البحرينُ كما يُسمونها (كربلاء الثانية) هذه الجزيرة المُباركة برُقعتها الصغيرة إلا أنّ نشاطها يستطيع أن يُضاهي الديار الكُبرى والمناطق الواسعة ... المواكب مثلاً مُنذُ السبعينات وهي في نمو مُطَّرد ملحوظ ... نسبة الحضور في تزايد مستمر وعدد العاملين فيها كذلك هو في ارتفاع ...الرواديد أعدادهم لا تُحصى والمواكب من الصعب تقدير عددها ... ففي كل منطقة عدة مواكب في أوقات وطرق متعددة ... منها زنجيل ومنها للصغار ومنها للكبار ومنها مركزية ومنها فرعية ... هذا الكم المتزايد من المواكب من الطبيعي أن يحتاج لقرائح شاعرة تُغذي حاجتها ... في حين كانت المواكب في السبعينات تُعاني من شحة الشعراء الموكبيين فكانت القصائد العراقية تُغطي الحاجة المطلوبة ...باتت الفترة الحالية متخمة بالوفرة من الشعراء من مختلف المدارس والأعمار والأذواق ... في هذه الفترة تستطيع أن تجزم بضرس قاطع أن لا تخلو أي منطقة في البحرين من شاعر يُغطي حاجة الموكب لديها ... أما بعض المناطق المعروفة والفاعلة في مجال الموكب فعدد شعرائها بالعشرات ... هذا الفيض المُتتالي من الشعراء على اختلاف مستوياتهم يحتاج منّا إلى نظرة تقويم وتوجيه للمُعتنين بشأن المواكب الحسينية من أجل الإستفادة منه على الشكل الأفضل ...
المواهب الصاعدة
بعض المواهب تحتاج إلى صقل وتوجيه وتقويم ... هي تمتلك القدرة والطاقة وعلى القادرين وضع أيديهم على مواقع الخلل في نصوصهم ... وحثهم على التطلع أكثر والتزود من الكتب الأدبية أكثر ما يُمكنهم لتطويع إمكانياتهم وشحذها لتفرغ إبداعاتها في ما يأتي من مراحل ... يُلاحظ على أعداد كثيرة من الشعراء استقاءهم خبرتهم الشعرية من الموكب فقط ... وهذا وإن كان مفيداً إلا أنه سيشكل عندهم نقصاً ما لم يستعينوا بالمصادر الأدبية الأخرى ... كالكتب التاريخية وكتب البلاغة والبيان ودواوين الشعراء والثقافة والتاريخ ... الشعراء المعتمدون على ثقافة الموكب فقط ستراهم يُقدمون نماذج هزيلة في الأعم الأغلب غير ذات تميُز ... فهم بالطبع يُعيدون صياغة الوقائع بنفس التعابير والصور في أوزان أخرى مما يُشكّل عندنا ضعفاً في مستوى القصيدة الموكبية ... ومن الناحية الأدبية فإنهم سيغرقون في أخطاء لن يتمكنوا من التخلُص منها ما لم يطَّلِعوا على أُمَّهات كُتب الأدب ... هذا لأنهم يستقون الثقافة من نصوص لا يعلمون مدى القوة والضعف والصحة والخلل فيها ...فلربما اقتفوا خللا وساروا يقلدونه وهم لا يعلمون
نماذج إبداع
مع ما يوجد من خَلل في بعض التجارب هناك تجارب ممتازة غاية الإمتياز استطاعت أن تقدم للموكب البحراني نماذج أدبية راقية مترعة بالحس الأدبي مشحونة بالخيال الشاعري ... وتمكنت من إثراء ساحة الموكب بالقصائد الخالدة لن يتمكن النسيان من إسدال ستاره عليها ... هذه النماذج استطاعت أن تبلغ هذا الشأو بجهدها الشخصي ولكونها متمتعة بعنصر الجد والإجتهاد وكسر الرُوتين والرتابة في سياق النص الأدبي ... هذه النماذج جديرة بأن يحتفل بثرائها الأدبي وأن يُلتفت لإبداعاتها ... وأن لا يشغلنا الصوت عن الكلمة ... المراحل الأخيرة من حياة الموكب الحسيني أثبتت أننا مأخوذون بالتسجيلات الصوتية مهملين للمطبوعات والعناية بالكلمة والنص
لَملَمةُ الإبداع
ماذا يضرُ لو سعينا إلى جمع هذه الإبداعات في دواوين تحفظها وتقدمها في طبعات ذات جودة راقية للمتطلعين للقراءة والتعرف عليها ... يُمكنُنا أن نجمع نتاج عامٍ كامل في ديوان أو أكثر ... هذا بالطبع سيكون جامعاً للأروع والأبدع ... هذا سيُعزز دور النص المُتقن في الموكب وسيُقدم خطوة رائدة في الإحتفاء بالجمال والتجارب الفريدة في الموكب ... ويمكننا أن نستفيد من هذه الخبرات في تصديرخبراتهم للشعراء الناشئة وأن يختصروا لهم الطريق ويستفيدوا من تجاربهم ويعتبروا من الإخفاقات التي عبروا عليها ويقتفوا آثارهم ...
تقويمٌ ودراسة
منتوج القصائد الموكبية لدينا يُعَدُّ بمئآت القصائد إذا لم تكن بالآلاف ... وهذا الكم من الطبيعي أن تختلف مستوياته وتتعدد القُدرات فيه ... من الرائع جداًّ أن نهتم بتقويم هذا النتاج ... لو توجه الأساتذة المُتخصصون في الأدب بأخذ عيّنات من القصائد الموكبية من أجل إجراء بعض الدراسات عليها ... فإنهم بالطبع سيتمكنون من تقديم خدمة جليلة للموكب بصورة أولية وللشعراء بصورة ثانية ... التفتيش في هذه النصوص الموكبية سيكشف الكثير من الثغرات التي يمكن تجنبها في ما سيأتي ... وسيضع اليد على كثير من مواضع الإشكال ... وبالتأكيد فإنها سَتُظهر مواقع الجمال والقوة في نصوص راقية ... في القصائد الموكبية مساحات واسعة للإستكشاف والتمعُن وفيها مواقع للتفكُر والتأمُل ... هذه الدراسات والتأملات سترتفع بالذوق الأدبي إلى مراتب راقية جداًّ وستصقل التجارب وستسجل مرحلة جديدة يكون فيها أدب الموكب طامحاً إلى المزيد من الخُطوات للأمام وإلى تجاوز الثغرات والعثرات ... كثيرةٌ هي مواقع النظرات في القصائد الموكبية ... مثلاً الأوزان فيها والأساليب والقوافي والصور والأنفاس الشاعرية ... هذا التُراث الضخم لا ينبغي أن يفوتنا وأن نهمله ونمر عليه مُروراً غير مكترث ... القليل من الإعتناء سيُوفر علينا كثيراً من الخسارة المستقبلية ... كلما مرَّ الزمن ولم نُبادرلخطوات من هذا المثل تكون المرحلة دخلت في خطوةٍ أصعب ... وما تجده بيدك اليوم قد لا تملك الوصول إليه غدا ...
عبدالشهيد الثور -8أغسطس 2017م
التعليقات (0)