شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة العاشر من شهر رمضان لعام 1439 هـ

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية و ذلك لليلة العاشرة من شهر رمضان لعام 1439 ، و تحت عنوان " أنواع النساء في القرآن " بدأ سماحته بالآية الأولى من سورة المجادلة : " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ " ، القرآن الكريم عند التأمل في أحكامه و في آياته يؤكد على قاعدة قرآنية رصينة و يدعو الى حكم قرآني أكيد وهو التدبر في الكتاب ، التدبر القرآني ليس تدبرًا حسيًا مجردًا ، بل هناك مدخلية للقلب و العقل للوصول الى معارف الكتاب ، اذا كان القلب الانساني مُقفل ، فالذنوب و الخطايا و المعاصي أقفال ، من أراد التوصل الى معاني كتاب الله عز وجل فان مقدمة التدبر في الكتاب تقتضي أن ترفع الأقفال ، من موارد التدبر في كتاب الله ، أنه خص بذكره مجموعة من النساء و خلدهن بخلود الكتاب ، القرآن الكريم كتاب خالد ، وكل من ذكر فيه خالد ، وليس بالضرورة أن كل من ذكر في القرآن و خٌلّد له فضل ، بل البعض ليكونوا عبرة لطواغيت الدنيا ، اراد الله أن يعتبروا بأمثال هؤلاء و في قبال ذلك خلد أناسًا يستحقون الخلود ليكونوا عبرة ودرس لأبناء الأمة.

ما بين الصالح منها وما بين الطالح ، ليس كل من ذكر من النساء بالمدح ، ذكرت البعض بمقام الذم ، الصنف الأول ، و المرأة الأولى هي المرأة الوفية المضحية ، خولة بنت ثعلبة ، وهي من جاءت الى النبي و أنزل الله القول الذي ابتدأنا به صدر المجلس ، وهي ليست فتاة شابة بل امرأة ذهب و تصرّم شبابها و ذهب جمالها ، فهي امرأة عجوز ، وزوجها أوس بن الصامت ، يومًا من الأيام غضب عليها و قال لها "أنت علي كظهر أمي" ، وهو ما يطلق عليه في الفقه بالظهار ، و تحرم عليه حرمة مؤبدة وليس مثل الطلاق الرجعي ، رسول الله وجميع المسلمين يعلمون بأن قول لفظة الظهار يؤدي الى الحرمة المؤبدة ، ولكن بعد الإسلام ما رأيه ؟ لما جاءت الى رسول الله وبكت بين يديه وقالت : " يا رسول الله ، أكل شبابي ، و نثرت له بطني ، حتى اذا كبر سني و دق عظمي و انقطع ولدي ، ظاهر مني ، اللهم اني أشكو اليك " ، كانت امرأة رمزًا للوفاء ، وتجيد حسن التبعّل ، لكن هذا الزوج لم يقدر وفاءها وتضحيتها و اخلاصها ، و نزل الحكم بأن يعتق رقبة أو أن يصوم شهرين متتابعين او اطعام ستين مسكين ، هنا عبرة ، نحن في مقام البحث في دائرة العلقة الزوجية ، اثار المتخصصون مبدأ التقدير الزوجي ، فغياب هذا المبدأ من شانه أن يحول العلقة الزوجية ، الى علاقة ليس فيها تضحية وقابلية في العطاء ، أنحن نعيش التقدير في واقعنا أم لا ، فله صور كأن تقدر زوجتك ولو بكلمةً تبعث فيها حبّ التقديم و التضحية ، و للأبناء و الزوج . لا نريد أن نكون كأوس بن الصامت بل نريد أن نكون أزواجًا يقدرون أزواجهم و الزوجة أيضًا عليها أن تقدر زوجها .

النموذج الثاني الذي يناقض هذه المرأة المخلصة الوفية ، انها الزوجة الخائنة ، من سورة التحريم " ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) " هنا وقعت الخيانة ، ما المراد بها ؟ هل هي خيانة الفراش ؟ وهذا ما لا يليق للأنبياء ، الخيانة في المقام على ثلاثة أنواع ، الخيانة الأولى في الإيمان ، فهذه خيانة لصاحبة الدعوة ، الخيانة الأخرى على مستوى العشرة الزوجية ، هذا الزوج المخلص الذي يبذل ما بوسعه ، و تتنكر الزوجة ، الخيانة الثالثة وهي اخراج اسرار الزوجية ، بل تعدت لاخرج اسرار الرسالة ، زوجة نوح ما كانت تكتم سرًا ، لا تنسجم الحياة الزوجية بزوج أو زوجة خائنة ، البعض يتجاوز الخطوط الحمراء ، من هنا نجد أننا عندما نتحدث عن النمط الثاني ، " فَخَانَتَاهُمَا" الزوجتان لم تعرفا قيمة العلاقة الزوجية ، فكانت عاقبتهما الهلاك . أمثال هؤلاء النسوة وسمهما الله تعالى في كتابه ، يجب أن يعيش المؤمن في مفهوم يناقض الخيانة ، و أن يعيش أمانة العرض و الشرف ، و على الأولاد و على أموال زوجته ، البعض لا يراقب الله عز و جل ، من يريد أن يتعلم سيرة الحياة الزوجية يقرأ سيرته ( ص )

النمط الثالث هي المرأة العابدة التقية ، التي لها علقة وطيدة مع الله ، انها مريم بنت عمران ، لها علقة و اتصال عبادي ، يكفينا في ذلك " فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) " ، في اللحظة التي يتنكر الكثير منا لهذه العبادات ، ولم يذق طعم العبادة و أصابه المرض الروحي ، وهو مرض روحي و معدٍ ، فاذا جالست أهل الدنيا و أهل الجفاف انتقل لك ذلك ، فلا تستشعر حلاوة العبادة و لذة المناجاة و برد العفو ، هناك من ينقر في صلاته كنقر الغراب ، فيفتح صلاته مكبرًا وعينه على التسليم ، واذا فرغ منها ، كأنما القي من على ظهره ثقلًا ، هي قدوة في العفاف و الطهارة لجميع خلق الله للاعتبار و أخذ الدروس منها ، وهي امرأة عاشقة للمحراب ، نتأمل هذا الجانب على اعتبار ان الكثير منا اصيب بفتور حقيقي في العبادة ، الصلاة التي نصليها بها فعالية أو لا " اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)" الخلل ليس في وعد الله ، بل الخلل في كيفية الصلاة ، ليست كل صلاة تحقق العروج ، بل الصلاة المقبولة ذات حضور القلب و التوجه . الله حذر المسوفين و المضيعين لأوقات الصلاة فأوعدهم بواد مخيف " فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ " الويل واد في جهنم و هم المضيعون لأوقات الصلاة ، و أما التاركون للصلاة ، من سورة المدثر " مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ "

النموذج الأخر ، هي المرأة الحمقاء و الحمق هو قلة العقل ، بعض الروايات تحذر من مصاحبة الأحمق ، فهو اذا أراد أن ينفعك يضرّك ، من سورة النحل " وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) " انها ريطة بنت عمر ، هذه المرأة قيل عنها حمقاء و قليلة عقل و مبتلاة بالوساوس ، تحل بالليل ما تعقد بالنهار بعد جهد طويل ، كل من يبني و يهدم فهو في منظار القرآن احمقًا ، فمن آمن فقد شيد معالم الدين ، و من ارتد فقد هدم ، وقد أشرنا الى ذلك في محاضرة سابقة ، يجب على المؤمن أن يتجنب الوسوسة ، الفقهاء صححوا و قالوا بأن كثير الشك يُصحح عمله ، فيعامل معاملة الصحيح . البعض في منتصف الطريق يهيمن عليه الوسواس فيقطع الصلاة ، فسيعود وسواسه على حاله ، وهو الوسواس القهري ، يجب عليه أن يمضي و لا يلتفت ، فمع من التفت و صاحب الحق أبرأ ذمته فهو أحمق ، الله يخلد نماذجًا من أجل الاعتبار .

النموذج الأخير هو الذي جسد الصبر و الثبات و الاستامة على الدين في زمن الزلزلة العقائدية ، " وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) " هذه المرأة رأت الحق و رأت الباطل فسلكت طريق الحق ، فأتى فرعون وبدأ بالمغريات فأبت ، فصُلبت و دُقّت المسامير في جسدها ، وتجلد في الليل و النهار وهو جانب الألم و الوجع ، مع كل ذلك كانت عينها على الله ، ما تراجعت عن دينها قيد أنملة ، هذا هو الثبات اذا خلدت هذه المرأة فليس ذلك عبثًا ، المؤمن يجب أن يكون صلبًا قويًا ، لماذا تتراجع بعض نساؤنا في الحجاب ولو جزئيًا فتسمح لنفسها باخراج جزءًا من شعرها أو ذراعها أو ساققيها أو تلبس من اللباس ما يحاكي عورتها وجسدها ، كل ذلك باسم التحضر ، هذا ضعف في هوية المرأة ، لماذا بعض الرجال يتراجع عن قواعد السماء وقيمها ! " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) " ، الهوية الإسلامية ضائعة عندهم ، نحتاج أن نقوي عقائدنا . الآباء مسؤولون عن ذلك ، لنأسس القاعدة التقوائية . اذا أردنا نماذج للثبات ليس فقط آسيا بنت مزاحم خديجة بنت خويلد نموذجًا ثابتًا و جالدت مع رسول الله ، قدمت أموالها وتخلت عن أهلها و نسبها ، حتى أن ساعة ولادتها بفاطمة الزهراء ما حضرن عشيراتها بسبب اختيارها محمدًا ( ص ) زوجًا لها ، كانت خديجة درعًا ثابتًا بين يدي رسول الله ( ص ) ، كانت تقوم فتقف بين يدي النبي ، تتلقف الأحجار بظهرها و برأسها كي لا يصاب رسول الله ( ص ) .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع