واصل سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة محاضراته وذلك في ليلة السادس من شهر رمضان المبارك لعام 1437 هـ ، وتحت عنوان " وقفات مع دعاء الغريق " ، افتتح سماحة الشيخ حديثه بحديث للإمام الصادق عليه السلام ، " ستصيبكم شبهةٌ فتبقون بلا علم يُرى ولا إمام هدى ، لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق ، قالو له : وكيف دعاء الغريق ؟.. قال عليه السلام : تقول : يا الله.. يا رحمن .. يا رحيم .. يا مقلّب القلوب .. ثبّت قلبي على دينك ، فقال الراوي : يا مقلّب القلوب والأبصار.. ثبّت قلبي على دينك ، فقال عليه السلام : إنّ الله عزّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار ، ولكن قل كما أقول :
يا مقلّب القلوب !.. ثبّت قلبي على دينك . دعاء الغريق دعاءٌ ذكره علمائنا الأجلاء في بطون كتبهم الروائية والحديثية ، وقد ردده الراوي وأضاف فيه " الأبصار " فقال له الإمام عليه السلام ، قل كما علمتك ، النص الشريف عند التدبر فيه والتأمل في عطاءه ، يمكن الحديث حوله من خلال ثلاث نقاط .
النقطة الأولى ، الإمام يشير الى أهمية وجود الإمام المعصوم في حياة الأمّة ، والأمة تتخبط وتسير نحو الضياع من غير إمام ، وجود الإمامة صمّام أمان للأمة لنجاتها ، فلسفة وجود المعصوم تنطلق من سورة الأنبياء "جَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ " وجودهم هداية ، وهو منهج الوصول الى الله على مستوى الهداية التشريعية ، الإنسان يتحرك في واقع الحياة من خلال هدايتين ، هداية تكوينية فهي هداية جبرية قسرية لا خيار للإنسان فيها ، وهي قانون و نظام أودعه الله سبحانه وتعالى في المخلوقات ولا خصوصية للإنسان فيها ، و هداية تشريعية قد أشار الله اليها في الآية السابقة من سورة الأنبياء ، الهداية اختيارية ، ان قبل الإنسان ما جاء به الأنبياء يصل الى السعادة ، و إن لم يقبل بها يصل الى الشقاء ، ولا تحقق الى بوجود نبي أو وصي ، وهنا تكمن أهمية وجود الأوصياء ، فتدخل الأمّة في محنة موجعة عندما يغيب إمام الزمان ، ، الإمام ( عج ) عندما غاب عن الأبصار فان غيبته لا تعني انتهاء وظيفته ، يوجد للفقهاء نيابة ، نيابة عامة عن الإمام ( عج ) . فلسفة وجود الأنبياء ، من سورة الجمعة " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" وكما في الدعاء نقول " أَللّهمَّ عرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي "
النقطة الثانية تعبر عن محنة آخر الزمان ، الإمام يشير لتلك المحنة بسبب غياب الإمام الحجة ( عج ) ، الأئمة يحملون لواء الهداية التشريعية ، لابد للمؤمن أن يعرف عظمة تلك المحنة حين يبقى الناس بلا علمٍ يُرى ، ولا إمام هدى . يقول ( عج ) " ألا من أدعى المشاهدة قبل الصيحة والسفياني فهو كذاب مفتري " . فالمشاهدة هنا تعني الولاية الخاصة التي تبطل الولاية العامة . النقطة الثالثة ، حين قال عليه السلام " يا مقلب القلوب و الأبصار " الراوي أضاف " الأبصار " ، و ادخل مقطعًا اضافيًا لا ضير فيه ، ولكن الإمام قال له " قل كما علمتك " ، وهذه اشارة الى قاعدة فقهية ، أنّ الاحكام الشرعية أحكام توقيفية ، الإنسان يأخذها تعبّدًا ولا يجود له أن يزيد فيها أو ينقص منها ، تدخيل ما ليس في الدين فيه يعدّ بدعة ، للأسف الشديد كثير من قضايانا وسلوكياتنا انحرفت عن مسيرة الشريعة ويمارسها البعض باسم الدين .
التعليقات (0)