شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الثاني عشر من شهر رمضان لعام 1439 هـ

تابع سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية و ذلك لليلة الثانية عشر من شهر رمضان لعام 1439 ، وتحت عنوان " الموت السعيد " ، ابتدأ سماحته بحديث عن أبي عبدالله الحسين " إِنِّي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادةً ، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَّ بَرَماً . لا وَالله ، لا أُعطِيكُم بِيَدي إعطَاءَ الذَّليل ، وَلا أفِرُّ فِرارَ العَبيد " ، لا زال الموت في نظر بعض الناس يمثل سببا من أسباب الخوف و الرعب و الفزع ، كل ذلك بأن الانسان يفزع من المجهول ، البعض لا يملك معرفةً كافية بحقيقة الموت ، و أنّ الموت الى أين يكون مآل الإنسان فيه ! و فماذا يجد بعد الموت ؟ بجبة الانسان وطبعه دائمًا ينفر من المجهول ، ويتنكر من كل أمر يجهله ، اما اذا اشتدت معرفة الانسان بالشيئ أنست به نفسه ، الموت حقيقةٌ غيبية ، ولا يمكن أن يتكهن أحد ما بعد الموت ولا يعرف اي شيء ، على اعتبار أن حدود ادراك الانسان هو الحس ، المذوقات و المبصرات و المحسوسات و الملموسات و المدركات العقلية ، أي ما يدركه الانسان في هذا الواقع يستطيع أن يحكم عليه ، بينما البرزخ و الموت حقيقة غيبية ، القدر الذي يثبته العقل جزئي ، اثبات المعاد ضرورة عقلية ، اما تفاصيل المعاد كيف ! بمجرد أن تعرف المبدأ ، الخلق له تكليف ، و لولا وجود الحساب ، أيتساوى المطيع و العاصي ! الصائم و المفطر! القاتل و المفتول ! الظالم و المظلوم ! ، الباري أوجد حياة متقنة بالقوانين ، تفاصيل عالم البرزخ ووادي السلام ووادي البرهوت انما تُستفاد من الدليل النقلي و ليس العقلي ، المصيبة أن البعض يصاب بحالة من الهرع و الرعب ، اثبتت الدراسات ان الجماعات الغربية الملحدة كبار السن عادة كلما تقدم بهم العمر يصيبهم القلق الحاد ، بسبب عدم ايمانهم بالحياة الثانية .

يجب أن نعلم أن الموت في نظر البعض أمر مخيف ، اما في نظر الأولياء حقيقة علمية يجب أن توطأ نفسك وتسلم لامر ربك ، كيف نجعل الموت سعيدًا ! المصداق الأول ، الموت الذي يقع عن معرفة ، الميت الذي يعرف الى اين مصيره ، فهو عالم غير مرئي ، اذا مات بن آدم قامت قيامته ، سورة ق " لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) " فيبتلى بكدر و حزن ، اما المؤمن لا يخاف ، الحقائق الملكوتية تدرك بعين البصيرة ، أصوات القبور التي نمر عليها في كل يوم ، ولا يتعهد الإنسان أن هذا القبر سيكون يوما ما مسكنًا له ، هنا الغفلة ، عن رسول الله ( ص ) " انا بيت الظلمة ، أنا بيت الدود، أنا بيت الوحشة " المؤمن العاقل يعلم الى أين مصيره ، بوسعك أن تغير حفرتك الى قطع من قطع النيران او روضة من رياض الجنة ، خطط من الآن ، زيارة المقابر لها فلسفتها وليست مقتصرة فقط على الميت فحسب، خطط من الآن فاذا توفاك الأجل فموتك موت سعيد ، من أخطر انواع الموت ، موت الفجأة وهو متعب ، لأن الإنسان لم يأخذ حيفه ليتهيأ ، أعد مظالم العباد و موازين الاستقامة ، تٌب الى الله ، أحسن سريرتك مع الله ، فاذا أخذ الله أمانتك ، أخذها مهيأة ، عن رسول الله ( ص) " اذا كثر الزنا ، كثر موت الفجأة " ، من لطف الله أن الإنسان يعد نفسه للرحيل ، و لذلك من الاستحباب أن تكون الوصية تحت رأس المؤمن ، كتابة الوصية لها دلائل كالتسليم لقضاء الله و قدره ، ولها دلالة أخرى التهيأة النفسانية . أمَا من خرج من نشأة الدنيا الى نشأة الآخرى على جهل ، سينصدم و يتفاجأ بشكل مهول ، عن الإمام علي عليه السلام " موتوا قبل أن تموتوا " ، " لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ما اكلتم منها سميناً قط "

المصداق الثاني ، أن يموت الإنسان و قد أعد آخرته في دنياه ، اي لم يمت و هو صفر اليدين ، الانسان اذا عمّر الدنيا و أفسد آخرته فموته ليس بسعيد ، فان عمّر الدنيا و الآخرة فموته سعيد ، نحن عندنا قوة و صحة و أموال ، فاغتنم صحتك قبل مرضك و مالك قبل فقرك ، " وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)" الذي أعد آخرته يموت موتًا سعيدًا ، المصداق الثالث ، لو دار الأمر يبن أن يمد لك في عمرك تعيش ذليلًا مهانًا ، وبين أن تموت انسانًا كريمًا ، ان الموت على عزة وجلال و احترام و كرامة خير من أن يمدّ الله في عمر الإنسان ويموت في ذل ، عن أبي عبدالله الحسين " ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة " أن يموت الإنسان عزيزًا مع الحفاظ على كرامته فهذا موت سعيد ، المصداق الرابع ، أن يموت الإنسان وهو مطيعًا خيرٌ من يموت وهو عاصيًا ، ما حكم تمنّي الموت من عند البعض ؟ ، تمنّي الموت في الفقه مكروه ، بل يُستحب أن يدعو المؤمن في أن يطول الله في عمره ، لكن لو دار الامر في أن يمدّ عمر الإنسان عاصيًا على أن يموت مطيعًا ، ولهذا يقدم الموت ، من مناجاته عليه السلام في مكارم الأخلاق " وَمَتِّعْنِي بِهُدىً صَالِح لا أَسْتَبْدِلُ بِهِ، وَطَرِيقَةِ حَقٍّ لا أَزِيْغُ عَنْهَا، وَنِيَّةِ رُشْد لاَ أَشُكُّ فِيْهَا وَعَمِّرْنِي مَا كَانَ عُمْرِيْ بِذْلَةً فِي طَاعَتِكَ، فَإذَا كَانَ عُمْرِي مَرْتَعَاً لِلشَّيْطَانِ فَـاقْبِضْنِي إلَيْـكَ قَبْـلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُـكَ إلَيَّ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ. "

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع