واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا الستري سلسلة محاضراته الرمضانية وذلك لليلة التاسعة من شهر رمضان لعام 1439هـ وتحت عنوان " آباء تصنع العظماء " ابتدأ سماحته بحديث عن الإمام الصادق عليه السلام : " بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة " يتميّز الإسلام الحنيف بخصلة خاصة وبميزة دون غيره من الأديان و النظريات ، حيث يتسم بالشمولية الواسعة في مختلف مجالات الحياة ، الاسلام دين عبادي من جانب ودين حياة من جانب آخر ، لا تكاد تجد جانبًا من جوانب الحياة الأسرية الفكرية العقدية في أي مجال الا و للاسلام فيه بصمة ، شمولية الإسلام أعطته ميزة دون غيره ، اهم ما تمتع به الإسلام من خلال أحكامه و آرائه ، اهتمام الاسلام بالبُعد التربوي ، ولا سيما في انشاء النشئ و الجيل ، كل ذلك لأن الله تبارك وتعالى جعل من الإنسان قطب رحى الوجود ، عناية بهذا الإنسان ولا سيما في مراحله الأولى ، اعداد النشئ و تنشئة الجيل الذي نسمه بآباء تصنع العظماء ، عندما نتكلم عن الآباء الذي يمتلكون قدرة في رفد المجتمع بابناء صالحين ، لهم بصماتهم و انجازاتهم، فان امثال هؤلاء يعتبرون عظماء ، هذا الولد الصغير الذي بين يديك ، هو طفل صغير بالفعل لكنه بالقوة هو الطبيب و المهندس و الأستاذ و العالم ، الماءُ عندما تنظر اليه ماءً لكن تستطيع أن تقول بان هذا الماء بالقوة يكون ثلجًا او بخارًا ، هناك قواعد أكّد عليها الشارع الشريف ، كيف يمكننا أن نحوّل هذا الصبي او الصبية الى امرٍ يلامس الإنجاز ، والى شخصيةٍ فاعلةٍ في واقع الحياة ، الطفل لايريد فقط اشباعًا جسمانيًا بل روحانيا ايضًا . ما هي القواعد التي باتباعها نكون قادرين على ايجاد نشئ صالح ، عن رسول الله ( ص ) " الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنّة "
القاعدة الأولى ، انتقِ البيئة الصالحة لوجود هذا النشئ ، وعندما نتكلم عن البيئة ليست البيئة الخارجية ، اي اصطفِ لك رحمًا طاهرا ، أن تختار امرأة صالحة ، وعلى المرأة أيضًا أن تصطفي وتختار من بين الرجال من يكون جامعًا للطّهر و الاستقامة ، البيئة الأولى التي من خلالها يكون ايجاد النشئ من حيّز العدم الى حيز الوجود أعطاه الاسلام عناية خاصة وجعله القاعدة الخصبة لايجاد الأبناء الصالحين عن النبي المصطفى ( ص ) حين قال قبل ألف و أربع مائة سنة " تخيروا لنطفكم فان العرق دساس " مع تطور العلم عرفنا عناصر الوراثة وانتقال الخصائص و الصفات ، انظر من تختار ، النبي أمر " تنكح المرأة لثلاث ، لمالها وجمالها ودينها " اذا ظفرت بذات الدين ، فانها تحفظ جمالها و امانتها وعيالك لك ، المرأة الصالحة تكون البيئة الصالحة لتنشأة الصالحين . الآباء الأفاضل من آباء و امهات اذا ما تجسدّت في سلوكياتهم خصال الكمال ، كانوا قادرين على تعميقها في أبناءهم ، الأبوان عليهم أن يوجدا القاعدة الأولى لتنشأة الجيل . اللبنة الأولى هما الأبوان كلما كانا صالحين ، انعكس الصلاح على أبناءهم .
القاعدة الثانية ، حدّد طبيعة نظرتك لصبيك و صبيتك ! ، عليك ان تنظر اليه بأنه أمانة ، انت لا تملك ولدك ، هذا الصبي انما انتَ و انتِ كنتما سببًا لوجوده ، الله خلقه من خلالكما ، لكنكما لا تمتلكانه ، و الدليل حتى على مستوى الولاية ، اعطيَ الأب ولاية على ولده لا لتأصيل سُلطويته عليه ، وانما من أجل مصلحته هو ، لك الولاية في تأديبه ، أن تضربه و لكن شرط أن يكون لمصلحته ولا توجد وسيلة لردعه سواها ، وليس على حسابه ، لا يجوز زيادة الضرب عن ثلاث ضربات ، او ان يحمر او يسود أو يخضر بدنه ، و الا لزمت الدية للغلام ، و لا يجوز أن يضربه أيًا كان ، فقط أبوه أن يمارس العقوبة وله أن ينقل هذا الحق الى زوجته ، وغير ذلك من القواعد ، واذا بلغ تكون ولايته محدودة و ضيقة جدًا ، وحتى البنت ، وان استمرت ولاية الأب على ابنته حتى في مشروع زواجها ، لو تقدم لها الزوج الكفؤ ، يضربون بولايته عرض الجدار ، الولاية للمصلحة ، متى ما تقدم كفؤٌ في الدين و الأخلاق لا قيمة لولايته ، الولاية للزوج على الزوجة للمصلحة لا الضرر ، فلو منعها من الحجاب او امرها بفعل المحرمات ، لا قيمة لولايته و قيموميته ، علينا أن ننظر لهذا الصبي انه أمانة " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) " يجب أن تُرجع كما أرادها الله ، فقد يكون الأبوان في موضع الخيانة اذا ما فرطا في ذلك الغلام ، عليك أن تنظر لولدك انه جزءٌ لا يتجزأ منك ، انظر الى ولدك على أنه مستقبلك القادم " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) " ، نحن استمرار للذين رحلوا ، " إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ : مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " فالدنيا عمل بلا حساب و الآخرة حساب بلا عمل ، هذا الولد هو عملك الدؤوب المستمر ، فهو جدول من الماء ، أوجدته ليرفدك و انت في حالة الإفتقار .
القاعدة الثالثة ، تصابى لولدك ان اردت كماله ، التصابي ليس مطلوبًا في نفسه ، انما يعتبر أحد الأدوات و الوسائل التي تؤدي الى الإتصال الفعّال ، بعضُ عناصر الاتصال البشرية تنتج و بعضها لا ينتج ولا يثمر ، لنتصل مع أبنائنا لنؤثر في أولادنا و ننتج أبناءً صالحين ، اذا كان هذا الأب عقله متقدّم فكرا و معرفة و خطابا وبيانا واسلوبًا و هذا الصبي صغيرًا لا يمتلك قدرات ، ان أردنا أن يتأصلا بهذا الفارق ، لابد للأب أن يتصابى ويحقق الاتصال ، و أن يغير مستوى الخطاب التي يستعمل للكبار فيستخدم الخطاب الذي يناسب الصغار ، " دع ابنك يلعب سبعًا ، و أدبه سبعًا ، و صاحبه سبعًا " ، نمط البناء الفكري و الترشيد السلوكي ليكن من خلال اللعب ، الروضات النموذجية و الحضانات المتقدمة من يدرسون فيها يحتاجون الى رخصة لإدارة هذه المهمة ، عن النبي ( ص ) " من كان له صبي فليتصابى له " ، النبي ( ص ) جسد التصابي قولًا و عملًا من خلال اختراق عوالم الصبية .
القاعدة الرابعة ، اكتشف قدرات ابناءك ، كثير من الأبناء ألهمهم الله قدرات بالفطرة ، لكنها تكون مضيعة فتزول يومًا من بعد يوم ، هذا الاكتشاف مهم ، بعض الخصال و المميزات اذا طُورت تحول هذا الصبي الى رجل عظيم ، مواهب فنية رياضية او جسدية ، القاعدة الخامسة ، كن ممهدًا ، التربية شيء و التمهيد لظهور صاحب العصر و الزمان شيئٌ آخر ، لا مانع ان نمازج التربية بالتمهيد ، لو نويت من خلال انفاقك على أولادك ومن خلال ترشيدك لسلوكهم أن يكونا أنصار لانتظار الموعود ، القاعدة السادسة ، كوّن المناعة الفكرية و المناعة الروحية لأبنائك ، نحن نتعرض لحرب ايدلوجية و غزو فكري يستهدف أبناءنا و بناتنا ، قبل أن تسبقكم اليه " المرجئة " وهو تيار عقائدي مُنحرف يستهدف عقول الصبية ، لانهم لم يصلوا الى مستوى من الوعي ، انتحار يقدم عليه الأبوان عندما نرسل أولادنا في عالم منفتح في الخارج ومن دون أن يكوّنوا قبل ذلك مناعة فكرية و روحية ، ينفتحون الى عالم به مُعترك من نظريات بمختلف فلسفاتها ، ولا يعرف الولد سوى الرياضيات و الفيزياء أيو الدراسة الأكاديمية ، لا يملك خلفية عقدية و ركائز قوية للهوية ، فيرى في نفسه الضعف ، فيعد من الخارج عنده شكوكًا على أقل التقادير ، و البعض يرجع منحرفًا ، فمن يتحمّل التبعات !الى متى سيبقى الأبوان قلقين على أولادهم ! كوّن المناعة العقدية و الروحية ثم لتسكن نفسك .
التعليقات (0)