واصل سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة محاضراته لموسم رمضان المبارك لعام 1437 هـ ، وقد كان حديثه في الليلة الثاني عشر من الشهر الشريف تحت عنوان " المهدي (عج) بين التحسس و التجسس " وقد إبتدأ سماحته بآية من سورة يوسف " يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون " الآيات الشريفة في سياقاتها تحدثنا عن فصل من فصول قصة نبي الله يوسف عليه السلام ، وفي هذا الفصل ، يتجسد ألم و حزن وواقع محزن يتقجر في صدر نبي الله يعقوب ، وفي صدر ابناءه حزنا على فقد يوسف الصديق وبنيامين ، بعد أن دبّر العزيز يوسف مكيدة لأخيه ليبقيه ، و قد عادوا من دونه وهم في غاية الحزن ولكن كانوا صادقين ، فخاطبهم يعقوب عليه السلام " يا بني " وهذا يعبّر عن الرقة و المحبة ، فلا نجد مخاطبة يعقوب لأبنائه " يا بني " من قبل لأنهم كانوا عصاة و قد تابوا وندموا بعد أربعين سنة ، الشاهد هنا توجع يعقوب لفقد يوسفه ، والأمة اليوم تفقد يوسفها ، صاحب العصر و الزمان عليه السلام .
التحسس مطلوب لأنه من دلائل المحبّة ، ما الفرق بين التجسس و التحسس ؟ على مستوى المعنى البياني للكلمة وسياقاتها ، التجسس قراءةً شيء و التحسس شيءٌ آخر ، ولكن على مستوى بناء الكلمة يوجد فرق بسيط وهي نقطة واحدة ، هناك ثلاث فروق ، الفارق الأول فإن التجسس هو تتبع آثار الآخرين بُغية الوقيعة بهم و الإضرار و الأذية وكشف عوراتهم ، والتحسس هو تتبع أمور الناس بنيّة الإحسان اليهم ، التحسس مطلوبٌ ممدوح ، والتجسس يدخل في عنوان الحرام . الفارق الثاني هو أن التجسس محضٌ في الشرع وهو دائمًا حرام ، وأمّا التحسس عنوانٌ عام ، قد يستعمل في الخير و الشرّ ، الفارق الثالث أنّ التجسس انما يكون بالنفس و بالحواس ، و التحسس يكون بواسطة الغير .
القضية المهدوية الحتمية لا يمكن لعالم أن ينكرها وان اختلف في بعض جزئياتها ، الناس ينقسمون الى فئتين إما متحسس و إما متجسس ، ومن ضمن نماذج التجسس ، كان العباسيون يتجسسون وبكل اصرار في مسألة الإمام المهدي عليه السلام ، وأوذي الإمام العسكري كثيرًا بسبب أن المخلّص يخرج من صلبه ، و أُجلس تحت الإقامة الجبرية ، ووضعوا له عيون من العبيد و الجواري و راقبوا نسائه وحركته ، ووظفوا الأقلام المأجورة ليضعوا نصوصا و روايات ليكون المهدي عليه السلام منهم ، العدائية تكون لأسباب ثلاثة ، أسباب طائفية وقد تكون من المسلمين ، أو أسباب سياسية كموقف العباسيين و الأمويين للمحافظة على السلطة ، وكذلك الحكومات اليوم ، أو لأسباب دينية .
وقد قام الغربيون و أصحاب الاديان الأخرى بالوقوف ضد القضية المهدوية على ثلاثة مستويات ، المستوى الأول هم اللذين يعتبرون قضية المهدي انما هي ترهات و أكاذيب ولا حقيقة للمهدي ، المستوى الثاني ، يذهب أن قضية المهدي قضية اسلامية فكرية وليست عقائدية ، المستوى الثالث ، المستشرقون و المحققون يعلمون أن قضية المهدي قضية حقيقية . التجسس من جهة الغرب قائم لهذه اللحظة .
الإمام المهدي ( عج ) على مستوى التحسس ، إنها وظيفة عشاق الإمام ومحبوه والمنتظرون لظهروه ، التحسس هو طلب الشيء و التعرف عليه من خلال الحواس ، الحس ينقل الإنسان من الإيمان القلبي الى الإطمئنان ، نحن نؤمن بأن الإمام موجود ولكن كم أحوجنا الى خبر حسي يدخل الطمأنينة في قلوبنا ، غيبة الإمام ليست كغياب الملائكة ، فالملائكة موجودة ولكن لا نراها ، الإمام موجود ، ولكن غيبته بسبب عدم تشخيصه ، فالله يخفي أوليائه في عباده ، في دعاء الندبة " هَلْ اِلَيْكَ يَا بْنَ اَحْمَدَ سَبيلٌ فَتُلْقى، هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنا مِنْكَ بِعِدَةٍ فَنَحْظى، مَتى نَرِدُ مَناهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَرْوى، مَتى نَنْتَقِعُ مِنْ عَذْبِ مائِكَ فَقَدْ طالَ الصَّدى، مَتى نُغاديكَ وَنُراوِحُكَ فَنُقِرَّ عَيْناً " وفي موضع آخر يعبّر عن التحسس " لَيْتَ شِعْري اَيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى ، بَلْ اَيُّ اَرْض تُقِلُّكَ اَوْ ثَرى ، اَبِرَضْوى اَوْ غَيْرِها اَمْ ذي طُوى، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ اَرَى الْخَلْقَ وَلا تُرى وَلا اَسْمَعُ لَكَ حَسيساً وَلا نَجْوى، عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ تُحيطَ بِكَ دُونِيَ الْبَلْوى وَلا يَنالُكَ مِنّي ضَجيجٌ وَلا شَكْوى، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا، بِنَفْسي اَنْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ عَنّا، " أعداء المهدي يتجسسون للوقيعة به و عشاق المهدي يتحسسون وذلك للتعبير عن العقيدة الراسخة ، والتحسّس له قواعد ، القاعدة الاولى هي المعرفة القطعية بإمام الزمان ، فلا تحسس من دون معرفة . القاعدة الثانية هي تقوية الأمل ، القاعدة الثالثة استشعار قرب الإمام و توقيد شعور الشوق و اللهفة .
التعليقات (0)