يأتي شهر رمضان بكل أجوائه وبرامجه وأنفاسه وروحانيته المتميزة في البعد الفردي وفي أبعاده الاجتماعية التي نجد لها حضورا مهما ومؤثرا في هذا الشهر من خلال الأجواء والمظاهر الاجتماعية التي تتألق في هذا الشهر. مما يستدعي وقفة متأملة تهدف إلى إلقاء الضوء على بعض هذه البرامج والمظاهر الاجتماعية الرمضانية لنحاول الوصول إلى رؤية نتبين من خلالها المقبول والمرفوض من هذه المظاهر، من أجل أن نكون أكثر وعيا وفهما في تعاملنا مع فريضة الصوم ومع شهر رمضان المبارك.
- تفطير الصائم: تعد مسألة تفطير الصائم من الأمور التي ورد التأكيد على استحبابها والحث عليها في شهر رمضان (في خطبة الرسول (ص): أَيُّهَا النَّاسُ: مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِي هَذَا الشَّهْرِ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عِتْقُ نَسَمَةٍ، وَمَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَيْسَ كُلُّنَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ ( صلى الله عليه وآله ): اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ ) وهي من الأمور التي تشكل مظهرا من المظاهر الاجتماعية الرمضانية المحببة في هذا الشهر، ولكن من المهم الالتفات إلى عدم خروج القضية عن أهدافها ومسارها المحدد، وعدم تحول عملية الإفطار إلى نحو من التباهي والتفاخر الاجتماعي من خلال الموائد الضخمة وما قد يترتب على ذلك من تجاوز للحد الطبيعي في الإنفاق، وتضييع لنعمة الله تعالى كان الأجدر أن تصل إلى الفقير والمحتاج بدل أن تصرف على هذه الموائد.
- الزيارات والتواصل: وهي قضية مهمة جدا حيث تأثير الأوضاع الجديدة في تباعد الناس وانقطاعهم عن بعضهم البعض وتفشي حالات التفكك الاجتماعي والقطيعة وغيرها، وهنا يأتي دور الشهر الكريم وفريضة الصوم لتشكل بعدا مهما في التقريب بين أفراد المجتمع المؤمن وتقوية أواصر التقارب والتلاحم بينهم، (في خطبة الرسول (ص): صِلُوا أَرْحَامَكُمْ، …..وَتَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ،…..وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ،….. وَمَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَمَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ….).
وتتحرك هذه المفردة من خلال عدة مظاهر متميزة كالزيارات العائلية والزيارات المناطقية فيتزاور أهل المنطقة الواحدة الذين تتيح لهم أجواء الشهر فرصة تلاق قد لا يجدونها في أوقات أخرى، كما يتحرك أهل المناطق لزيارة إخوانهم وأقاربهم في مناطق أخرى ممن لا يتواصلون معهم في الأوقات الاعتيادية، كما تتحرك مظاهر حسنة تتمثل في تفقد أحوال المرضى وكبار السن والضعفاء وهي تعكس إحساسا اجتماعيا متميزا ينبغي تعزيزه والتأكيد عليه، كما يشكل شهر رمضان فرصة مناسبة لإنهاء كافة الخلافات وحالات القطيعة، والعودة بالعلاقات بين أفراد المجتمع إلى حالتها الطبيعية، ولا شك أن للشهر الكريم أثر كبير وبالغ في تحقيق ذلك متى ما تحركت هذه الفعاليات في أطرها الشرعية المحددة. – مجالس القرآن: والتي تعتبر من أهم المظاهر العبادية الاجتماعية في شهر رمضان، فشهر رمضان ربيع القرآن، فتزهو وتزدان المناطق بمجالس القرآن، وأصبحت هذه المجالس نقطة التقاء رئيسية لأبناء المناطق، بل وأضحت مجالس لندوات ثقافية وفكرية وحوارية طوال الشهر المبارك، وبهذا تشكل نقطة ارتكاز مهمة في حركة الشهر العبادية والثقافية والاجتماعية. وهذا يستدعي اهتماما خاصا بها من أجل الرقي بها وتطوير حركتها، ورفع أوجه النقص والخلل في حركتها، ما يمكّن من تلافي انحرافها عن دورها المفترض، وأهدافها الصحيحة، واحترازا من تجميد دورها في العطاء.
- مجالس السهر: وهي تحمل في طياتها بعض الجوانب الايجابية من خلال التقريب بين المؤمنين والترويح عن النفس، لكنها للأسف أصبحت ليالي سهر من أجل الدنيا وابتعدنا بها عن أن تكون ليالي من أجل الآخرة، فالسهرات أصبحت تمتد إلى الفجر مليئة بالأحاديث والحكايات الفارغة، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات التي أصبحت محور حياة الناس في هذا الشهر، مليئة بالأطعمة والأشربة، وكأنّ شهر رمضان أصبح شهر أكل وشرب وسهرات، وهذا يترك تأثيرا واضحا على التوجه للعبادة التي تشكل محور حركة هذا الشهر المبارك فلم يعد هناك في هذا البرنامج متسع للعبادة والصلاة والمناجاة والدعاء وقراءة القرآن، ومن هنا تأتي ضرورة العمل على الانتقال بهذه المجالس إلى المستوى الذي يجعلها مجالس طاعة وموردا لرضى الله عز وجل.
- الخيام الرمضانية: والتي أخذت في الانتشار والاتساع في السنوات الأخيرة حتى أصبحت ظاهرة في الكثير من المناطق والأحياء، ونحن هنا أمام رؤية تؤيد هذه الخطوة باعتبارها نوعا من الحركة الاجتماعية المصاحبة لأجواء الشهر ويرفضها آخرون لما يصاحبها من محرمات وتضييع للوقت. والحقيقة أننا ومع التأمل قد نجد بعض الجوانب الإيجابية فيها، لو توافرت على الضوابط الشرعية بل أن بعض الخيام في بعض المناطق أصبحت محلا لقراءة القرآن وإقامة بعض الفعاليات الدينية والشعبية في أجواء محببة تجمع الكثير من الأهالي.
ولكننا مع ذلك نقول بأن هذه الظاهرة قد تأخذ منحى خطيرا حينما تتحول إلى مراكز بديلة عن المسجد والمأتم التي تمثل مراكز التوعية والتوجيه الإسلامي الأصيلة، ومما يأسف له ما قد نجده من ضعف للحضور في المساجد والمآتم مع كثافة في التواجد في مثل هذه الأماكن وهذا ما قد يستتبع تأسيسا لواقع جديد يفقد مراكزنا الأصيلة دورها ويؤثر في حركتها وهي نقطة لا بد الالتفات والتوجه لها.
السيد محسن الغريفي - موقع المجلس الإسلامي العلمائي
التعليقات (0)