مرت علينا قبل أيام الذكرى الـ 68 ليوم (النكبة)، و النكبة مصطلح فلسطيني يبحث في المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد عدد كبير من الشعب الفلسطيني خارج دياره. وهو الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948. وهي السنة التي طرد فيها الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه وخسر وطنه لصالح، إقامة الكيان الصهيوني. وتشمل أحداث النكبة، احتلال معظم أراضي فلسطين من قبل الحركة الصهيونية، وطرد ما يربو على 750 ألف فلسطيني وتحويلهم إلى لاجئين، كما تشمل الأحداث عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية.
تلقى الشعب البحريني تلك الأحداث بألم فظيع، حيث كان الشعب البحريني من أول الشعوب العربية تضامنا مع الفلسطينيين في محنتهم، والتأريخ يشهد بأن هذا الشعب قد تضامن – وما يزال – مع قضايا الشعوب العربية.
مراجع الشيعة وقضايا الأمة
يبدي علماء الشيعة اهتماماً ملحوظاً بالقضايا السياسية باعتبارها تشكل جانباً هاماً من قضايا الأمة الإسلامية التي تحدد مصيرها وتمثل طموحاتها وآمالها ومواجهاتها تجاه أعدائها. وتشغل القضية الفلسطينية حيزاً كبيراً دون بقية قضايا الأمة الإسلامية باعتبارها الجرح الأعمق النازف منذ أكثر من نصف قرن.
وقد واكب علماء الشيعة كافة مراحل تطور القضية الفلسطينية منذ العشرينيات، ففي عام 1922 أرسل مجموعة من علماء الشيعة في إيران رسالة إلى البرلمان البريطاني يعترضون فيها على السياسة البريطانية في دعم المنظمات الصهيونية وتسهيل هجرتهم إلى فلسطين ، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مخاطر تهدد حكومته.
فتوى الجهاد لتحرير فلسطين
في وقت مبكر ادرك الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء – أحد أكبر المراجع الدينية في النجف الأشرف آنذاك - أن تحرير فلسطين لن يكون عبر الاعتماد على القوى الكبرى ولا على الزعامات العربية بل يجب أن تأخذ الجماهير المسلمة زمام المبادرة وتسير في طريق الجهاد.
فأصدر بياناً تضمن فتواه بالجهاد معتبراً المجاهد فيها كالمجاهد مع النبي الأكرم (ص) ، حيث جاء فيه :
(… فيا أيها العرب … ويا أيها المسلمون … بل يا أيها البشر ويا أيها الناس
أصبح الجهاد في سبيل فلسطين واجباً على كل إنسان… والخطة العملية في ذلك هي أن من يستطيع اللحوق بمجاهدي فلسطين بنفسه فليلتحق بهم. وإني ضمين أنه كالمجاهدين مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في (بدر) . .. ومن لم يستطع اللحوق بنفسه فليمدهم بماله أو بتجهيز من لا مال له ليلحق بهم أو بإرسال المال إلى المجاهدين وعيالهم وأطفالهم. ومن عجز عن كل ذلك فعليه أن يجاهد ويساعد بلسانه وقلمه ومساعيه جهد إمكانه، وهذه أدنى المراتب.
… هذه دعوتي وندائي العام أبثه إلى عموم العرب والمسلمين ، ويشهد الله لولا إني قد تجاوزت العقد السادس من العمر مع تزاحم أنواع العلل والأسقام على هذه العظام النخرة، لكنت أول من يلبي هذه الدعوة،ولشخصت اليوم إلى تلك البلاد المقدسة كما شخصت إليها بالأمس…
محمد حسين آل كاشف الغطاء
النجف الأشرف في 5/6/1357 ( 2/ 8/ 1938)
وبعد أن قررت بريطانيا الإنسحاب من فلسطين العام 1948، قامت بتسليم مواقعها للمنظمات اليهودية تنفيذا منها لوعد (بلفور) والقاضي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. أما عن المناطق المتبقية فكان قرار (التقسيم)، حيث أصدرت الأمم المتحدة في 1947 قراراً بتقسيم فلسطين إلى قسمين: الأول يضم اليهود ويحتل 56% من الأراضي الفلسطينية، والثاني للعرب المسلمين. بعد هذا القرار جاءت الفتوى الثانية من الشيخ آل كاشف الغطاء بوجوب الجهاد في فلسطين هذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد
من العراق- النجف الأشرف
15 ذو القعدة 1366 [9/30/ 1947]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ.
طلب مني بعض الأعاظم إرسال نسخة من الفتوى التي كنت أصدرتها في لزوم الدفاع عن فلسطين. والباعث على هذا الطلب ما وصلت إليه هذه الأرض المقدسة في محنتها الحاضرة بعد كفاح ثلاثين حولاً والتضحيات بالأنفس والأموال التي تفوت حد الإحصاء. ونحن نرى في الحال الحاضر أن المحنة والبلوى قد تجاوزت حدود الفتوى، وأصبح كل ذي حس من المسلمين يفتي له وجدانه، ويوحي له ضميره وجوب الدفاع عن فلسطين بكل ما في وسعه، ويستهون بذل العزيزين النفس والمال في هذا السبيل ، وإعلان الجهاد المقدس. فلا تهنوا أيها المسلمون ولا تتوانوا وأنتم الأعلون.
إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، وما النصر إلاّ من عند الله ، والله قوي عزيز.
محمد حسين آل كاشف الغطاء
حسينية بن خميس تفتح باب التطوع للجهاد في فلسطين
ما إن أصدر المرجع الإسلامي السيدمحمد حسين آل كاشف الغطاء في النجف الأشرف الفتوى بوجوب الجهاد لتحرير فلسطين حتى كان أول من سارع من أبناء البحرين لتلبية ذاك النداء مجوعة من شباب سنابس يتقدمهم حسين بن أحمد بن خميس. اجتمعوا في حسينية بن خميس لفتح باب التطوع لتلبية نداء الحق والواجب الوطني العربي والإسلامي وهذا ما خطوه على يافطتهم التي رفعوها وهم يستعدون لإجراء تدريبات عسكرية شاقة قبل السفر إلى فلسطين للدفاع عنها ضد الغزاة الصهاينة. وهذا الحدث الذي للأسف لم يسجله التاريخ كما يجب بعد مع أنه يعد مفخرة لشعب البحرين وسط العالم العربي والإسلامي طوال التاريخ. وهنا كان للحسينية أيضاً، كمبنى ورمز، الدور الأكبر في دعم تلك المناصرة الوطنية للحق العربي كما هو المفترض بها لأنها لم تنشأ إلا بسبب التراث الحسيني الذي عُمد بالدم في أرض كربلاء دفاعاً عن الحق ضد الباطل الذي كان يمثله صهاينة ويهود ذاك الزمان.
قام المتطوعون بالتدريب في دالية الحسينية استعداداً للقتال وقد جهزوا لهم ثياباً عسكرية كذلك تناسب المرحلة القتالية في فلسطين كما كان يفعل أخوتهم الفلسطينيون آنذاك. وعقد الجميع النية للسفر إلى العراق عن طريق الباخرة التي تصل من ميناء مومبي عادة. وهذا المركب سيقلهم إلى ميناء البصرة ومن هناك يتجهون إلى بغداد للانضمام إلى الجيش العربي بقيادة فوزي القاوجي. ودع حسين بن أحمد وبقية أفراد عائلة بن خميس عائلاتهم ودموع النساء تودعهم في سبيل القضية الفلسطينية. ولكن بينما هم في الطريق إلى هذه المهمة الوطنية وصلتهم الأنباء المحزنة إثر التخاذل العربي، بإيقاف القتال ضد الصهاينة كما هو مؤرخ في الوثائق والدراسات التي صدرت عن تلك المرحلة. فعاد المتطوعون من شعب البحرين إلى ديارهم آسفين على عدم التوفيق لنيل شرف الشهادة مع أخوتهم العرب والفلسطينيين تحديداً دفاعاً عن الوطن الذي صار سليباً إلى اليوم.
المصادر والمراجع:
1. ويكيبيديا الموسوعة الحرة
2. علماء الشيعة ونصرة القضية الفلسطينية – الدكتور صلاح عبد الرزاق – بغداد 2006
3. ملحق رجال من زمن اللؤلؤ – الباحث الدكتور محمد حميد السلمان – صحيفة الوسط العدد 3093 - الخميس 24 فبراير 2011م
التعليقات (0)