أكمل سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية ، وذلك لليلة السادسة من شهر رمضان المبارك لعام 1438 هـ ، وتحت عنوان " مقاييس قوة العقل " ، إبتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة آل عمران " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " القرآن الكريم ومن خلال الكثير من آياته تحدث عن العقل و أهميته في وجود الإنسان ، فالعقل هو دليل الوصول لمعرفة الله عز وجل ، وهو ميزان التكليف و المؤاخذة والمحاسبة عند الله ، " لما خلق الله العقل ، استنطقه ثم قال له : أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ، ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن احب ، أما إني إياك آمر ، وإياك أنهى وإياك اعاقب ، وإياك اثيب " هو مناط المسائلة و المؤاخذة ، هذا العقل هو عنصر تشريف للإنسان على سائر المخلوقات ، وبحثنا الليلة يدور حول مقاييس قوة العقل عند الإنسان ، متى تعرف رجاحة العقل عند الإنسان وما هي المواقف التي يأمر بها الشارع ، المقدمّة الأولى أن نعلم ما هو الفرق بين الدماغ و بين العقل ؟ هما لفظتان مختلفتان ، العقل إنما هو حقيقة اعتبارية معنوية ، لا وجود لها حسّيٌ ، بل هي قوةٌ إدراكية من سنخ عالم المعنى - أي تنسجم مع الروح - وكلّما كانت تلك القوى أوسع و أقوى كان شرفُ الإنسانِ يدور حول ادراكاته العقلية ، أمّا الدماغ ستجده يقمع في جمجمة رأس الإنسان و تستطيع تلمسه ، و يعتبر الجزء الأساسي في الجهاز العصبي وهو وجود محسوس ، يتكوّن من 100 - 150 مليار خليّة ، وزنه يبلغ ما بين 1400 ، 1300 غرام ، عند الرجل و المرأة بالترتيب .
المقدّمة الثانية مميزات العقل ، العقل فيه ثلاث خصائص مهمة ، أولها أن هذا العقل قادر على الإستنتاج ، - فيه من القدرة على الإستنتاجات - ، قادر على الربط و تحليل الحقائق ، وهو قادر على ادراك العلل بين العلل و المعلولات ، و الأسباب و المسبّبات حتى يكون قادرًا على إدراك المعلولات بنفسه ، العقل قادرٌ على التنبؤ وفيه قدرات غير طبيعية ، المقدمة الثالثة ، هناك جوانب في الإدراك يشترك الإنسان و الحيوان ، الإدراك الحسي ، الإنسان و الحيوان على حدٍّ سواء ، وبعض التحسسات يفوق الحيوان فيها الإنسان - وجود التفاوت - ، و الإدراك الخيالي وهو صور وحقائق الأشياء الخارجية وهي عند الحيوان ، و الإدراك الوهمي وهي الحقائق التي لا وجود خارجي لها - الحب و الكره و الحقد - و الادراك العقلي وهي يتمّيز بها الإنسان ، المقدّمة الرابعة ، يؤكد العلماء و العباقرة منهم مثل توماس أديسون ، بأن العباقرة لديهم من الإلهام 1% ، فيبقى 99% جهدٌ شخصي ، ليس من المستحيل أن يكون الإنسان عبقريًا ، و العمل و الجهد و التحقيق لها النسبة الأكبر فيكون الذكي ذكيًا و العبقري عبقريًا .
لا شك أن العقل كل ما قوي عند الإنسان كان مؤشرًا للكمال عند صاحبه ، الشريعة الإسلامية تدخلت ، الحالة الأولى هي حالة الغضب ، عندما يغضب الإنسان يبدأ يسبّ ويضرب بلا حساب ، هنا يعرف العقلاء بتلك اللحظة ، الغضب ينقسم لقسمين سلبي و ايجابي ، بعض الغضب ضروري عند مواطن الغضب ، كالجهاد في سبيل الله أو الإعتداء على الشرف أو الدين أو القيم ، فمن أخرجه غضبه من الإستقامة للانحراف فهذا مؤشر لضعف العقل ، عن أمير المؤمنين ( ع ) " الغاضب كالمجنون " ردود أفعاله تكون عنيفة بلا حساب ، الموطن الثاني ، فوران الشهوة عند الإنسان ، الإنسان في صراع بين الشهوة و العقل ، العقل يسعى للهيمنة على الشهوة ، حينئذ يسددها للحلال ، فاذا غلبت شهوة الإنسان عقله تكون مصيبة للإنسان ، لابد للإنسان أن يلتفت ، الموطن الثالث عند الخرافات و البدع والترّهات ، العقلاء يميّزون الصحيح من الخاطئ ، و السقيم من الصحيح ، الموطن الرابع في محطة التدبّر و التأمل ، التدبر في السماوات و النجوم ، هناك نظرتان ، النظرة الأولى من سورة البقرة " وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ۚ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ " أمّا أصحاب العقول ، فإنهم ينتقلون من الخُلقِ للخالق و من الصنع للصانع ، يؤمنون من وراء الوجود خالق عليم ، من سورة آل عمران " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " . الموطن الخامس عند إقبال الدنيا على الإنسان ، عن علي ( ع ) " حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة " الإنسان العاقل اذا ما تزاحم عنده أمر دنيوي و أمر أخروي يُقدّم الأخروي ، من سورة الضحى " وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ "
التعليقات (0)