ما معنى العدل الإلهي؟
وما هو الفارق بين العدل والمساواة؟
وكيف نستدل على عدل الله تعالى؟
من صفات الله الهامة التي وقع فيها البحث والنقاش صفة العدل، وهي وإن كانت من صفات الأفعال ولكنها صارت بما دار حولها من خلال وبما يترتب عليها من آثار موضوعاً مستقلاً وأصلاً قائماً برأسه من أصول الدين. كما أن بعض الأصول مترتب على هذا الأصل لا سيما مسألة المعاد وإرسال وبعث الأنبياء وتنصيب الأئمَّة (ع). فضلاً عن أن الأمور التكوينية تحتاج في استقامتها الى صفة العدل في جانبها التكويني.
معنى العدل:
العدل هو وضع الأمور في مواضعها، وإعطاء كل ذي حق حقه، فعلى سبيل المثال إكرام المحسن ومعاقبة المسيء هما مظهران من مظاهر العدل لأن المحسن من حقه أن يثاب على إحسانه والمسيء يستحق أن يعاقب على إساءته، ولو تبدلت القضية أو التزم بجزء منها وترك الآخر لكان ذلك خلاف العدل، وهو الظلم.
العدل والمساواة :
كثيراً ما نسمع كلمة المساواة معطوفة على كلمة العدل فيخيل إلينا أنهما واحد، ولكن الحقيقة أن العدل غير المساواة، فالمساواة هو التوزيع بالتساوي، وقد يكون التوزيع بالتساوي متطابقاً مع العدل، وذلك عندما يكون وضعاً للأمور في مواضعها وقد يكون ظلماً كما لو لم يكن كذلك.
فلو أعطى المعلم لكل طلابه ذات العلامة مثل 51 على عشرين مثلاً لكان ذلك مساواة بين الجميع، ولكنه ليس عدلاً لأنه حرم المجتهد الذي يستحق عشرين على عشرين مثلاً من حقه فظلمه، وأعطى الكسول الذي لا يستحق أكثر من خمسة على عشرين مثلاً أكثر من حقه.والله تعالى ليس عنده سوى العدل، وهو قد يتطابق مع المساواة وقد يخالفها.
النزاع في صفة العدل:
وقع النزاع بين المسلمين حول الحسن والقبح هل هما أمران واقعيان بمعنى أنهما خارجان عن حدود عمل الشارع المقدس، أم أنهما اعتباريان بحيث ما يعتبره الشارع حسناً يصبح حسناً وما يعتبره قبيحاً يصبح قبيحاً.
قالت العدلية، وهم الشيعة والمعتزلة بالأول وقالت الأشاعرة بالثاني. وبناء على هذا النزاع وقع البحث في مسألة العدل الإلهي، وجوهر هذا النزاع هو: هل يمكن أن يصدر عن الله تعالى من الأفعال ما تحكم عليه عقولنا بأنه ظلم أم أنه مستحيل؟
فالأشاعرة قالوا بإمكان ذلك، واحتجوا بقوله تعالى: "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون".
حيث فهموا منه أنه لا مانع من أن يفعل الله تعالى أي شيء حتى لو كان ذلك بنظرنا ظلماً للعباد، وبما أنهم اعتبروا أن الحسن ما حسنه الشارع والقبيح ما قبحه الشارع فصدور ما نراه نحن ظلماً عن الله تعالى لن يكون قبيحاً ما دام هو قد فعله فبفعله له يصبح حسناً وعدلاً.
والعدلية قالوا بالاستحالة، واحتجوا بالآيات النافية للظلم عن الله تعالى، مثل: "وما كان ربك بظلام للعبيد" وبينوا ذلك بأن الله تعالى عدل محض فلا يمكن أن يصدر عنه ظلم كما لا يمكن أن يصدر سواد عن البياض أو ظلام عن النور. والظلم قبيح في نفسه، وصدوره عن المولى عز وجل لو فرضنا صدوره لا يجعله حسناً لأن الحسن والقبح أمران واقعيان كما مر.
الدليل على العدل:
العقل البشري يدرك أن الظلم قبيح ذاتاً، أي في نفسه وبغض النظر عن نهي المولى عنه، وأن العدل حسن في نفسه وبغض النظر عن الأمر به، ويدرك العقل أيضاً أن العدل مما ينبغي أن يعمل بينما القبيح كالظلم ينبغي ألا يعمل، من هنا نقول: لا يلجأ عاقل إلى الظلم إلا لحاجة تدعوه إلى ذلك، وسبب يجبره عليه، ولو كان غنياً عنه ولا يجبره أحد على أي من أفعاله لما صدر عنه سوى العدل الحسن.
ومن غير الممكن أن يوجد في الله تعالى، وهو الغني الكامل المطلق، أيّ سبب من أسباب الظلم، وهي:
1 - الجهل بمعاني الظلم والعدل.
2 - الحاجة إلى ما لدى غيره وليس لديه
3 - الضعف عن تنفيذ ما يريد من خلال العدل.
وإلى ذلك يشير الإمام السجاد (ع) في مناجاته مع الله تعالى حيث يقول: "وقد علمت أنه ليس في حكمك ظلم، ولا في نقمتك عجلة، وإنّما يعجل من يخاف الفوت، وإنما يحتاج الى الظلم الضعيف، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك علوّاً كبيراً".
فالله تعالى هو كما مر عين العلم فلا يوصف بالجهل بحال من الأحوال، وهو عين الغنى فلا يوصف بالفقر والحاجة بحال من الأحوال وهو عين القوة فلا يجوز عليه الضعف إطلاقاً. فإذا انتفى وجود سبب الظلم انتفاءً كلياً في ذات الخالق انتفى إمكان أن يصدر عنه ظلم، وهذا هو العدل الذي يقول به العدلية.
لهذا فإن الله تعالى لم يترك مناسبة في القرآن أو على لسان نبيّه الكريم إلاّ حث فيها على العدل وإقامته، وهناك الكثير من الآيات التي تتحدّث عن عدله عزّ وجل وتنفي الظلم عنه.
فمن قوله تعالى: "وما الله يريد ظلماً للعباد". الى قوله تعالى: "إنّ الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون". الى قوله: "إن الله لا يظلم مثقال ذرّة".
بلى يترقى المولى الى وصف كيفية عدله فيقول: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً".
فهل يصحَ منه تعالى أن يأمر بالعدل ثم لا يعدل؟؟!
- الخلاصة:
العدل هو وضع الأمور في موضعها، وهو أمر حسن في نفسه وينبغي فعله بحكم العقل، والظلم بخلافه تماماً، فلا يعقل صدور الظلم عن الله تعالى، وذلك لأن السبب الذي يدعو إلى الظلم هو الجهل والفقر والضعف ليس موجوداً في الذات المقدسة.
- قصة وعبرة
الرضا بالقضاء
كان على عهد رسول الله (ص) رجل يقال له "ذو النمرة" وكان من أقبح الناس، وإنما سمي ذا النمرة من قبحه، فأتى النبي (ص) فقال: يا رسول الله أخبرني ما فرض الله عزّ وجل علّي : فقال له رسول الله (ص): فرض الله عليك سبع عشرة ركعة في اليوم والليلة، وصوم شهر رمضان إذا أدركته والحج إذا استطعت إليه سبيلاً والزكاة وفسَّرها له، فقال: والذي بعثك بالحق نبياً ما أزيد على ما فرض عليَ شيئاً: فقال له النبي (ص): ولم يا ذا النمرة، فقال كما خلقني قبيحاً، قال: فهبط جبرائيل(ع) على النبي (ص) فقال يا رسول الله إن ربك يأمرك أن تبلغ ذا النمرة عنه السلام وتقول له: يقول لك ربك تبارك وتعالى: أما ترضى أن أحشرك على جمال جبرائيل(ع) يوم القيامة، فقال له رسول الله (ص)، يا ذا النمرة هذا جبرائيل يأمرني أن أبلغك السلام ويقول لك ربك أما ترضى أن أحشرك على جمال جبرائيل، فقال ذو النمرة: فإني قد رضيت يا رب فوعزتك لأزيدنك حتى ترضى.
قصص الأبرار/الشهيد مطهري
- للمطالعة
جاء أعرابي إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله علّمني من غرائب العلم؟
فقال رسول الله (ص) ما صنعت في رأس العلم حتى تسأل عن غرائبه؟
قال الرجل: ما رأس العلم يا رسول الله؟
قال (ص): معرفة الله حق معرفته.
قال الأعرابي: وما معرفة الله حق معرفته؟
قال (ص): تعرفه بلا مثل ولا شبه ولا ند، وأنه واحد أحد ظاهر باطن أول وآخر لا كفو له ولا نظير، فذلك حق معرفته.
التعليقات (0)