تحت عنوان " المهدي - عجل الله فرجه - والدولة الخاتمة " أكمل سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية وذلك لليلة الثانية عشر من موسم رمضان لعام 1438 هـ وابتدأ بالدعاء المنسوب اليه عج " اَللّـهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة تُعِزُّ بِهَا الإسلام وَاَهْلَهُ ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ ، وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ اِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ اِلى سَبيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالاْخِرَة " إمام الزمان عج يمثل محور قضية عقائدية تسالم عليها المسلمون جميعا و هذه القضية العقائدية التي تنطلق بأصل من أصول الدين الإعتقادية ، أولها التوحيد و آخرها المعاد ، لا ريب أن فيها أصل أصيل لا يمكن أن تننازل عنه وهو متفرع من النبوة وهو الإمامة ، وهو ضروريٌّ ، و لأجل هذا نقول الإعتقاد بإمام الزمان عج ضرورة من الضروريات الإسلامية وليست المذهبية ، قضية المهدي عليه السلام ليست شيعية وليست سنية ، بل قضية إسلامية ، لا يمكن أن يوجد عالم أو من أُعطي بسطةً في العلم أن يتنكر قضيته عج ، ومن هنا حالت الضرورة على كل مؤمن ومسلم أن يتسالم مع مستوى الإعتقاد والعقل بضرورة الإعتفاد بالإمام عج
الإمام عج نسب اليه هذا الدعاء الشريف ، تلك الدولة هي المساحة التي سينطلق فيها الإمام عج ، وتلك الدولة الموعودة المرتقبة ، قيامها يعني تطبيق وعد الله ، الله الذي وعد عباده المستضعفين ، ووعد عباده الذين آمنوا وعملوا الصاالحات أن يستخلفهم في الأرض ، لو أردنا أن نقف مع معالم دولة إمام الزمان ، وقد حددت هذه الآية المعالم ، من سورة النور " وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " ، فيها جنبتان ، جنبة تتحدث عن وعد الله ، والله في كتابه أعطى وعودًا متكثرة " إن الله لا يخلف الميعاد " الله من طرف و المؤمنون الصالحون في طرف آخر ، الوعد هو الإستخلاف في الأرض والتمكين في الدين ، عند التدبر فيها فإنها تعطيك صورة واضحة لمعالم دولة آخر الزمان ، الوعد بالتنعّم في آخر الزمان لمن ينطبق عليه قول تعالى " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " .
أول علامة و ميزة أنها تتمتع بالأمن الإقتصادي والرفاه المعيشي ، الإستخلاف في الأرض أي أن يمكنهم من مقدرات الأرض وكل ما فيها من نعيم مقيم ، أن تكون في أيدي المؤمنين ، القوة الإقتصادية إشارة الى ان الصراع العلمي بين الأنظمة الإقتصادية الإشتراكية و الشيوعية و الرأس مالية و الإقتصاد الإسلامي ، الأنظمة الغربية سوف تتهاوى ولن تكون الحاكمية الا للنظام الإقتصادي الإسلامي وهو ينطلق من نفس الإنسان ، القوانين المجردة ليست بالضرورة قادرة على جعل العالم الفاضل ، لكن الصلاح الإقتصادي و السياسي و الإجتماعي في الرؤيا الإقتصادية الإسلامية تبدأ من نفس الإنسان ، صاحب اليد اذا صلح صلح كل شيء ، النظام الإقتصادي سيكون عقديًا ، و يبدأ بإصلاح العقول و الضمائر و إيجاد الرقابة الإلهية على الفرد في منعطفات الحياة ، لن تجد الغش و أكل السحت بل فقط الحلال ، وسينعم الإنسان بسعادة لا مثيل لها ، من سورة العلق " كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ ، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ " لو خلي الإنسان مع طباعه من دون تزكية وقوانين إلهية سيطغى ، ولكن في دولة نهاية الزمان لا توجد طغيان ، هيبة كل دولة بإقتصادها ، فبعض الدول تمد أيديها لدول أخرى عرفت كيف تستثمر مواردها .
العلامة والميزة الثانية ، تمكين الدين وانتشاره ، وهو البُعد الإعلامي الذي سيأخذ عقول الناس الى أبعد مدى ، ليس بالسيف ، المُراد بالإعلام الذي يقوم على الدليل و البرهان والحجة ، من سورة النور " وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ " هذا التمكين أي إنتشار واسع للدين في الأرض ، وهذا الإعلام الذي سينطلق به ويتمتع بها الإسلام وتتمتع بها دولة آخر الزمان ، الإعلام له أثر بالغ في تحريك العدد الجمعي ، باتجاه فكر وسلوك معين ، فهو خطير جدًا ، الإعلام عند الدول الإستكبارية هو السلطة الأولى التي تؤثر في السلطة التشريعية و التنفيدذية والقضائية ، زمن تطبيق قوله تعالى ، من سورة التوبة " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ " هو زمان الإنتشار العام للدين ، وسيمر الدين الإسلامي بمنعطف خطير في آخر الزمان ، هناك من يتنكّر له حتى من أبناء الدين ، اذا ظهر عج وخطب للناس من خلال منطقه وسلوكه لاريب أن يصل الدين الى اعماق قلوب الناس ، إمام الزمان هو الأب المشرق ،
العلامة الثالثة ، أنّ دولة ىخر الزمان تتميز بالامن و السلم العام ، أمنٌ و استقرار ، الأمن هو عنصر الغنطلاقة في التنمية و الإظدهار و العمران ، لا يمكن ان تقوم حضارة أو تشييد أمة من عير امة ، عندما أراد ابراهيم الخليل ان يشي حضارة و أمة في مكة جاء بزوجه هاجر و ابنه اسماعيل ، وتركهم لكن رفع يده بالدعاء ، من سورة البقرة " وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ، وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ " ، مادام الأمن المفقود فلا يوجد بناء ، لأن الإستكبار العالمي أراد لهذه البلدان الإسلامية النامية أن تكون متخلفة ، سلب الأمن و الفوضى لا يأتي بالتنمية و الإزدهار . النصوص الوادرة عن لسان اهل البيت كثيرة ، و الكثير منها صحيح ، " وترعى الشاة والذئب في مكان واحد، ويلعب الصبيان بالحيّات والعقارب ولا تضرهم بشيءٍ، و يذهب الشر، ويبقى الخير ويزرع الانسان مدّاً وتخرج له سبعة أمداد " ،
اللعلامة الرابعة انتشار الحالة الدينية وقوة البعد الروحي عند الناس ، يكون الناس ربانيين ، يراقبون الله في حركاتهم و سكونهم ، يعيشون حضورُا مع الله عز وجل ، في بيعهم وشرائهم ، عن أمير المؤمنين (ع): " ما رأيت شيئا ، إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه " ، يذكرون الله في قيامهم و جلوسهم ، هذا الحال في دولة آخر الزمان هو الحال المُطبق ، هناك يقوى الدين وتتأصل معالمه ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : " كأنني بدينكم هذا لا يزال موليا يفحص بدمه ثم لا يرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت ، فيعطيكم في السنة عطاءين ، ويرزقكم في الشهر رزقين ، وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه واله " ، زمن الإمام زمن تقوى فيه الحالة الدينية و لا يوجد معلم من معالم الكفر ، وينتهي الكفر و الكفار معًا .
التعليقات (0)