تواصلت محاضرات سماحة الشيخ ابراهيم الصفا وذلك لليلة السابعة من شهر رمضان المبارك لعام 1437 هـ ، ابتدأ سماحته بآية من سورة الزمر " أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ، أولئك في ضلال مبين ". آيات كثيرة في كتاب الله تحدّثنا عن هذا الإنسان ، وهو المخلوق الذي يعتبر قطب رحى هذا الوجود ، ومن أجله خُلقت الخلائق وسخّر الله له كل شيء ، ولكن سعادته مقرونة بقلبه ، الإنسان مخلوق من بعدين ، بعد مادي ، و بعد معنوي ملكوتي ، وقد تجسّد في الروح ، سعادة الإنسان تدور سلبًا وايجابًا في مدار كمال النفس و أهم بعد في تلك النفس هو القلب ، نجد في الآية التي ابتدأنا بها مصطلح " الويل " وهو واد في جهنم وهنا وعدٌ مؤلم لأصحاب القلوب الميتة ؛ فانهم يكونوا حطبُا لجهنم ، بحثنا هذه الليلة يدور حول قلب الإنسان ووظائفه التي تعبر عن سعادة الإنسان وكماله ، ذُكر القلب في القرآن الكريم بألفاظ عدة ويقصد منه اللب تارة ، وتارة يراد بها العقول و تارة تأتي بلفظ الأفئدة ، قلب الإنسان هو مدار سعادته .
القلب في اللغة له أكثر من معنى ، تارةَ يراد بها لُباب الشيء وخالصه ، و وتارةً أخرى ردّ الشيء من جهة الى أخرى - قلب الشيء - ، و المعنى اللغوي الثالث هو أنّ القلب وسط الشيء . قلب الإنسان اصطلاحًا ، المراد منه لطيفةٌ رحمانية ربّانية علّقها الله بجنب هذا الإنسان ، القلب هو الذي يُكلّف و يُحاسب و هو الذي يُجزى و يُعاقب ، أمّا الجسد فهو عبد يمتثل لأمر الروح ، القرآن الكريم ذكر في كثير من الآيات القلب " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " و " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم " ، " فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين " و أحيانا يتحدث عن الأفئدة ، و أحيانا العقل ، و احيانًا الجانب العاطفي . الروح وجود بسيط وليس مركب ، - كما ذكرنا في محاضرة سابقة - ، قلب الإنسان هو الجانب الملكوتي الأهم في جانب الإنسان ، وأمّا الجسد فهو خادم للروح ، فالبطش و العطاء يكون روحًا وجسدُا ، والجسد خادم للروح ، جدير بالمؤمن أن يتعرف على وظائف القلب ليعطى السلامة الروحية و القلبية التي تجر المؤمن الى السعادة الأخروية .
الوظيفة الأولى ، أنّ قلب الإنسان ينبوع تفجر المعارف الملكوتية و الإفاضات الربّانية ، المعارف و الهبات الربانية تُعطى القلوب ولا تُعطى في الكف ، و القلوب المقفلة تُحرم الفيض ، عن النبي الأكرم ( ص ) : " من أخلص لله أربعين يوما ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " ، الوظيفة الثانية ، قلب الإنسان يمثل حلقة الوصل بين الملك و الملكوت ، لدى الإنسان جنبة ملكية وهي اللحم و العظام و كل مكونات الجسد بعد مادي ملكي ، وأمّا البعد الملكوتي المجرد فهو البعد الروحي . الوظيفة الثالثة أنّ القلب قائد وليس مقود ، وهو إمام الجوارح ، كل الجوارح في الجسد تأتمر من القلب ، وكل سلوك خارجي جسمي منقاد لإشارات روحية قلبية ، فاذا خشع القلب خشعت الجوارح ، من سورة الإسراء " قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا " .
الوظيفة الرابعة أنّ للقلب مُهمّة مخيفة وخطرة وهي مهمّة التوبة ، قد يفعل الإنسان ذنبًا في الدنيا ينساه ويتناساه الآخرون ، ولكن في معايير الله ، لا يُنسى الذنب الا من أزاله بالتوبة ، التوبة ممحاة الذنوب ، الذنوب تجعل الإنسان يحمل عفنًا معنويًا وتعطيه روائح تفضحه . لابد للإنسان أن يعجّل بالتوبة وهذا شهر الله شهر التوبة و الإستغفار ، الوظيفة الخامسة ، أنّ القلب معيار الإيمان ، والإيمان ليس باللسان ، الإيمان يجب أن يكون نابعًا من القلوب الصادقة ، هناك ايمان يباشر به القلب ، وهناك ايمان لا يباشر به القلب . اذا كان هناك خضوعًا قلبيا و روحانيًا ، يسمى الإيمان الحقيقي الثابت ، ولابد للمؤمن أن يسعى جادًا ما استطاع ان يحوّل معاني الإيمان اللفظية الى حقيقة قلبية . الوظيفة السادسة ، القلب أداة معرفة الحقائق الباطنية ، كل انسان له عينان ، عين جسمانية ، وعين روحية . الرجل التقي و المؤمن الكامل ، يكون عينه و سمعه مسددّا من قبله عز وجل .
التعليقات (0)