بسم اللَّه الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) (التحريم: 6).
هو طفل بريء لم يتجاوز السنة الثالثة من عمره، فلا تصفوه بالسارق لأنه لا يعرف معنى السرقة.
لماذا تحرمونه من حقوقه العاطفية والمعنوية والمادية ثم تطلبون أن يمتنع عن أخذ ما هو بحاجة إليه ولو بالقوة أو خفية عنكم؟!
ولماذا تتعاملون معه وكأنه راشد مثلكم يستطيع التحكم بغرائزه ومتطلباته؟
هل نسيتم أنكم مسؤولون عنه وعن حاجاته وأنه عليكم تأمينها له قبل أن تعاقبوه على أخطائه؟
أيها الوالدان:
أعطوه ما يحتاج إليه، وفّروا له الفرص لكي ينمو النمو الطبيعي والصحيح وبعد ذلك سترون أنه لن يقع في المشاكل السلوكية أو الانحرافات الأخرى، ولن يوصلكم إلى الإحراج والخجل من تصرفاته، بل سترون ما يرضيكم ويسعده على حدٍّ سواء.
قال اللَّه تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا) (المائدة: 38).
إن حب التملك والملكية أمران فطريان عند الإنسان، وهما يظهران منذ الصغر، فالحصول على الملكية والوصول إليها له أساليب ووسائل مشروعة اجتماعياً وعرفياً وشرعياً، لكنّ محاولة ذلك بالطرق غير المشروعة يسمى جنوحاً وخروجاً عن الشرع والقانون والعرف؛ مما يسبب الكثير من المشاكل والتعقيدات في المجتمع والأسرة.
وقد جعل الإسلام قصاصاً لمن يحاول الاستيلاء على أشياء تخص الآخرين، بل أقام الحد بقطع اليد (بعد توفر الأدلة والشروط). لما يحمل ذلك من خطورة بالغة الأهمية على السارق والمجتمع.
فما هي السرقة؟
السرقة هي محاولة الاستيلاء والتملك لأشياء تخصّ الآخرين خفية عنهم! وهي عادة اكتسابية يتعلمها الطفل من خلال التنشئة والمحيط الذي يعيش فيه (من خلال حرمان معين، إثبات وجود، اضطراب.).
وهي من المشكلات الاجتماعية الحساسة التي ينبغي الوقوف عندها والتعرف إلى أسبابها والدوافع إليها؛ وبالتالي الوقاية منها ومعالجتها عند استفحالها بين الأطفال والفتيان.
فالطفل في سنواته الأولى (1 - 3سنوات) تمتد يده إلى كل ما يراه محاولاً اكتشافه أو اللعب به وبالتالي حيازته وتملكه. لكن في هذا السن، لا يُعد الأمر سرقة أو جنوحاً لأن مفهوم الملكية غير واضح عنده وهو بالتالي لا يعرف التمييز بين ما هو له أو لغيره، ولكن ينبغي الانتباه، إذا ما بدأ الطفل بأخذ الأشياء خلسة، حيث تبدأ الخطورة وتظهر عوارض السرقة التي قد تتأكد وتتفاعل مع الطفل.
فما هي أسباب ودوافع السرقة؟ وما هي سبل الوقاية وطرق العلاج منها إذا ما أخذت شكل الجنوح عند الطفل؟
أسباب ودوافع السرقة:
1- الحرمان: وهو أقوى دوافع السرقة وأهمها على الإطلاق وهو نوعان:
أ- حرمان عاطفي معنوي: وهو أمر أكدت أثره الدراسات والتجارب والأحاديث الشريفة، لذا نراه يتكرر مع أي مشكلة نفسية وسلوكية عند الطفل.
فالحرمان العاطفي يولد الشعور بالانتقام والكراهية للوالدين وللآخرين أيضاً، ويندفع المحروم بشكل لا شعوري لتنفيذ هذا الانتقام عبر أساليب مختلفة أهمها السرقة.
وقد يكون الحرمان العاطفي نتيجة فقد الوالدين (أحدهما أو كلاهما) بالموت أو الهجر أو الطلاق. وهو الأكثر بروزاً وتأثيراً على الطفل في توجهه نحو السرقة.
كما وقد يكون مع وجود الوالدين ولكن بانشغالهما عنه بأمور أخرى أو اهمالهما له (وما أكثر ما يظهر ذلك اليوم، نتيجة انغماسهما في الحياة اليومية والعمل وما إلى ذلك. لذا يلجأ الطفل للتعويض عن هذا الحرمان بامتلاك ما ليس له (انتقاماً أو أخذاً بالثأر، أو إثباتاً لوجوده ولفت الانتباه إليه، أو تعبيراً عن مظلومية يشعر بها من الآخرين).
ب- حرمان مادي: وهو حرمان الطفل من حاجياته ومتطلباته الأساسية والضرورية اليومية: مصروف يومي، ملابس جديدة، من وقت لآخر أو في المناسبات، تنويع في الطعام من غذاء وفاكهة وحلوى، ألعاب وغير ذلك.
وقد يكون وراء الحرمان الفقر الاقتصادي للأسرة والحاجة التي تمنعها من تلبية هذه الحاجات والرغبات الضرورية للطفل. وتتفاعل عنده هذه الرغبات عندما يبدأ بالاختلاط مع غيره من الأطفال، وحتى الكبار منهم سواء في المجتمع أو في المدرسة أو ربما في المحال التجارية التي قد يدخلها مع والديه.
وقد يكون الأهل موسرين إلا أنهم لا يلتفتون إلى هذه الأمور ولا ينظرون إليها بشكل جدي كحاجات ومتطلبات مهمة للطفل (كالأم العاملة التي لا تحاول تنويع الطعام اليومي وإحضار الفاكهة والحلوى) أو نتيجة الحرص من أجل توفير المال للمستقبل والعلم.
كل ذلك يحدو بالطفل للسعي لتملك الأشياء التي يرغب بها بطرق تتوفر عنده. كأن يستولي على ممتلكات زملائه أو أخوته وإخفائها أو تخريبها ورميها بعيداً عنهم.
2- الشعور بالنقص:
عندما لا يهتم الوالدان بالطفل ولا يساعدانه لتكوين شخصيته وإثبات ذاته يشعر الطفل بأنه منبوذ من الأهل والمجتمع (مربين معلمين أقارب) وغالباً ما يفقد الطفل شخصيته عند تفكك العائلة (المشاكل، أو السفر الدائم للأب وإهمال الأم.).
عند ذلك قد يلجأ، ومن أجل إثبات ذاته ووجوده، إلى السرقة كأنه يقول: «أنا موجود» أو لينفق المال على من حوله ويستعرض نفسه أمام زملائه ليثبت رجولته وكفاءته وجدارته باصطحابهم (من وجهة نظره).
وقد يكون بدافع الإثارة وحب المغامرة (سلبياً) لتكون له مكانته الاجتماعية.
3- القدوة السيئة:
هذه تتمثل بأصدقائهم الذين يمارسون عملية السرقة ويكونون معهم من الصداقة إلى درجة الاتحاد في كل الأمور فينجرُّون إلى هذا العمل.
أو قد تتمثل من خلال الأهل أو الأقارب الذين يقومون بهذا العمل الدنيء أمام أولادهم (كأن تُخفي الأم أو الأخ الأكبر أو الأب شيئاً أثناء التسوق من «السوبرماركت» مثلاً. ويلاحظ الطفل ذلك وعدم اكتشاف أمرها من المعنيين فيقلّد ذلك وإذا نجح يستمر إلى أن تتحول المسألة إلى عادة متأصلة).
4- التوتر والانفعال الداخلي:
وهذا يعرف بالصراع العقلي، من مثل الاكتئاب أو الغيرة، أو الغضب وغير ذلك مما يدفعه إلى السرقة كحالة استعادة الشعور بالارتياح وبدافع لا شعوري عند الطفل وهذه الانفعالات تتعدد أسبابها، وقد مر ذكر بعضها في حلقات سابقة.
5- الإعلام والمشاهدات اليومية:
إن ما يقرأه أو يشاهده أو يسمعه عبر التلفاز والإذاعة والمجلات والكتب من أفلام وقصص بوليسية تتحدث عن عمليات السرقة وكأنها عمل بطولي يدعو الطفل للإعجاب ببعض الأبطال فيعمل على التمثل بهم وتكون لديه الأعذار والمبررات الكافية.
6- الشعور بالفراغ:
إذا لم نملأ الوقت للطفل بالنشاطات المناسبة والحب والرعاية الكافيين ومنحه الشعور بالأمن والطمأنينة فإن ذلك قد يؤدي به إلى السرقة من أجل الحصول على ألعاب أو الاشتراك بنشاطات يملأ بها وقت فراغه من جهة ويشبع هواية أو ميلاً من جهة أخرى (مثلاً: يسرق نقوداً ليستأجر دراجة، أو يشاهد فيلماً أو يستعمل الحاسوب والانترنت في الحانوت وهكذا.).
7- التعليم غير المباشر:
وذلك عندما يقوم الأهل بإخفاء بعض الحاجيات عن الأولاد بحجة عدم بعثرتها أو الاسراف في تناولها أو تلفها (كإخفاء الفاكهة أو الحلوى أو الألعاب داخل الخزانة) أو إخفاء النقود (من قبل الأب عن الأم). وهكذا فإن ذلك يُشعِر الطفل بأن سرقة هذه الأمور أمر مبرر لأنها حق مشروع له.
كل هذه الأسباب إضافة إلى القسوة في المعاملة والعقاب المتكرّر والدائم، أو الدلال المفرط، يجعل الطفل يفتش عن مخرج ومتنفس بأسلوب خاطىء يؤدي به إلى الانحراف عن المسار الصحيح.
ولكن ما هي سبل وقاية الأطفال في سلوك هذا الطريق؟!
1- تأمين الحد الأدنى من الضروريات:
أ- الحب والحنان: كما كان السبب الرئيس للجنوح إلى السرقة الحرمان العاطفي فإن الوقاية تتمثل بالدرجة الأولى بل على رأس الوقاية والعلاج، بتوفير الجو العائلي المفعم بالحب والاحترام والعاطفة للأطفال في كل مراحل طفولتهم. لأن ذلك يُشعر الطفل بالطمأنينة والأمان والاستقرار ويعطيه القوة للتغلب على كل صراعاته الداخلية وانفعالاته، وبالتالي يوفر له الاحترام الذي يوجهه نحو الأمانة في كل تصرفاته وتعاطيه مع الآخرين.
ب- تأمين المستلزمات المادية الضرورية: من مأكل ومشرب وملبس وبعض الألعاب، ولو البسيطة، وبعض الأوقات للترويح عن النفس وعدم إعطائه الثياب القديمة (إعطاء ثياب الأكبر للأصغر بشكل دائم فيكون الجديد دائماً للكبير مثلاً). والألعاب المستعملة أو فضلات طعام الآخرين.
ومن ذلك تأمين مصروف يومي أو أسبوعي ليشعر أنه يستطيع امتلاك النقود والتصرف بها وأيضاً لا يشعر بحرمانه من شيء يمتلكه الآخرون، (طبعاً بما يتناسب والوضع الاقتصادي للأسرة).
2- احترام حق الملكية لدى الطفل:
لأن هذا يعلمه احترام أملاك الآخرين ومن هذه الملكية امتلاكه بعض الألعاب والحاجيات الخاصة وعدم إشراكه بها مع الآخرين حتى الأخوة منهم (مثل شراء لعبة واحدة لطفلين أو ثلاثة، أو ثياباً يتداولها أكثر من واحد في البيت). لأن ذلك يجعله غير قادر على التمييز بين ملكيته وملكية الآخرين.
ومن هذه الملكية أيضاً الاستئذان منه عند الاضطرار لاستعمال حاجاته لكي يعتاد الطفل منذ صغره على استئذان غيره واحترام ملكيتهم.
وكنا قد أشرنا سابقاً، إلى ضرورة تخصيص مكان خاص بالطفل وبأغراضه ليكون له حرية التصرف وحسّ التملك.
3- القدوة الحسنة:
بمعنى توفير الأصدقاء الذين يتحلون بالصفات الحسنة والتربية الصالحة والأمانة في التعامل مع الآخرين. كذلك تعويده الاقتداء بالصالحين والأخلاقيين ممن يشكلون القدوة الحسنة من خلال السِّير والقصص للأبرار والعلماء.
ومن القدوة الحسنة عدم ممارسة السرقة أمامهم بأسلوبيها: المباشر (كأن يسرق الأخوة أمامهم) أو غير المباشر عبر إخفاء بعض الحاجيات عمن في المنزل (الأم عن الأولاد أو عن زوجها..) مهما كانت الظروف الداعية لذلك.
4- الاندماج الاجتماعي:
وذلك بتعويد الطفل على الانخراط في الحياة الاجتماعية من خلال المدرسة والنادي والجمعيات الرياضية والكشفية، وغير ذلك من الأنشطة، فيما يساعده على تنمية مواهبه وممارسة هوايته إضافة إلى ملء وقت الفراغ فيكون قد وظّف طاقته في أنشطة مفيدة ومسلية.
5- المراقبة الخفية:
بمعنى أن يكون الأهل على علم ووعي دائم لما يراه الطفل ويسمعه من الوسائل الاعلامية والكتب والقصص البوليسية وما يقوم به دون أن يشعر أنه مراقب حتى لا يفقد شخصيته ويشعر بأنه بدون حرية وقدرة على التصرف.
كذلك وضع الصالح بين يديه (من هذه الأمور) وإبعاده عن السيء منها بأسلوب تربوي فعّال دون الزجر المباشر أو العقاب الصارم.
العلاج
أما في مجال العلاج فإذا ما لاحظنا أن الطفل يمارس عملية السرقة فلا بدّ من معرفة الخلفية التي دعت الطفل إلى هذا العمل والأسباب المؤدية إليه فيما إذا كانت طارئة أو متأصلة (لأول مرة أو متكررة) إضافة إلى الصفات الشخصية للطفل والبيئة التي نشأ فيها والظروف المحيطة به ويمكن أن نتبع الخطوات التالية:
1- طرح بعض الأسئلة حول هذه الظاهرة:
أ- ما هي خلفية هذا الطفل؟
ب- هل نشأ في منزل سعيد ومستقر؟
ج- هل يحترم والديه أم لا؟
د- هل يشعر بكراهية والديه له؟
2- عدم العقاب بالضرب:
إذا ما أخطأ الطفل مرة واستولى على شيء ليس له يكفي أخذه منه برفق ولين وإعادته إلى صاحبه دون زجره أو ضربه أو حتى نعته باللصوصية. بل مراقبته ومعرفة الدافع إلى هذا العمل.
ويمكن الطلب إلى الطفل إعادة ما أخذه أو التعويض عنه إذا ما أتلفه، ثم محاولة تفسير مخاطر هذا السلوك (بعد أن يهدأ الولد) بأن هذا ملك للغير ولا يحق لنا أخذه بدون إذنه ومسامحته.
وإذا كنا غير متأكدين بأنه الفاعل ولا نملك دليلاً، فيمكن استدراجه بأن نذكر له بأننا لسنا متأكدين ولكن لو أعدتها فإننا سنكون فخورين بك والأهم أنك ستكون فخوراً بنفسك وأنك إذا استمريت بذلك فلن تكون سعيداً مع نفسك ومع الآخرين وهكذا.
3- تبصيره بالنتائج الاجتماعية والشخصية:
بالشرح له بأن هذا فساد اجتماعي وأخذ لحقوق الآخرين وأن ذلك سيؤدي إلى سمعة سيئة له بين الناس (هذا عند تكرار المحاولات للسرقة). واستخدام التنبيه والتحذير وأهمية الأخلاق في سلوكنا الاجتماعي وما إلى ذلك وبيان عقاب اللَّه تعالى على هذا الفعل الدنيء والوضيع.
4- عدم تفضيل الآخرين عليه:
من أخوة وزملاء في الصف، عند اكتشاف أمره، بل وضعه في خبرات عائلية ومدرسية عادلة ومتكافئة الفرص، بمعنى عدم عزله عما يجري داخل الأسرة، أو الصف، بل إعطاؤه الفرصة والوقت لتجاوز ما يعاني منه.
التعليقات (0)