كبر على البعض ممن يحسب نفسه على المؤرخين ان يمر بهذه المكرمة العظمى لامير المؤمنين عليه السلام الا ويلقي في بحرها المواج بالنور والبركة شيئا من الحصى الذي لا لايكشف الا عن حقد شديد على الاسلام والصادقين من اهله ،
انه الزبير بن بكار والذي زعم خلافا لجموع المؤرخين والمصنفين من علماء الاسلام من الفرقين المجمعين – كما تلونا عليك – بانفراد امير المؤمنين بشرف الولادة في الكعبة (1)
قال ابن ابي الحديد :
كثير من الشيعة يزعمون : انه ولد في الكعبة والمحدثون لا يعترفون بذلك ويزعمون ان المولود في الكعبة حكيم بن حزام (2)
بل قال بعظهم :
حكيم بن حزام ولد في جوف الكعبة ولا يعرف ذلك لغيره ، واما ما روي من ان عليا ولد فيها فضعيف عند العلماء (3)
اما الديار بكري فحاول الجمع بالقول بولادتهما فيها جميعا (4)
ولمعرفة بطلان هذا الادعاء الذي ادعوه لحكيم(5) علينا اولا معرفة سيرة هذا الرجل ولو باختصار لما عرفت ان القائل بهذا الزبير بن بكار ومصعب بن عبد الله (6)
فمن الطبيعي ان يكونا لفضائل امير المؤمنين من الكاتمين والمحرفين لانهما لهما في حكيم هوى فهو ابن عم الزبير وابن عم اولاده فهو حكيم بن حزام بن خويلد بن اسد بن عبد العزى والزبيريون ينتهون ايضا الى اسد بن عبد العزى وقد اسلم يوم الفتح.
قال ابن عبد البر في ترجمة عبد الله بن حكيم بن حزام القرشي الأسدي صحب النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه حكيم بن حزام وإخوته هشام وخالد ويحيى بنو حكيم ابن حزام وكان إسلامهم يوم الفتح وقتل عبد الله بن حكيم هذا يوم الجمل مع عائشة وهو كان صاحب لواء طلحة والزبير بن العوام يومئذ (7)
,قالحكيم بن حزام : خرجت إلى اليمن فابتعت حلة ذي يزن ، فأهديتها إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المدة التي كانت بينه وبين قريش ، فقال : لا أقبل هدية مشرك فردها ، فبعتها فاشتراها فلبسها وكان ممن يحتكر الطعام في المدينة.
قال الصادق عليه السلام : كان رجل من قريش يقال له حكيم بن حزام كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله ، فمر عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا حكيم بن حزام إياك أن تحتكر (8)
قال المامقاني : نقل الطبري : انه كان عثمانيا متصلبا تلكا عن علي ولم يشهد شيئا من حروبه (9)
قد حاول الزبير بن بكّار (حسداً لمنزلة الإمام علي (عليه السلام) في ولادته في جوف الكعبة) إيجاد منقبة لأحد الصحابة توازي منزلة الإمام علي (عليه السلام) تلك على خطى معاوية بن أبي سفيان ، للانتقام من وصي المصطفى فانتخب عدوّاً لبني هاشم ألا وهو حكيم بن حزام الطليق ابن عمّه ، الذي تلكّأ عن بيعة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)مع مجموعة زيد بن ثابت ومحمد بن مَسْلَمة) وكان عثمانيّاً متصلّباً(10)
فاختلق له فضيلة الولادة في الكعبة(11)
وآل الزبير من المحاربين لأهل البيت (عليهم السلام) وكان عبدالله بن الزبير قد همَّ بإحراق بني هاشم جميعاً أثناء حكمه للحجاز(12)فحصر بني هاشم في بيت وجعل الحطب حوله بمستوى جداره وخيّرهم بين الموت بالنار والبيعة له ! ولم يتورّع عن إحراقهم في داخل الحرم المكّي(13)
ويشارك حكيم بن حزام بني الزبير في حقدهم على أهل البيت (عليهم السلام)
وبلغت عداوة حكيم بن حزام لبني هاشم درجة عالية إذ جاء : لمّا كان يوم بدر جمعت قريش بني هاشم وحلفاءهم في قبّة وخافوهم ، فوكّلوا بهم من يحفظهم ويشدّد عليهم منهم حكيم بن حزام(14)
وقد خرج حكيم بن حزام وأبو سفيان وصفوان بن أُميّة وعبدالله بن أبي ربيعة إلى معركة حنين لا لنصر الإسلام بل كما قال الواقدي : ينظرون لمن تكون الدائرة واضطربوا خلف الناس والناس يقتتلون(15)
أي تسبّبوا في هزيمة المسلمين ، فكانوا من المنافقين إلى نهاية عمرهم .
وبنو الزبير وحكيم بن حزام من قبيلة بني عبد العزّى القرشية فأراد الزبيريون رفع شأن قبيلتهم وفقاً لأعراف الجاهلية .
فاجتمعت في حكيم عدة منصفات المنافقين ويابى الله ان يساوي بين امير المؤمنين وبن المنافق في مكرمة لم تعطى لرسول الله نفسه
ومن البعيد أن يجمع الله تعالى هذه الفضيلة لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعدوّه الطليق حكيم بن حزام المحارب لله ورسوله المستمر على النفاق .
والله هو القائل على لسان نبيّه (صلى الله عليه وآله) : ياعلي لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق
نعم اذا اراد خصوم علي ذلك زورا وبهتانا فعلوه وسطروه في كتبهم كما فعل ابن بكار
فقد انفرد بتلك الرواية المزيّفة مع عمّه مصعب بن عبدالله وهما من أبناء عبدالله بن الزبير بن العوّام المعادين لأهل البيت (عليهم السلام)
قال أحمد بن علي السليماني : إنّ الزبير بن بكّار كان من عداد من يضع الحديث .
وقال مرّة عنه : منكر الحديث(16)
والعجب ولا عجب من ابن ابي الحديد حيث قال في شان ولادة امير المؤمنين عليه السلام في الكعبة : والمحدثون لا يعترفون بذلك
فهل الحاكم الذي رواها بنظر ابن ابي الحديد جاهل بالحديث ؟ ام ماذا ؟
ومن شبهاتهم الاخرى ان موهو على الموضع الذي ولد فيه امير المؤمنين بان صاروا يصلحون اثر الشق الذي في جدار الكعبة لئلا يطلع عليه احد
بل ان المقام كان معلما وقد كتب عليه ( هذا مقام علي ) فغيروها بالرفع ونسبوا العلوا للمقام
بل اكثر من ذلك عينوا مسجدا في مكة وكتبوا عليه مسجد مولد علي
قال ابن جبير الاندلسي عند ذكر المشاهد والاثار بمكة :
دخلنا مولد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو مسجد حفيل البنيان وكان دارا لعبد الله بن عبد المطلب . . . إلى أن يقول : وعلى مقربة منه أيضا مسجد عليه مكتوب : هذا المسجد هو مولد علي بن أبي طالب ، رضوان الله عليه ، وفيه تربى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان دارا لأبي طالب عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكافله(17)
وقال ابن ضياء العربي ( المواضع المباركة بمكة المعروفة بالمواليد ) ومنها الموضع الذي يقال له : مولد علي بن أبي طالب عليه السلام وهذا الموضع مشهور عند الناس بقرب مولد النبي صلى الله عليه واله بأعلى الشعب الذي فيه المولد وعلى بابه حجر مكتوب فيه هذا مولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وفيه ربى رسول الله صلى الله عليه واله . قيل : ولد علي بن أبي طالب في جوف الكعبة وهذا ضعيف عند العلماء كما قاله النووي في ( تهذيب الأسماء(18)
وما هذه التحريفات عن الظالمين ببعيد وسوف ياتيك في الغدير تمويههم على الحاج مكان الغدير وفي المقتل ووادعاءهم بان قبر امير المؤمنين في النجف الاشرف للمغيرة بن شعبة وفي بلاغة الامام عليه السلام ان نهج اللاغة من وضع الشريف الرضي ، نعم انهم وضعوا كما قال الامام عليه السلام لكل قائم مائل .
بركة المولد الشريف
وكان لعام ولادة امير المؤمنين عليه السلام بركة على الارض واهلها :
قال في شرح نهج البلاغة : روي أنّ السنة التي وُلد فيها عليّ ( عليه السلام ) هي السنة التي بُدئ فيها برسالة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، فاُسمع الهتاف من الأحجار والأشجار ، وكُشِف عن بصره ، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ، ولم يخاطَب فيها بشيء . وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حراء ، فلم يزل به حتى كُوشِف بالرسالة ، وأُنزل عليه الوحي .
وكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يتيمّن بتلك السنة وبولادة عليّ ( عليه السلام ) فيها ، ويسمّيها سنة الخير وسنة البركة .
وقال لأهله ليلة ولادته ـ وفيها شاهدَ ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهيّة ، ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً ـ : ( لقد وُلد لنا الليلة مولود يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة ) . وكان كما قال صلوات الله عليه ; فإنّه ( عليه السلام ) كان ناصره ، والمحامي عنه ، وكاشف الغمّاء عن وجهه ، وبسيفه ثبت دين الإسلام ، ورسَت دعائمه ، وتمهّدت قواعده(19)
وهنا نكتة لابد من الاشارة اليها وهي الفرق بين ولادة فاطمة بنت اسد لامير المؤمنين عليه السلام وبين ولادة السيدة مريم العذراء
فان الاولى سمح لهها بدخول البيت ووضع جنينها فيه اما الثانية فمنعت ، بل امرت بان تذهب به الى مكان قصي كما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم
)فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا )(20)
المصادر:
([1])ان ولادته في بيت الله الحرام وعلىوجه التحديد في الكعبة المعظمة، وإن كانت في باطن الأمر ليست منقبة لعلي عليهالسلام بل هي منقبة للكعبة وللبيت الحرام، وأن البيت هو الذي تشرف بولادته فيه، ولميكن علي عليه السلام هو الذي تشرّف بولادته فيه، نعم هي منقبة له من حيث تشريفالبيت به كاشفة عن حب الله عزّ وجل له، وهي منقبة لا بما يليق بمقامه بل بما تفهمهعقول الناس وتتحمله وتدركه، ولما تنطوي عليه هذه الظاهرة من معاني وأسرار فإذانظرنا إلى خصوصيات البيت الحرام وما وهبه الله عزّ وجل من عناية واهتمام نعرفالكرامة التي لذلك الوليد من الله جلّ جلاله، وبالتالي نعرف كم أراد الله لهذاالمولد من نشر فضل وتذليل نفوس له·
([2]) شرح نهج البلاغة ج1/ ص14
([3]) راجع : السيرة الحلبية ج1 ص139، اسد الغابة ج2 ص40 ، الاستيعاب ج1 ص320 بهامش الاصابة
([4]) تاريخ الخميس ج1 ص279، السيرة الحلبية ج1 ص 129
([5])حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي ، كان مولده قبل الفيل بثلاث عشرة سنة على اختلاف في ذلك ، وعاش مائة وعشرين سنة وتوفي سنة أربع وخمسين أيام معاوية ، وشهد بدرا مع الكفار ونجا منهزما ، أسد الغابة 2 : 40
([6]) راجع : الاصابة ج1 ص349، ومستدرك الحاكم ج3 ص 483
([7])الاستيعابج 3 ص 891
([8])وسائل الشيعة 12 / 316 ح
([9]) قاموس الرجال ج3 ص 387
([10]) قاموس الرجال 3/387
([11]) تهذيب التهذيب لابن حجر 2/ 384
([12]) شرح نهج البلاغة 20/ 147، مروج الذهب 3/ 86
([13])مروج الذهب 3/ 86، البدء والتاريخ ،البلخي 2/ 247، شرح نهج البلاغة
([14]) طبقات ابن سعد 4/ 11
([15]) مغازي الواقدي 2/ 795
([16]) ميزان الاعتدال 2/ 66
([17]) رحلة ابن جبير ص 81 ط بيروت
([18])تاريخ مكة لابن ضياء العربي ج 1 ص 185
([19])شرح نهج البلاغة : ٤ / ١١٤ .
([20])مريم/22
المصدر: موقع العتبة العلوية المقدسة
التعليقات (0)