تحت عنوان المسائل الإبتلائية في الصوم ، تواصلت المحاضرات الرمضانية لموسم شهر رمضان لعام 1438 هـ بمشاركة سماحة الشيخ إبراهيم الصفا ، إبتدأ سماحته بالآية 183من سورة البقرة : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " القرآن الكريم ومن خلال هذه الآية المباركة التي تعتبر في المنطق الأصولي و الفقهي من آيات الأحكام ، حيث أن آيات القرآن الكريم ، منها ما يعالج قضايا عقائدية قائمة على أساس مبادئ الأصول العقائدية ، ومن بعض تلك الآيات ما يصب في مصب الآداب و السنن ، ومن بعض تلك الآيات القرآنية أيضًا ما يعالج قضايا تاريخة لقصص الماضين المخلدة لتكون عبرة للأجيال ، ومن آيات القرآن الكريم ، آيات الأحكام ، و المراد بها هي الآيات التي يستنبط الفقهاء منها حكمًا تشريعيًا ، آية الزكاة والصلاة و آيات الخمس و النكاح و الطلاق و الصداق ، وآيات الرضاع و آيات كثيرة يستنبط منها الفقهاء حكمًا . من آيات الاحكام الآية التي ابتدأنا بها ، هذه الآية يستفاد منها وجوب الصيام على المؤمنين و الخطاب واضحٌ فيها ، يوجد بحث علمي ، هل أنّ الخطاب التشريعي الأحكامي مختصٌّ بالمؤمنين أو أنه شاملٌ للكافرين ، أي هل أن الكافر مخاطب بآيات الأحكام ، لأن الآيات تارةً تكون الخطابات فيها على مستوى الفقه الأكبر - أي العقيدة - و هذا محل اتفاق على أن تلك الآيات الخطاب فيها شامل للمؤمن وغيره ، أمّا آيات الاحكام فمحل خلاف عند العلماء ، ذهبت طائفة بآيات الأحكام الوجوبية او المستحبات للكافر و المؤمن على حد سواء ، و آراء أخرى ذهبت فقط للآيات العقائدية امّا فروع الدين فلا يُخاطب الكافر فيها - من زكاة و خمس - لأنها تفتقر الى قاعدة أساسية وهي معرفة الله ، فأنّى للكافر ان يتقرّب لله وهو لم يعرفه !
حديثنا الليلة حول المسائل الفقهية المتعلّقة بالصيام ، ولنا أن نقف مع قاعدة وهي في الواقع مسألة فقهية يجمع عليها الفقهاء ، وهي قائمة على أن المسائل الإبتلائية التي يكون المؤمن في معرض الإبتلاء بها واجبة التعلّم ، هذه الفريضة والشريعة يتوجّب على المسلمين رجالًا ونساءً أن يتعلّموها ، ولنا اليوم وقفة قصيرة ، هل الصيام نوعٌ واحد او أنّ الصيام أنواع ؟ ، تتفق كلمة الفقهاء بأن الصيام يتعدّد بتعدّد الحكم الشرعي ، الحكم الشرعي اما وجوب أو حرمة أو استحباب أو كراهية أو استحباب ، الإباحة خارجة في الصوم ، هناك صومٌ واجب ، صومٌ حرام ، صومٌ مكروه ، و صومٌ مستحب ، أول الصيام الواجب وعلى رأسه صيامُ شهر رمضان ، وكذلك يأتي صيام قضاء شهر رمضان لحيض أو لعلّة ما ، صوم الكفارة واجبٌ أيضًا ، فلو أُفسد الصوم بما يوجب الكفارة يكون الصيام واجبًا ، هناك صيام شهرين متتابعين في الكفارة - أي يصوم المؤمن ثلاثين يومًا ، ويومٌ من الشهر التالي و يستأنفُ بعد ذلك تسع و عشرين يومًا ، أما القواطع الإضطرارية فلا تُفسد الصيام الترتيبي لصيام شهرين ، أيضًا صيام بدل الهدي في حجّ التمتع ، والمتمتع لابد أن يذبح هدي فان لم يظفر أو عجز ، عليه أن يأتي بصومٍ واجب ، وكذلك صيامُ العهد و النذر و اليمين ، صومُ الإجارة أيضًا واجب ، وهو من قَبَلَ أن يأخذ المال ليكون أجيرًا ، يُلزم المستأجر أن يصوم بمقتضى الإجارة على نحو الوجوب ، صوم الإعتكاف واجب ، صيام اليوم الأول و الثاني بالإمكان كسره ، فمتى ما صام المعتكف أول يومين فإن اليوم الثالث يدخل في دائرة الوجوب .
الصيام المستحب ، هو الذي لا يوجد فيه الزامٌ للمكلّف ، وهو على نحوين ، مستحبٌّ لا يختصُّ بزمانٍ و مكان ، و مستحبٌّ يختصُّ بزمانٍ ومكان ، وهو صومُ سائر أيام السنة إلا العيدين وهي من المحرّمات ، للإنسان أن يصومَ لله ، أمّا الصيام المؤطّر بحال - من ذلك ما تعلق بزمنٍ أو سبب - ، صيامُ ثلاثة أيام من كل شهر ، أول و آخر خميس من الشهر و أربعاء في نصف الشهر ، و صيام يوم ميلاد النبي و يوم الغدير و يوم المبعث ويوم دحو الأرض و يوم المباهلة و أيام شهر رجب و شهر شعبان . الصيام المكروه ، تارةً يُقال الفعل مكروهًا أي المبغوضية من الله ، و أحيانًا بمعنة قلّة الثواب فقط ، صوم عاشوراء ، - يستحب الإمساك للزوال - ، صيامُ يوم عرفة للحاج ويكون مقيمًا لعشرة أيام اذا كان مزاحمًا للدعاء ، أيضًا صيام الضّيف دون علم مضيّفه ، أي فيه قلة للثواب ، صوم الولد من دون اذن أبيه ، هناك حالتان ، ينهى الأب ولده عن الصيام ، أما لو لم يزجر الأب أو لم يتكلّم أو لم يعلم بصيام ولده ، فصيام الابن من دون إشعار أبيه يكون صيامه مكروهًا .
الصيام المحرّم وعلى رأسه صيام العيدين ، الشريعة السمحاء مع راجحية الصيام ، إلا ان صيام العيدين محرّمٌ ومنهيٌّ عنه ، صيام يوم الشكّ من شهر رمضان حرام ، صيام الولد مع نهي أبيه حرام ، و صيام الزوجة مع مزاحمة حقوق زوجها - كحقّ الفراش - حرام ، أيضًا صوم الصمت ، و صيام الوصال ، أي صوم اليوم و الليل بنيّة الصيام ، و صيام المريض . الصيام له شروط ، وعلى ضوء القاعدة الفقهية ، أن المشروط عدمٌ عند عدم شرطه ، لابدّ للمؤمن و المؤمنة مراعاة هذه الشروط ، أوّلها البلوغ و العقل ، صيام الصبي لا يعد امتثالاً بل يؤطر بإطار التدريب ، من الشروط أيضًا عدم الإغماء ، إن لم يفق قبل الزوال ليجدد نيته ، وان استمرّ غياب عقله ( غيبوبة أو مخدّر ) لساعات طويلة حتى ساعات النهار ، فلا يصوم و يلزمه القضاء والفدية ، من الشروط أيضًا الخلو من الحيض ، على المرأة أن تغتسل قبل الفجر ان نقت قبل الفجر ، امّا ان كانت صائمة وطرقتها العادة قبل الأذان فيبطل صومها ، حتى لو نقت بعد أذان الفجر لا يجوز لها الصوم ، من الشروط أيضًا الحَضَر أي ان تكون في وطنك ، هناك حالات استثنائية ككثير السفير واختلف الفقهاء في تفسيرها ، و المقيم لأكثر من عشرة أيام . الإنسان الحقيقي هو من يقرّب صومه و صلاته لله سبحانه وتعالى .
التعليقات (0)