أكمل سماحة الشيخ الدكتور عبدالله الديهي سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس و ذلك لليلة التاسعة والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1436 هـ ، حيث بدأ المجلس بآية من سورة براءة " ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم " . اصطلاح الصدقات يُطلق على الصدقة الواجبة ، والقرآن الكريم ما ذكر الصدقات الواجبة - أو الزكواة الواجبة - الا في ثلاث آيات وهذه الأولى ، والآية الثانية من سورة التوبة أيضًا " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم " و يراد منها الصدقات والزكواة الواجبة مثل زكاة المال و زكاة الغلّات و الأنعام ، وذكر على وجه الخصوص زكاة الفطرة في سورة الأعلى " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " والمقصود من الصلاة هي صلاة العيد و الزكاة هي زكاة الفطرة ، كل ما وُرد في القرآن من لفظ الزكاة يراد منها الزكاة إما بالمعنى العام وهو النمو والزيادة وذلك في الآيات الثلاثة المذكورة أعلاه ، وقد يُراد من الزكاة هي الزكاة المستحبة في ما بقي من الآيات .
هناك ثلاثة أمور يجب ان نركز عليها ، الأمر الأول هو سبب قرن الله عز وجل الصدقاتَ بالتوبة والعلاقة بينهما ، الأمر الثاني هو المعنى الإجتماعي و المعنى الأمني للزكوة أو للصدقات باعتبار أن القرآن اهتمّ بهذا اللفظ ؛ لأنها لا تخرج من الإنسان الا برغبة و طواعية وايمان ويقين . الأمر الثالث هو زكاة الفطرة و معانيها . الجانب الأول ، علاقة الصدقات بالتوبة ، في اللغة العربية نجد أن الواو في الآية الأولى " ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم " واوًا عطفية ، واذا اتت واو العطف في الأفعال يكون الفعل واحدًا ، و المعطوف يأخذ حكم المعطوف عليه . التفسير الأول ، جعل الله لنا - من رحمته ولطفه - مكفّرات وهي التي تجعل من الذنب لا ذنب ، وتسقطه وتمحوه ، ومن لطفه عز وجل جعل لنا الوضوء نورًا ، ولهذا يُكره تجفيفه ، وهذا النور ما دام موجودًا تستغفر لك الملائكة و يخفف عذاب القبر ، هناك أسرار للعبادات ، وقد جعل الله الوضوء تكفيرًا لما بين الصلاتين من الذنوب التي يأتي بها الإنسان ، ولهذا يُستحب تجديد الوضوء ، فأولياء الله دائمًا يكونوا على وضوء ، وكانوا لا يخرجون الى حربٍ الا و يكونوا على وضوءٍ ، أيضًا من المكفّرات هي النوافل التي ربما يتركها الإنسان وهي تُضفي روحانية و تُكفّر عن الذنوب و تكون مُتمّمة ومكمّلة للصلاة الواجبة ، من سورة هود " وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين " .
العلاقة بين الصدقة وبين التوبة هي أنّ الصدقة تجبُ ما قبلها ، وتستنزل الرحمة على التائب ، ولهذا يُحبُّ اللهُ التائبينَ ، تستنزلُ التوبةُ الرحمةَ ، و يأمرُ اللهُ الملائكةَ الكتبةَ والحفظةَ بعدم كتابة السيئات و يضاعف له الحسنات بمجرّد أن ينوي الإنسان التوبة ، والقرآن الكريم يعطينا أمرًا جميلًا حيث ذكر " يأخذ الصدقات " وهو فعلٌ مضارعٌ ، أراد الله به أن يربط بين الصدقة وبين أخذها ارتباطًا ماديًا ؛ لأننا مخلوقين من مادة ، ولهذا يميل القرآن الى الماديّة والمحسوس في عدة أمثلة ، وقد ربط القرآن الجانب الحسي بين الأمر الظاهري و الأمر المعنوي . هذا الوقت هو وقت اخراج زكاة الفطرة و يجب علينا ألّا نستصغرها لعظمتها عند الله ، فهي تتميمٌ للصوم ، ومن لا يؤديها فكأنّه لم يصم ، فاذا فات وقتها لم تجزِ نفقة الإنسان مهما كانت ، من سورة آل عمران " لن تنالوا البر " ، و نحن في نهاية شهر رمضان دعاؤنا رحمة ، و صلاتنا رحمة ، و قراءتنا للقرآن رحمة ، و إحيائنا لليالي القدر رحمة .
التعليقات (0)