عظّم الله لنا ولكم الأجر بذكرى شهادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و التي تصادف ليلة الواحد و العشرين من شهر رمضان لعام 1438 هـ ، وقد أحيى سماحة الدكتور عبدالله الديهي هذه الذكرى التي أفجعت البشرية ، من سورة الأنفال " وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " ، و عنه عليه السلام من كتابه للأشتر : " ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك ولله فيه رضى ، فإن في الصلح دعة لجنودك ، وراحة من همومك ، وأمنا لبلادك ". حديثنا هذه الليلة عن فقه السلام ، حيث يبدو أن القرآن وضع أسسًا للسلام ، ولكن امير المؤمنين هو الذي استنبط و بيّن لنا كثيرًا من ذلك الفقه ، أو الفقه السياسي أو السياسة الشرعية ، الجانب الأول من حديثنا لماذا خصصنا هذه الليلة لهذا الموضوع ؟ ، الجانب الثاني ، مبادئ السلم سواءً في القرآن أو عند أمير المؤمنين ( ع ) ، الجانب الثالث ، الجوانب النظرية عند تقسيم فقه السلم عند علي الى قسمين ، الفقه النظري ، لعلي صدق النظرية و الجانب الثاني تطبيقها في الواقع ،
الجانب الأول ، اخترنا هذا الموضوع لأسباب عديدة ، أولًا للتذكير بأن الفقه الاسلامي ليس مقصورًا على جانب العلاقة بين العبد و ربّه من صوم و حج و صيام كما يروّج البعض بفصل الإسلام عن الحياة وفصل الحياة عن الإسلام ، هذه الديانة التي هي خاتمة الديانات ليس جانبًا عبادي فقط ، نعم إنه شيءٌ عظيم و أساس يعتمد فيه العبد على جوانبه الحياتية ، الإسلام شامل ، ثانيًا ندرة الكتابات في ذلك الجانب دفعتنا لذلك ، الكثير من المفكرين يدركون بأن القرآن بحرٌ لا يُدرك قعره وكذلك علي عليه السلام ، ولم يُتحدّث كثيرًا عن فقه السلام ، علي كان أرقى من تلك النظريات الموضوعة من البشر التي تحدثنا عنها في موضوع سابق ، ثالثًا نريد أن نعطي مُعطى تصوّري لحكومة علي عليه السلام ، ولما لها من لمسة خاصة ، وهي لمسة رسول الله و القرآن ، ومتميزة بمادئ حقوقية و سياسية لتكون وجهًا للمقارنة بينها وبين الحكومات القديمة والجديدة و من يرفعون شعار الإسلام و يدّعون بأن الإسلام هو الدستور ، رابعًا الإمام علي عليه السلام يُمثّل النّموذج الأكمَل و الأعلى بعد رسول الله (ص) ، خامسًا ، ما ابتليت حكومة سابقة من حكومات المسلمين كما ابتليت حكومة علي ، تمرّد داخلي عام ، نعم قليلًا من التمرّد الخاص في حكومة عثمان ، سادسًا أنّ أحكام علي تتميّز بثلاثة أمور ، الأول الشمولية ، ثانيًا العُمق ، ثالثًا التطبيق ، حيث طبّقها علي بنفسه وأبناءه و من ساروا على نهجه .
الجانب الثاني ، القرآن كتابٌ صامت ، الإمام علي كتابٌ ناطق ، من المبادئ التي استنبطها علي بن أبي طالب من القرآن ، المبدأ الأول ، الله يريد من البشر أن يعيشوا بوئام ، من سورة الحجرات " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " هل يمكن للإنسان أن يعيش التعارف دون أن تكون أن تعيش نفسه الإستقرار و الأمن و الطمأنينة ؟ المبدأ الثاني ، لو لم يكن هناك استقرار الجوانب العملية لن تتحقق ، من اقتصاد و تعليم و أمن و صحة و غذاء وغيرها ، التكامل معتمدٌ على السلام و الأُلفة ، " قول علي بن أبي طالب : يا مالك إن الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق " المبدأ الثالث ، الإمام علي يعتبر بأن السلم برٌّ و تقوى كما اعتمده القرآن الكريم من سورة المائدة " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " ، المبدأ الرابع ، يعتبر عليه السلام كلّ من ألقى اليك السلام آمن ، و أمير المؤمنين عليه السلام يعالج العقد النفسية كما يصلح المصلح الإجتماعي ، عنه عليه السلام " أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْد ، وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْر ، وَتَغَابَ عَنْ كلِّ مَا لاَ يَضِحُ لَكَ، وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاع، فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ " ، عليّ رجل السلم لا الإستسلام .
الجانب الثالث ، برنامج علي عليه السلام في فقه السلم ينقسم الى قسمين ، قسم نظري و قسم تطبيقي ، و القسم التطبيقي يطول به المقام ، الجانب الاول ، الإمام علي مع العلم بأن قوى الشر و الباطل والنفوس الضعيفة تكالبوا على علي ( ع ) وإذا به يكتب كتابًا الى قائد عسكري و قد أنفذه الى الشام " لا تقاتلنّ حتى تقاتل " ، حيث يؤكد أمير المؤمنين أن لا يكون بادئًا للقتال ، " ولا تدنو من عدوّك دنوّ من يُريد أن يُنشب الحرب " ، " و لا تتباعد عنهم تباعد من يخشى البأس " ، لمّا أرسل علي الى مالك الأشتر : " ولا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضا ، فإن في الصلح دعة لجنودك ، وراحة من همومك ، وأمناً لبلادك ، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه ، فإن العدو ربما قارب ليتغفل ، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الحظ " ، عليٌّ يريد أن يقول بأن السلم ليس فقط في الجوانب العسكرية بل بتعدّى للجوانب الفردية ، بينك وبين جارك ، " الْجِيرَانُ ثَلاثَةٌ : جَارٌ لَهُ حَقٌّ ، وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ ، وَجَارٌ لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ ، فَأَمَّا الْجَارُّ الَّذِي لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ ، فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ ذُو الرَّحِمِ ، فَلَهُ حَقُّ الإِسْلامِ ، وَحَقُّ الرَّحِمِ ، وَحَقُّ الْجِوَارِ ، وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقَّانِ : فَالْجَارُ الْمُسْلِمُ ، لَهُ حَقُّ الإِسْلامِ ، وَحَقُّ الْجِوَارِ ، وَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ : فَالْجَارُ الْمُشْرِكُ ، لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ " ، من وصيته ( ع ) لمحمّد بن الحنفية " عاشر الناس معاشرة إن أحببتهم حنوا عليك وان مت بكوا عليك " .
التعليقات (0)