"إرتدي الفستان الأحمر" تقول الأم لابنتها فيرد الأب بسرعة "لا، لا... اللون الأحمر يزعجني جداً وأنا لا أحبه، إرتدي الأصفر". تستنكر الأم ذلك، وتتوالى الاستنكارات لتبدأ مشكلة بين الزوجين ظاهرها فستان الابنة، وأساسها خلاف جذري حول كيفية تربية أطفالهما وتعارض أساليبهما في هذا المجال، حيث يحاول كل منهما أن يفرض طريقته وهو متيقن بأنه المحق.
هذا الخلاف الذي يتكرر مع اختلاف المواقف والأسباب يؤدي في معظم الأحيان إلى قيام بعض الأطفال باستغلال الموقف بالانحياز إلى الطرف الأقوى من والديه، محاولاً التقرب إليه دون الآخر لعلمه أنه القادر على تنفيذ أوامره في المنزل، مما يؤدي إلى تعكير صفو الأجواء الأسرية والسؤال الذي يطرح نفسه هل من الطبيعي حصول مثل هذه الخلافات بين الوالدين؟ وما مدى تأثير ذلك على نفسية الأطفال؟ وكيف يمكن الحد من الآثار السلبية للأمر؟
- أسباب الخلافات الحقيقية:
إن تعارض أساليب التربية بين الأم والأب ونشوء الخلافات بسببها من الأشياء الشائعة بين العائلات. ولعل السبب الأساسي لذلك هو تلك التربية المختلفة التي تلقاها كلا الوالدين. فكلا الأب والأم قد تلقى تربية وعاش في بيئة تختلف جذرياً عن تربية الآخر. وقد يكون الأب أو الأم معجباً بالأسلوب الذي تربى عليه لذلك فهو يصر على اتباع الأسلوب عينه في تربية أولاده، حتى ولو كان هذا الأسلوب غير صالح أصلاً. وقد يحصل عكس ذلك فقد يكون أحد الأبوين غير راضٍ عن التربية التي تلقاها في طفولته لأنها كانت مليئة بالأخطاء والصعوبات لذلك فهو يصر على عدم اقتراف الأخطاء ذاتها مع أولاده.
وغالباً ما يخفي الزوجان مشاعر الخلاف الفكري بينهما، فتبقى دفينة لتظهر على السطح عند تربية أطفالهما.
- الآثار السلبية على الطفل
يشعر الطفل بالكثير من الحرج وهو يرى أبويه يتخاصمان من أجل لباسه، أو طعامه، أو ثقافته... خاصة عندما يؤدي الأمر إلى احتدام المناقشات.
وفي أسوأ الأحوال يمكن أن يؤدي تناقض الوسائل بين الوالدين إلى حدوث مشاكل عاطفية لدى الطفل ومثل هذه المشاكل قد تعيق قدرته التعليمية. فإذا ما تعرض إلى مواقف قلة الانسجام بين آراء والديه، وكان هو السبب في ذلك، فقد يقل تجاوبه مع المعارف الجديدة التي يتلقاها لأن كل طاقاته ستظل منصبة في التفكير فيما يحصل من حوله. إضافة إلى وقوعه في الحيرة بين الصحيح والخطأ فالطفل الذي ينشأ مثلاً بين أم كثيرة المخاوف وأب كثير الجرأة لن يملك إلا أن يكون حائراً في أمره. ففي الوقت نفسه هناك من يمنعه عن فعلٍ ما وهناك من يشجعه وبشدة عليه.
- كيف نحد من الآثار السلبية؟
مع أن المجادلات بين الوالدين حول أسلوب تربية أولادهما هي من الأمور التي لا يمكن تفاديها والابتعاد عنها إلا أنه بالإمكان تضييقها إلى أبعد الحدود.
المهم قبل كل شيء أن يعرف الوالدان أن للطفل شخصية مستقلة عنهما وهو ليس بالضرورة نسخة عن أحد والديه. والطريقة التي تربى عليها والداه ليست صالحة لتربيته فالإمام علي (ع) يقول: "لا تكرهوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم".
إن اختلاف الآراء ليس من الصحيح أن يجعل من البيت ساحة للعراك والتراشق الكلامي بين الوالدين وخاصة أمام الأولاد. لذلك من الأفضل أن يحل الوالدان اختلافهما بعيداً عن مرأى أطفالهم حتى لا يؤثر ذلك على شخصيتهم. وإن كان لا بد من الحديث والنقاش أمامهم فليكن النقاش مبنياً على أساس الاحترام المتبادل والحرص على مشاعر الآخر، للوصول إلى الاتفاق والتراضي. وهكذا يتعلم الولد كيف يحترم وجهات نظر الآخرين.
المهم في الأمر هو الطريقة التي يتناقش بها الوالدان وليس حقيقة النقاش. فالطريقة هي التي قد تؤثر سلباً أو إيجاباً على الطفل فإذا كانت مبنية على أساس الاحترام وتبادل وجهات النظر ستكون خير نموذج للأولاد يعلمهم كيف يتقبلون الآخرين ويستمعون إليهم.
كما أن اختلاف وسائل التربية يصبح ذا فائدة كبيرة عندها لأنه سيوسع أُفق الطفل وسيجعله أكثر قدرة على تقبل الأمور كافة التي تعترضه في حياته حيث سيجد أمامه عدة احتمالات وعدة آراء ينطلق من خلالها، وبالتالي لن يضطر إلى اللجوء إلى رأي واحد.
- كلمة أخيرة:
إن تربية الصغار يجب أن تُقرّب الوالدين من بعضهما البعض، فهي ليست سبباً للشجار والتفرقة، ولا ينبغي أن تكون كذلك، فهذه التربية وإن اختلفت وسائلها في أغلب الأحيان ترغم الوالدين على إيجاد الحلول المشتركة والموحدة التي تصب في مصلحة أولادهما. لذلك يجب أن يكون الوالدان على قدر من التفهم كلاً منهما للآخر. وعلى قدر من الشجاعة كي يعترف أحدهما بنقاط ضعفه وبصوابية رأي شريكه وعندها لن يرى في الأمر انتقاصاً من كرامته، بل سيراه الحل الأمثل للحفاظ على أجواء أسرته صافية لا تشوبها شائبة.
التعليقات (0)