكلّف ، لكن لا يردك عدد الركعات و الجهر و الإخفات وبقايا الأحكام ، التعويل المطلق على العقل يوقع في الأخطاء ، لا تقس ان أول من قاس ابليس ، من سورة الأعراف " قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12)" ، اذا كانت الصلاة اهم من الصوم عند السنة و الشيعة ، منطق العقل أن من يترك صلاته يقضي الأهم ، فالمرأة الحائض لا تصلي و لا تقضي ، فهي لا تصوم و لكن تقضي وتؤدي المهم و لا تؤدي الأهم ، وهذا خلاف العقل . المسألة ليست بموازين العقل ، لو كان دين الله يُدرك بالعقول لكان مسح باطن الرجل أولى من ظاهرها . المسألة أمرُ تعبدّي فمن حكّم عقله وقع في البدع . الإبتداع أمر خطير .
التعليقات (0)