شارك هذا الموضوع

الإصلاحيون وخاتمي .. تحالف أم تخالف

هل تعتقدون أنني لا أعرف ما الذي يُقال ويحدث في جلساتكم ضد الدين والثورة والنظام ؟! إن البعض يُعاتبني معتقداً بأنني قد انحرفت عن مبادئ الإصلاحيين، ولكني أقول إلى هؤلاء أنكم أنتم الذين انحرفتم عن المبادئ أما أنا فلازلت ثابتاً على مبادئ الإستقلال والحرية والجمهورية الإسلامية، وإنني أنهج مبادئ تحكم مسيرتي وتوجهي، وأهم مبدأ بالنسبة لي هو حفظ النظام وحمايته وإنني أبداً لا أسير وراء القضايا التي تُعَرّض النظام للخطر، وفي لقاء عُقِدَ ذات يوم في المجلس وكلكم تتذكرون؛ حين حضر عدد كبير من الأفراد وقالوا كل شيء أرادوه .. قالوه للثورة والنظام والبعض منكم كان موجوداً ولم تعترضوا آنذاك، والآن تريدون ألاّ يكون لدى مجلس صيانة الدستور حساسية ما، وإنني  أقول إذا كان أحد الأشخاص يرى ويشعر أن هناك أي دليل أو وثيقة ما تدعم عملية رفض صلاحيته ففي اعتقادي أن يجب عليه ألاّ يُشارك في الانتخابات "

قد يكون هذا الخطاب الحاد الذي نشرته صحيفة كيهان بتاريخ 15 يناير 2004 للرئيس محمد خاتمي والذي ألقاه في مجلس الشورى الإسلامي للنواب (الإصلاحيين) من جبهة المشاركة المتطرف الذين قاموا باعتصام احتجاجي في مبنى البرلمان بُعيد رفض أهليّة عدد كبير منهم؛ مدخلاً مُهمّاً يمكن من خلاله معرفة حقيقة الافتراق الذي وصلت إليه بعض الأطراف في جبهة الثاني من خرداد الذي يضم زهاء ثمانية عشر تنظيماً يُوسمون بالإصلاحيين تجاه بعضها البعض، فقبل أقل من أسبوع صرّح العضو البارز في حزب جبهة المشاركة المتطرف وأحد مُنظريها سعيد حجاريان لوكالة أنباء الطلبة في ردٍ واضح على خطاب (ومواقف) الرئيس خاتمي بأن علاقة الإصلاحيين بخاتمي في هذه المرحلة هي " علاقة انتقاد واتحاد " بعد أن كانت علاقة " اتحاد وانتقاد " داعياً جبهة الثاني من خرداد إلى إعادة تقييم نفسها من الناحية النظرية والتنظيمية وتعريف العلاقة بين المواطنين وبينها وبين الائتلافات الجديدة فيها والتي يجب أن يُعاد تعريفها أيضاً .


ويأتي وصف حجاريان لعلاقة الإصلاحيين بخاتمي على نحو التوصيف المذكور تأكيداً على بدء عملية فرز جديدة بدأت في الظهور بعد انتخابات العشرين من فبراير الماضي التي أصابتها في مقتل لتتحكم في علاقة الإصلاحيين بعضهم ببعض، ومدى تقارب رؤاهم وأفهامهم للمصطلحات الصناعية والعناوين السياسية التي أفرزتها مرحلتهم عقب انتخابات العام 1997وازدادت وتيرتها بعد انتخابات المجلس السادس .


فالحال التي سبقت الانتخابات الأخيرة بأيام قد " حزّبت " فئات تيار الإصلاحيين إلى سماطين، الأول يضم عشرة أحزاب تُعارض المشاركة وهي رابطة الصحفيات ورابطة خريجي شبه القارة الهندية والرابطة الإسلامية للمعلمين في إيران والرابطة الإسلامية للأساتذة الجامعيين والرابطة الإسلامية للقطاع الطبي واتحاد مديروا الصناعات ومُجمّع النواب لعدة دورات في مجلس الشورى الإسلامي وجبهة المشاركة ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية ومُجمّع أساتذة وباحثي الحوزة العلمية في مدينة قم، أما الثاني فهو الذي قرر المشاركة في الانتخابات ويضم ثمان أحزاب أخرى من الحركة الإصلاحية وهم مجمّع علماء الدين المناضلين (روحانيون الذي ينتمي إليه الرئيس خاتمي تنظيمياً) وحزب كوادر البناء وبيت العامل وحزب التضامن وحزب العمل الإسلامي ورابطة السائرين على نهج الإمام ورابطة المرأة الإسلامية والاتحاد الإسلامي للمهندسين .


كما انسحب ذلك التباين أيضاً في تعريفهم للتيار المحافظ ففي الوقت الذي يُرحب فيه الرئيس خاتمي بالمعطيات الجديدة التي تتمثل شخوصها في تيار المحافظين، كما ذكر ذلك صراحة في مؤتمره الصحفي يوم أمس الأربعاء، نرى بأن المتطرفين من الإصلاحيين كشمس الواعظين وتاج زادة ومزروعي وتاجريان يُشككون في إمكانية حدوث وئام وانسجام بين المجلس السابع والسلطة التنفيذية، بل ويعتقدون بأن وزارتي الأمن والداخلية ستسقطان في أيدي المحافظين قريباً وهو ما ذكره صراحة صادق زيبا كلام وهو من كبار شخصيات التيار الإصلاحي، كما تجب الإشارة أيضاً إلى أن الزيارة التي قام بها الوفد البرلماني الإيراني إلى السنغال يُمكن التدليل بها على ذلك أيضاً، فالوفد وقبل وصوله إلى العاصمة داكار لحضور اجتماع الدورة الثالثة لرؤساء برلمانات الدول الإسلامية توقف مدة يومين في باريس حيث قام اثنان من الوفد وهما رئيس البرلمان الشيخ مهدي كروبي ومستشار قائد الثورة الإسلامية الشيخ ناطق نوري (الذي يُرافقه كضيف خاص) بإجراء مباحثات مع مسؤولين فرنسيين وأوربيين بعيدة عن أنظار المراسلين (بما فيهم مراسلي وكالة أرنا والمكتب المركزي للأنباء) حول قضايا عدّة تتعلق بالشأن الإيراني، والإشارة المُهمّة هنا أن مباحثات الشيخ كروبي وهو شخصية إصلاحية معتدلة وبمعيته الشيخ ناطق نوري وهو من الشخصيات المحافظة في تلك المباحثات يُعطي إشارة بائنة إلى حصول تقارب بين مُعتدلي الإصلاحيين وشخصيات التيار المحافظ وهو ما يُعتبر إخفاق سياسي لمتطرفي جبهة المشاركة .


وهنا ينبغي أن أشير إلى عدة ملاحظات أراها مُهمة وموصولة بالعامل الخارجي بالنظر إلى خلفياتها وتداعياتها :


  (1) تبيّن من خلال متابعات سياسية وتلميحات أن هناك أطراف عديدة في المنطقة وبالأخص سوريا ولبنان ومصر كانت تريد أن يعود التيار المحافظ إلى الواجهة السياسية لإيران باعتباره الخط السياسي الذي كانت تتعامل به ومعه لفترة طويلة في حلحلة الكثير من الملفات الإقليمية وبالخصوص في عملية الاستقواء به ضد إسرائيل وتركيا، كما أن غالبية الحركات الفلسطينية الإسلامية وغير الإسلامية وكذلك حزب الله في لبنان كانوا يرغبون بذات الشيء خصوصاً في ظل تعثر حركة المفاوضات واتفاقيات السلام الإسرائيلية العربية، فالمعروف أن الخطاب السياسي التي كان يتبعه التيار المحافظ وتمثّلاته في الساحة الإيرانية (رغم براجماتيه أحياناً في السياسة الخارجية) هو الارتباط والالتصاق بقضايا المنطقة والدخول كطرف محوري في محدداتها ومكوناتها التفاوضية والسياسية، وهو خطاب مغاير بصورة كبيرة عما يطرحه بعض قيادات التيار الإصلاحي المتطرف من شعارات تختزل بصورة بائنة النظرة القومية، بالدعوة إلى إبعاد الجمهورية الإسلامية عن الدوائر والبُؤر الساخنة في المنطقة، وأهمها القضية الفلسطينية، بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك عندما رفعوا شعار إيران للإيرانيين وهو ما جعل البعض لأن يُشكك في مصداقية المواقف الإيرانية، الأمر الذي حدا بالمرشد علي الخامنئي لأن يتدخل في أكثر من مرة لوقف تلك التداعيات الخطيرة كما حصل في قضية اللاجئين العراقيين .


 (2) تبيّن أن المجلس النيابي السادس والذي تمثّل في أغلبه بأسوأ من في التيار الإصلاحي قد دخل في خلاف غائر مع مجلس صيانة الدستور الذي من مهمّته مطابقة القوانين المُحَالة إليه من البرلمان مع الموازين الدستورية والإسلامية، والغريب أن الإحصائيات الأخيرة تشير إلى أن مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يفصل في الخلاف بين المجلس النيابي والمجلس الرقابي قد انتصر في أكثر من سبعين بالمائة من قضايا الخلاف لصالح المجلس النيابي، وهو ما يُفنّد حملة الترويج (الإصلاحية) التي تتهم المجمع بأنه رديف للقوى المحافظة، وحتى عندما أرادت الحكومة قبل أقل من ثلاثة أيام سحب سبعة مليارات دولار من حساب احتياطي العملة الصعبة للإسراع في إكمال المشاريع الإنمائية غير المُكتملة وتسديد ديون الحكومة (بما فيها الديون المستحقة للبنك الزراعي) وتوحيد سعر الصرف الأجنبي وافق مجمع التشخيص على ذلك رغم أنه يعلم أن جزء من ذلك الإجراء هو دِعائي خصوصاً وأنه صادر سلفاً عن توصية تقدمت بها لجنة الموازنة في المجلس السادس، علماً بأن الإصلاحيين المتطرفين في جبهة المشاركة كانوا يُروجون إلى ما قبل أسابيع خلت إلى أن النواب المحافظين الفائزين في الانتخابات الأخيرة سيقومون في بداية نيابتهم بهذه الخطوة لإنفاق تلم المبالغ على مشاريع خَدَمية ذات تماس مباشر مع المواطن الإيراني بغية توسيع قاعدتهم الشعبية، تمهيداً للانتخابات الرئاسية القادمة في 2005 إلاّ أن الذي حصل هو أن الإصلاحيين هم الذين قاموا بهذه الخطوة ولنفس الأهداف تقريباً .


ما يهم الآن هو ترقب أحداث أهم من ذلك خصوصاً بعد نفي الرئيس خاتمي نبأ نيته الاستقالة، وصعود قيادات التيار المحافظ بأدبيات تتقارب مع ما يطرحه حزب كوادر البناء الإصلاحي من التركيز على البناء الاقتصادي، بالإضافة إلى ورود أنباء عن وجود مشاورات بين المعتدلين في الجناحين على اختيار أحد ثلاثة أسماء للانتخابات الرئاسية القادمة وهم الدكتور علي أكبر ولايتي وزير الخارجية السابق والمهندس مير حسين الموسوي رئيس الوزراء إبان الحرب العراقية الإيرانية والدكتور حسن روحاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع