بداية نرفع أسمى آيات التبريكات بمناسبة هذا الشهر المبارك ، وبهذه المناسبة ارتقى سماحة الشيخ إبراهيم الصفا منبر حسينية الحاج أحمد بن خميس في أول ليلة من شهر رمضان لعام 1438 هـ ، تحت عنوان الأبعاد الروحية للصيام ، و استهل الصفا مجلسه بحديث عن الرسول الأعظم ( ص ) : " نوم الصائم عبادة وصومه تسبيح وعمله متقبل و دعاؤه مستجاب " و الآية 183 من سورة البقرة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "
الصيام عبادة من أفضل العبادات وشعيرة من أفضل الشعائر و لها أبعادها المتنوعة في حياة الإنسان ، لها آثار محسوسة ، آثار صحية تنعكس على أبعاد الصائمين و آثار متنوعة ومنها الروحية التي تعبر عن تغير مقامات العباد عند الله عز وجل ، حديثنا الليلة ومع اطلالة هذا الشهر يدور حول الأبعاد و الآثار المعنوية المتكسبة من شهر الله ، هناك آثار محسوسة متلمسة ، الصائم يرى آثار الصوم الصحية منعكسة على جسده ويتلمسها ويستشعر راحة في جهازه الهظمي ، ويرى آثار التواصل الاجتماعي و التلاقي الأسري و التعاون المتبادل بين المؤمنين ، و يرى تغيرًا عباديًا في حضور الجماعات و العلاقات الوطيدة بالقرآن و التسبيحات ، و هناك آثار معنوية خفية ، وتتحقق بمجرد أن يحقق المؤمن مقدّماتها ، وقد يكون المؤمن غافلًا عنها ، النصوص والروايات تبيّن لنا تلك الآثار ، فما هي تلك الآثار المعنوية المنعكسة و التي تعتبر أثرًا متولدًا من صيامِ يعقد نيّته العبد .
الأثر الأول هو انفتاح منافذ القلب ، القلب الذي قد تعرضه الأقفال و تلك الأقفال سببها الذنوب والمعاصي ، الآية 24 و 25 من سورة محمد " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ، إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ " الغيبة قفل و النميمة و عقوق الوالدين و الإساءة للمؤمنين أقفال ، تنفتح تلك الأقفال في شهر الله ، شئنا أم أبينا ، التوبة اختيارية في سائر أيام السنة ، أمّا شهر رمضان فهي منح إلهية يعتق المولى فيه رقاب العباد ، و هي أمور إفاضية يتحول فيها العباد المذنبون الى تائبون ، ولهذا الصوم يعادل الإخلاص ، على اعتبار ان الصوم عبادة عدمية وليست وجودية ، الصلاة أمر وجودي لا تتحقق الا اذا أوجدت أركانها ، و الأمور الخارجية في معرض تعرض الرياء و العجبة والسمعة بها ، و قد يتسلل لها الشرك الخفي ، أما الأمور العدمية لو أن الإنسان لم يأكل ولم يشرب فهو أمر عدمي لا يلتفت له الناس ، من أخلص لله تعالى أربعين ليلة تفجّرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ، المعرفة التي تكون تارة هي الإنكشاف المتيقن للحقائق و يكون معرفة يقينية فالصيام يرفع الحجب عن القلب .
الأثر المعنوي الثاني أن الصيام يكسر ظهر الشيطان ، نحن في حرب ضروس ، لا تنتهي الا بموت الإنسان ، وأحد أطرافها العدو اللذوذ وهو الشيطان ، غاية الأمر أنه عدو مادي لطيف ، هم موجودون ولكن لا ندرك وجودهم ، الآية 27 من سورة الأعراف " يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ " ولا تعلم من أين يسدّد لك الشيطان الضربات و من أين يتسلل اليك فيكون سببًا للغواية ، فيجعل العباد يرتعون كالبهائم في معصية الله ، من الصجيفة السجّادية " اللهم صل على محمد وآل محمد، ومتعني بهدى صالح لا أستبدل به، وطريقة حق لا أزيغ عنها ونية رشد لا أشك فيها، وعمرني ما كان عمري بذلة في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعًا للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إلي، أو يستحكم غضبك علي، اللهم لا تدع خصلة تعاب مني إلا أصلحتها، ولا عائبة أؤنب بها إلا حسنتها، ولا أكرومة في ناقصة إلا أتممتها " أما اذا تآزر الناس وتحابّوا واجتمعوا فلا موطأ قدم للشيطان بين الناس ، و الإستغفار يقطع وتينه ، و يزول كل جهد يبذله الشيطان ليجعجع بالعبد و يبني له صرح من المعاصي .
الأثر المعنوي الثالث وجود الرعاية الملكوتية ، الوجود قائم بشقيه الملكي و الملكوتي ، الفرق بينهما أنّ العالم الملكي هو العالم المادي ، أنا و أنت ، هذه الأجساد و كل ما حولنا و يكون مدركًا بالحواس فإنها من عالم المادة ( الملك ) ، أمّا العالم الذي من وراء الملك ، - وراء هذا البدن روح حية - ، ووراء هذا الوجود عالم ملكوتي ، الأثر الرابع أن شهر الله والصيام لله عز وجل يجعل من المؤمن أن يولد ولادةً معنوية ، أي يولد من جديد ، فالولادة إما تكوينة - الحمل - ، أو ولادة معنوية يكون قلبه فيه صفيحة بيضاء .
التعليقات (0)