من الاُمور المتَفق عليها عند الجميع أنَ السيدة خديجة(عليها السلام) كانت خير نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وذلك بتصريح من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أكثر من مرَة، وهذا إنما يدل على علو مقامها وجلالة قدرها (سلام الله عليها).
فعن عائشة قالت: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها واستغفار لها، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوَّضك الله من كبيرة السن!.
قالت: فرأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)غضب غضباً شديداً، فسقطت في يدي فقلت: اللهمَ إنَك إن أذهبت بغضب رسولك(صلى الله عليه وآله وسلم)لم أعد بذكرها بسوء ما بقيت.
قالت: فلمَا رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ما لقيت قال: كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدَّقتني إذ كذَّبني الناس، ورزقت منّي الولد حيث حرمتموه.
قالت: فغدا وراح عليّ بها شهراً(1).
وفضلاً عن ذلك كله، فهناك العديد مما يدل على علو مقام السيدة خديجة(عليها السلام) نشير إلى بعضها:
1: اصطفاء الباري تعالى لها، حيث جعلها من النساء المختارات.
عن أبي الحسن الأول(عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله اختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة»(2).
2: إنها (عليها السلام) أوّل من أسلمت من النساء وآمنت برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)منهن، وأوّل من صلّت خلفه(صلى الله عليه وآله وسلم)(3).
عن عفيف قال: كنت امرأ تاجراً فقدمت منى أيام الحج وكان العباس بن عبد المطلب امرأ تاجرا فأتيته أبتاع منه وأبيعه، قال: فبينا نحن إذا خرج رجل من خبأ يصلي فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي وخرج غلام يصلي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدين، إن هذا الدين ما ندري ما هو؟
فقال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر يستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به(4).
وروى السيد بن طاوس عن كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) قال: سألت عن بدء الإسلام كيف أسلم علي(عليه السلام) وكيف أسلمت خديجة؟
فقال: «تأبى إلا أن تطلب أصول العلم ومبتدأه، أما والله إنك لتسأل تفقها».
ثم قال: «سألت أبي (عليه السلام) عن ذلك فقال لي: لما دعاهما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: يا علي ويا خديجة أسلمتما لله وسلمتما له، وقال: إن جبرئيل عندي يدعوكما إلى بيعة الإسلام فأسلما تسلما وأطيعا تهديا».
فقالا: «فعلنا وأطعنا يا رسول الله».
فقال: «إن جبرئيل عندي يقول لكما: إن للإسلام شروطا وعهودا ومواثيق فابتدئاه بما شرط الله عليكما لنفسه ولرسوله أن تقولا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه في ملكه، لم يتخذ ولدا ولم يتخذ صاحبة، إلهاً واحداً مخلصاً، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة بين يدي الساعة، ونشهد أن الله يحيي ويميت ويرفع ويضع ويغني ويفقر ويفعل ما يشاء ويَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ».
قالا: «شهدنا» الحديث(5).
3: تخصيص الباري لها بالسلام، فقد بلغ من قداسة السيدة خديجة (عليها السلام) عند الله تعالى أنّه عزّوجلّ كان يخصّها بالسلام.
ففي الحديث أنّ جبرئيل أتى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فسأل عن خديجة فلم يجدها، فقال: إذا جاءت فأخبرها أنّ ربّها يقرؤها السلام(6).
وروي أنه أتى جبرئيل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطّى فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها ومنّي وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب(7).
4: بشارة الله وجبرائيل لها ببيت عظيم في الجنة، كما مر في الحديث الشريف السابق.
5: كثرة ثناء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)على السيدة خديجة (عليها السلام) كما مر في الحديث عن عائشة.
وبالإضافة إلى ذلك فقد كانت السيدة خديجة (عليها السلام) عزيزة عند النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وتتمتع بمكانة خاصة في قلبه، حيث كان(صلى الله عليه وآله وسلم)يحبّها حبّاً جمّاً، ويعتزّ بها، ويقدر مواقفها المشرفة، والشواهد على ذلك كثيرة، منها:
إنّ عجوزاً دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فألطفها، فلمّا خرجت سألته عائشة، فقال: «إنّها كانت تأتينا في زمن خديجة وإنّ حسن العهد من الإيمان»(8).
وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: «ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)خديجة يوماً وهو عند نسائه، فبكى، فقالت عائشة: ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟
فقال: صدّقتني إذ كذبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عقمتم.
قالت عائشة: فما زلت أتقرّب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بذكرها»(9).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لمّا توفّيت خديجة (عليها السلام) جعلت فاطمة (عليها السلام) تلوذ برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وتدور حوله وتقول: يا أبت أين اُمّي؟
قال: فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال له: ربّك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام وتقول لها: إنّ اُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران.
فقالت فاطمة (عليها السلام): إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام»(10).
وعن عبد الرحمن بن ميمون عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: (أول من آمن برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من الرجال علي (عليه السلام) ومن النساء خديجة(عليها السلام))(11).
بل إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ وكما في التاريخ ـ أطلق على العام الذي توفّيت فيه السيّدة خديجة وأبو طالب (عليهما السلام) «عام الحزن»(12)، وهذا خير دليل على معزّته (صلى الله عليه وآله وسلم)لهما.
المصادر:
(1) كشف الغمّة: ج1 ص512.
(2) الخصال: ج1 ص225 باب الأربعة ح58.
(3) راجع مستدرك الوسائل: ج6 ص455 باب4ح7221
(4) بحار الأنوار: ج18 ص208 ب1.
(5) بحار الأنوار: ج18 ص232-233 ب1.
(6) روضة الواعظين: ج2 ص269 مجلس في مناقب آل محمّد عليهم السلام.
(7) كشف الغمّة: ج1 ص508.
(8) بحار الأنوار: ج16 ص8.
(9) بحار الأنوار: ج16 ص8.
(10) الأمالي للطوسي: ص175 المجلس الساد س ح46.
(11) الأمالي للطوسي: ص259 المجلس العاشر ح467.
(12) كشف الغمّة: ج1 ص16.
المصدر: alshirazi.com
التعليقات (0)