شارك هذا الموضوع

الـــصـفـا في ليلة الثالث من شهر رمضان المبارك لعام 1439 هـ

اكمل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية وذلك لليلة الثالثة من شهر رمضان لعام 1439 هـ ، و تحت عنوان : موانع العروج الى الله ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة الكهف " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) " ، القرآن الكريم رسم منهجا لبلوغ الإنسان لمراتب الكمال ن ما من تشريع الهي و ما من امر رباني ، الا ومن وراءه غاية و هدف ، الله يحرك من خلال اوامره الإلزامية او تشريعه التحريمي باقصاء العبد عن متاهات المعاصي ، كل ذلك يوجب شيئا و يامره بالتوقف في موضع أو الإقدام في موضع ، ليصل الإنسان لمرتبة عالية من الكمال ، ليبلغ العبد مراتب التقوى ، ويعتبر الإنسان في هذا الوجود قطب رحى الوجود ، ما بُعثت الأنبياء و لا اُنزلت الكتب ولا جُنّدَ الأولياء الا لمن أجل هذا الإنسان .

كل انسان يتجه نحو هدف يريده الله ، الصيام أحد تلك الوسائل الموصلة لسلالم التقوى ، التقوى هي من أبرز معالم المؤمن التقي ، اذا كان الصوم يوصل التقوى ، ما بال بعضنا يصوم ولا يتذوق حالة التقوى ؟ ما بال صلاتنا و البعض صاحب الريادة في المعاصي و الآثام وهي تنهى عن الفحشاء و المنكر و تحول بين العبد وبين المعصية ، الخلل في المعوقات ، البحث استكمالا لما تحدثنا عنه ، حيث تحدثنا في الليلة الأولى عن تحديد أهداف التشريع و الليلة الثانية حول الوسائل المحفزة للوصول للهدف و الليلة نتحدث حول معوقات الوصول للكمال ، كل التشريعات توصل الإنسان الى التقوى و المعرفة و المنازل العليا ، الله يريد من عبده أن ينتقل من الغواية الى الهداية و من المعصية الى الطاعة و من الإنحراف الى الإستقامة و من البعد الى القرب ، فلماذا بعضنا لا يفير من نفسه ، لمجموعة من الأسباب ؟

الكدح يوجد بها الكثير من المضامين ، من سورة الإنشقاق " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ " المسير لمراتب العلو فيها المشقة و التبغات ، ومما يعترض الإنسان في مسيرته نحو الكمال ، بحثنا عن المعوقات التي تحول بين المرء و بلوغه مراتب الكمال ، المعوّق الأول ، الذنوب و المعاصي ، حجر عثراء يحول بين المرء ومسيره نحو الكمال ، الذنب لو تأمل البعض منا بالذنوب مع قلتها او المعاصي او كثرتها ، هي تبعات تحرم الإنسان من التوفيق لوصوله الى مراتب الكمال ، حينما نتأمل في الرواية عن الإمام الصادق " إِنَّ الرَّجُلَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيُحْرَمُ بِهِ قِيَامَ اللَّيْلِ " من دعاء أبي حمزة الثمالي " اَللّـهُمَّ!.. اِنّي كُلَّما قُلْتُ قَدْ تَهَيَّأتُ وَتَعَبَّأتُ وَقُمْتُ لِلصَّلاةِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَناجَيْتُكَ، اَلْقَيْتَ عَلَيَّ نُعاساً اِذا اَنَا صَلَّيْتُ، وَسَلَبْتَني مُناجاتِكَ اِذا اَنَا ناجَيْتُ.. مالي كُلَّما قُلْتُ قَدْ صَلَحَتْ سَريرَتي، وَقَرُبَ مِنْ مَجالِسِ التَّوّابينَ مَجْلِسي، عَرَضَتْ لي بَلِيَّةٌ اَزالَتْ قَدَمي، وَحالَتْ بَيْني وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ؟! " تلك القلوب التي بها الرين ، وهو الصدأ ، يصلي فلا يتذوق حلاوة الصلاة ، يناجي و لا توصل ، بسبب وجود الأغطية ، الذنب من أخطر الامور ، الصادق (ع) : إنّ الرجل يذنب الذنب فيُحرم صلاة الليل ، وإنّ العمل السيئ أسرع في صاحبه من السكّين في اللّحم ، الذنب ممكن أن يذهب جميع الخيرات ، قال رسول الله (ص): اتقوا الذنوب فإنها ممحقة للخيرات ، إن العبد ليذنب الذنب فينسى به العلم الذي كان قد علمه " هناك خضوع وقيام الليل و علم ، ولكن الذنب قد أذهبه . في شهر الله ، ابواب الغفران و التوبة و أبواب السماء مفتوحة ، من مناجاة التائبين للسجاد " إلهِي إنْ كانَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْب تَوْبَةً، فَإنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ النَّادِمِينَ " العبد لا يحتاج أن يصرخ ليعلن توبته ، بل بينه وبين الله لا ان يتلذذ بالمعاصي .

المعوّق الثاني ، في زماننا دكاكين المعاصي مفتحة وبكل سهولة ، على المؤمن أن يرتدي ثوب المناعة الروحية ، الشبكة العنكبوتية ، في الشوارع و الأزقة ، في الجامعات و المجمعات و المدارس ، في التلفاز ، أينما تلقي بطرفك هناك باب لمعصية الله ، ولكن المؤمن التقي الذي حصن نفسه بالمناعة يكون قادرًا على اجتياز تلك العقبات بالتقوى ، المعوق الثاني اشتغال الذمة بمظالم العباد و هي عقبة خطيرة أشبه بمعوق يحول بين المرء و بلوغه مراتب الكمال ، ورد في المناجات الشعبانيّة « اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ » يجب ان لا تكون مربوطًا بجهل أو نقض لكي تُحلّق ، ما المراد من المظالم التي تشتغل بها الذمة ؟ قد تكون المظالم تلفيات تسبب بها انسان في املاك الناس ، كاتلاف في سيارة غيرك او خدش ، عليك باصلاحه و دفع قيمته ، الديون أيضًا ، يجب أن يبرأ المرء ذمته ، و هي تسبب الإفلاس و ليس الإفلاس الدنيوي ، بل يقف على الصرط - الذي أدق من الشعرة وأحدّ من السيف ، والبعض يمر كالبرق فيصل الى الصراط حيث أن الصراط فوق نار جهنم ، البعض يمر عاديا و البعض ينزلق منه - فيسكتون ديّانه بحسناته ، لما تنتهي الحسنات ، يزيلون من سيئات من يطالبونه و تلقى عليه ، فيفلس من الحسنات ويُثقل من السيئات . الأثر الفقهي ، اذا كان أحدنا مشغول بذمة على الرأي المشهور أنه يستطيع أن يحج ، و لكن السيد السيستاني يذهب على انه ليس باستطاعته الحج وهو حج الإسلام .

المعوّق الثالث هو الجهل ، وما أدراك ما الجهل ، يُقسّم علماء المنطق الجهل الى قسمين ، جهلٌ بسيط و جهلٌ مُركّب ، الجهل البسيط هو المرء الذي يكون جاهلًا بشيء و يعلم أنه بجاهل ، أي أن الإنسان يجهل بعلم الفيزياء و الجيلوجيا وهو يعلم بانه جاهل ، اما الجاهل المركب ، جاهلٌ ، أحمقٌ ، أبله ، و لكنه يجهل بأنه جاهل ، فهو جاهل ويجهل انه جاهل ، وهذا بلاء على الامة ، وجهل خطير ، مقدمة معرفة الجهل تعين صاحبه أن يتلافى ، على الإنسان ان يجعل سلم المعرفة طريقًا للوصول الى الحقيقة ، عن الإمام الكاظم " لا نجاة الا بالطاعة ولا طاعة الا بعلم و العلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد ، ولا علم إلا من عالم رباني، ومعرفة العالم بالعقل " ، المعصية توصل للنار و الطاعة توصل للجنة ، الطاعة التي منشأها الجهل لا تُنجي .

المعوق الأخير ، النقض ، من سورة النحل : " وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ " ريطة بنت عمر ، كانت حمقاء و بلهاء قليلة العقل ، كانت تحيك طوال النهار حتى الظهيرة ، تقبض على طرفي الخيط فسحبته فانتهي القماش و يرجع خيطًا ، احذر أن تنقض اعمالك ، كيف يتحقق النقض ؟ ، عن النبي الاكرم ( ص ) " من قال سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله غرست له شجرة في الجنة " ، لكن احذروا الا تحرقوها بنيران ذنوبكم ، اذا كانت للطاعة صورة ملكوتية كشجرة لها ما لها في الجنة ، فان الذنب يتحول الى بصورة ملكوتية الى نار وصاعقة ، تخيل أنك صائم ، ولكن ما ان تكمل صيامك كل جهدك يتهاوى ، النقض نوعان ، أن تنقض السيئة بالحسنة " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ " ، و النوع الثاني أن نبدل الحسنات الى سيئات ، فتسليط نيران الذنوب الى الحسنات فلا تصل الى الله ، على الإنسان أن يلتفت بانه في مسيرة الى الله سبحانه و تعالى ولا يعمل بالنقض

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع