أكمل سماحة الدكتور عبدالله الديهي سلسلة محاضراته الرمضانية ، وذلك في ليلة السادس و العشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1438 هـ ، من سورة الحشر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " ، الفضائل الأخلاقية كثيرة ولكن هذه الفضائل الأخلاقية سنتحدّث عنها في خطوط ثلاثة ، أولًا يرأسها رئيس وهو نعم الحاكم و نعم الرئيس وكل الفضائل رعية له ، فهو المربّي و هم المربّون ، ما هو هذا الرئيس الذي يحكم كل الفضائل الأخلاقية ؟ هو التقوى ، الأمر الثاني الإسلام يريد من الإنسان أن يوازن بين الحياة الدنيا و بين الآخرة ، فلا يعمل لإحدى ويترك الأخرى ، أن نوازن حياتنا التي نعيشها ، الدنيا فيها مزرعة للآخرة ، الجانب الثالث ، هل نحن مُتّقون ؟ أفرادًا أو جماعات ، أو مؤسسات أو دول أو أمم ، هل الذي يحكمنا هو التقوى أم شيءٌ آخر ، ولربّما إذا أُخّر نصر و لم يكن هناك تقدّمًا و ابتلاءات نسأل أنفسنا هل نحن مُتّقون ؟ من سورة القصص " تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " .
الخط الأول ، الفضائل الأخلاقية ، كلامنا عن العوام و الخواص وخواص الخواص في الجانب الأخلاقي ، الفضائل الأخلاقية كثيرة ، لكنّك لمّا ترجع عليها تجد ان عليها رئيسًا و حارسًا أمينًا وهو التقوى ، مثلاً العدل هو شيمة المتقين ، من سورة المائدة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " و من سورة الممتحنة " لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " ، اعدل في بيتك ، اعدل مع زوجاتك ، مع جيرانك ، مع الكل ، اجعل التقوى هي الحاكم ، أيضًا العفّة سواءً كانت من الرجل أو المرأة تنشأُ من التقوى ، ولهذا الإسلام بدأ بالنظرة ، من سورة النّور " قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ " أول عامل ومكروب للتقوى هي النظرة المحرّمة الخائنة ، فأول نظرة لك و ثاني نظرة عليك ، الرحمة ، من سورة آل عمران " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " كظم الغيظ و الصبر " الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " الصبر يُعتبر نتاجًا من نتائج التقوى ، كل الفضائل أصلها التقوى . كيف نقسّم الناس في هذه الفضائل الأخلاقية .
الصنف الأول العوام ، الصنف الثاني الخواص أخلاقيًا ، الصنف الثالث خواص الخواص في الفضائل الأخلاقية ، هذا الكلام دأب عليه علماء الأخلاق من أهل البيت ، الرتبة الأولى تقوى العوام ، وهي أن يمتنع الإنسان عن المحرّمات ، المعصية تدخل في كلّ مكان ، في المسجد و المأتم ، حيث الغيبة تدخل في كل موضع " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ " . الخواص قليلون و هم الذين يجتنبون المشتبهات ، الخوف من الوقوع في الحرام ، خواص الخواص من الأنبياء " ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه " هؤلاء ينظرون لله ، ويذوبون في الله ، هؤلاء عاشقون لله جلّ وعلى ، ، من نهج البلاغة " وَ اللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا ، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ ، وَ إِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا ! مَا لِعَلِيٍّ وَ لِنَعِيمٍ يَفْنَى وَ لَذَّةٍ لَا تَبْقَى ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَ قُبْحِ الزَّلَلِ ، وَ بِهِ نَسْتَعِينُ "
الجانب الثاني القرآن و الإسلام يريد منّا أن نوازن بينا حياتين ، الحياة الدنيا و الآخرة ، ديننا ليس مثاليًا ، بل واقعيًا ، البعض يتنّكر للفطرة ، ويترك الآخرة ، الإنسان مخلوق من ثلاثة ، جسد و روح وعقل ، " إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ " الجسد له غذاء من طعام وشراب ، الروح لها غذاء من صلاة وصيام ، العقل له غذاء وهو العلم و المعرفة ، " فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا " لابد أن نزيد من علمنا ، حيث اول سورة نزلت على رسول لله لم تنزل في التشريعات ، لأن الصلاة و الحج و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر وأي ممارسة عبادية بدون معرفة تُلغى من الإسلام ، فأوّل الدين المعرفة ، وتقدّم على العبادات ، العقل لابدّ وأن يُغذّى ، من أقوال الإمام الحسن ( ع ) : " عـجِبْتُ لِمَنْ يَتَفَكَّـرُ فى مَـأْكُولِهِ كَيْـفَ لا يَتَفَـكَّـرُ فى مَعْـقُـولِهِ، فَيُجَنِّبُ بَطْنَهُ ما يُؤْذيهِ، وَ يُودِعُ صَدْرَهُ ما يُرْدِيهِ " ، الغزو اللا ثقافي للعقول من خلال القنوات التي تبث الى ملايين الناس ، هل نضمن أولادنا وبناتنا ، هنا تأتي فائدة التقوى ، الإسلام يضع توازن ، " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً " ، لتعمر الحياة بفكرك وتخطيطك و لعقلك فهذا مطلوب ، لكن لا تنسَ آخرتك ، " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى " .
هل نحن متّقون ؟ هذا السؤال ليس للأفرادِ فقط ، بل للمؤسسات و الأمة كلّها ، أولًا التقوى تُمتحن في موردين ، المورد الأول ، مورد بريق إغراء ، و الإغراء يكون عن طريقين ، عن طريق المال ، وعن طريق الجمال ، ثانيًا ، حين ندعو الله بالنصر ، ماذا عملنا للنّصر ؟ العاقبة للمتقين ، كًن صادقًا ولو كذبوا ، كُن مخلصًا ولو راوغوا ، كُن مستقيمًا ولو خادعوا ، لا تؤثر عليك التأثيرات ، ثالثًا حتى العداوات لا تأخذك بأن فلانًا عدوّك ، عامله بالتي هي أحسن ، " الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكِ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ، فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ " الأعداء على قسمين ، الأول يتقرّب اليك ليفترسك و الثاني قسم كريم ، من سورة المائدة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " الأمر الرابع ، المتقون لا ييأسون ، حتى ولو لم يستفيدون من هذه الدنيا ، يقوم بالوظيفة و ستحصل على النتيجة ، من سورة المائدة " قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " النتيجة تحصل عليها يوم القيامة ، الكاذبين نفعتهم الدنيا بحصولهم على الجمال و المناصب لكنها ستكون عليهم نار حامية ، هذا شيءٌ زائل ، لابدّ أن ترجو بأعمالك لله ، احرصوا أيها المؤمنين ان تكون نهاياتكم نهاية تقوى ، لا تودّع شهر رمضان بالغناء و الطرب ، المؤمن لابدّ أن يكون وداعه لشهر رمضان وداع " و العاقبة للمتقين " و أن يسأل الله حُسن الخاتمة .
التعليقات (0)