اعتلى سماحة الشيخ إبراهيم الصفا منبر حسينية الحاج أحمد بن خميس وذلك في ليلة الرابع من شهر رمضان المبارك لعام 1436 هـ ، وتحت عنوان : " الإنسان بين جمال الظاهر وجمال الباطن " ابتدأ مجلسه الرمضاني لهذه الليلة بحديث للإمام العسكري عليه السلام " حسن الصورة جمال الظاهر و حسن العقل جمال الباطن " ، عندما يقف الإنسان ليتأمّل في عظمة خلق الله عز وجل وصنعه ، ويتأمل بالتحديد في هذا الإنسان الذي يعتبر الأعجوبة والمعجزة الكبرى لبيان قدرة الله وعظمته وبليغ صنعه ، فكما ذكرت سورة فصلت " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " .
عندما نقف مع هذا الإنسان فهو مخلوق ببعدين ، بُعد ملكي وبعد ملكوتي ، البُعد الملكي المادي حيث كل الوجودات هكذا حتى العبادات لها وجود ملكي وملكوتي ، في الصلاة مثلًا لها صورة ظاهرية متجسّدة في الركوع والسجود وصورة ملكوتية وراء هذه الحركات " إنّ الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مُشرقة تقول : حفظتني حفظك الله ، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مُظلمة تقول : ضيّعتني ضيّعك الله " . القرآن الكريم كذلك ، آياته التي نقرأها لها وجود لفظي فهذا الحبر و تلك الاوراق صورة ملكية ، ولها أيضًا وجود ملكوتي ، من سورة الفرقان " ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا " في يوم القيامة سوف يعض الظالمون على أيديهم ، بل حتى المؤمنون وهم اشد النّاس من سيعضّ على أيديهم ، لانهم اهتدوا للحق وساروا على جادة الحق وجيء بهم الى الجنة ، و الجنة ليست درجة واحد فحسب ، بل لها درجات ومراتب فعندما يرى المؤمن في الجنة غيره في أعلى المراتب بسبب أنه أحجم وهم انفقوا ، وتكاسل هو وهم عملوا ، من سورة الفجر " يقول يا ليتني قدمت لحياتي " فللآيات وجود ملكوتي وكذلك كل المخلوقات لها وجود ملكوتي ، فاليد على سبيل المثال تتحكم فيها ، لكنّها يوم القيامة تخرج عن دائرة سلطانك وتدخل في دائرة سلطان الحق ، والعين واليد وجميع الجوارج تشهد عليك يوم القيامة فمن سورة فصّلت " وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء " .
أنا وانت ، الجسد يمثل البعد الملكي ، أمّا الروح فهي البعد الملكوتي المعنوي ، فلنعلم أن جمال الأبدان يتمثل بجمال الأرواح ، اذا ما حمل المؤمن جمال الباطن وجمال الظاهر تكامل ، لا أحد له الحق أن يتباهى بجسده وليس لأحدٍ أن يستنكر جسد وخلقة غيره ؛ لأنها من صنعة الله ، فمن أنت ! " " ليس الجمال بأثواب تزيينا ان الجمال جمال العلم و الأدب " اذا أردت أن تنتقد شيئًا فانتقد السلوك و العمل ، بوسعك أن تكون انسانًا خلوقًا محترمًا فتضفي الى نفسك جمالًا ، و ينبغي عليك أن تعرف أنّ الجمال الحاكم والذي يقدّر به الإنسان هو الجمال الباطن ولكن الشارع الاسلامي لم يهمل الجمال الظاهري ، من سورة الأعراف " يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ " ، بريقُ جمال النّفس أعلى و أرفع ، في الحجّ لابدّ أن نهمل بُعد الجمال الجسدي الجمالي ، و أن نبتعد عن كل مظاهر الزينة .
بالجمال الباطني يكون الجمال مشرق و يتجلّى ، جمال الرّوح والقلب يظهر يوم القيامة على شكل نور ، والناس أنوراهم متفاوتة والبعض نوره مخسوف ومطموس كما ذكر في سورة الحديد " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم " وعندما يكون النور مطموس فهذا مؤشر الضعف في المرتبة و أقوى نور في يوم المحشر هو نور النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم . عندما نقف مع الروايات فلابد أن نعلم أن الجمال قد ينقلب الى سوء وقبح ، من سورة الطارق " يوم تبلى السرائر" ، الجمال الجسدي قد يتغير ، وليس بالضرورة الى الأسوأ ولكن حتمية التغيير لازمة فيه ، فالشعر الاسود يبيض ، والأضراس البيضاء تسود مع الأيام ، البشرة الناعمة تتجعّد والعين الحادة تَضعُف ، والسّمع القويّ يَضعُف و كلّ عناصر الجمالِ والكمالِ تبدأ بالتقلّص ، ولكن ذلك لا يصاحب تغيير سلبي للروح ، ولا يطرأ على روح الإنسان ، الإنسان قد يتغيّر على مستوى الباطن الى صورةِ مخزية ، قال أبو بصير للباقر (ع) : ما أكثر الحجيج وأعظم الضجيج !.. فقال : بل ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج !.. أتحب أن تعلم صدق ما أقوله ، وتراه عيانا ؟.. فمسح يده على عينيه ودعا بدعوات فعاد بصيراً ، فقال : انظر يا أبا بصير إلى الحجيج ، قال : فنظرت فإذا أكثر الناس قردة وخنازير ، والمؤمن بينهم مثل الكوكب اللامع في الظلماء ، فليس المعيار الصورة الظاهرية بل الصورة الباطنية فحين مسح الإمام عين صاحبه بالولاية التكوينية رأى الكثير ممن يطوف البيت من السباع والخازير والكلاب . السيد الإمام الخامنئي في مقام تعرضه لبيان الصور الملكوتية للنفس يقول " إن صور الخلائق تنسجم مع سلوكها " لهذا قد ينطمس الإنسان ويُخسف جماله .
المؤمن يجب عليه أن يلتفت لهذا الجمال الداخلي ، وأن يلبس روحه ثوبًا يحبّها الله سبحانه وتعالى ، كما يرضى لنفسه أن يلبس ثوبًا ظاهريًا نظيفا ، الله سبحانه وتعالى ترفّع عن تسمية الثوب القبيح ثوبًا ، وأطلق عليه بالغطاء ، أمّا الثوب هو لباس التقوى والذي يعطي للنّفس بريق وجمال ، ويتفاضل الناس في جمالهم ، فمن سورة الحجرات " ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " . من ضمن ما يضفي للانسان الجمال ، العلم و الفقه ومعرفة الأحكام الشرعية ، عندما يحضر المؤمن في محاضرات العلم فأنه يتحصّل على رصيد من المعلومات وأجره يزداد ، وكذلك مع دخول شهر الله يكون تعلم المؤمن للمسائل يضفي اليه أمرين معلومات و نور ، والقلب الذي يحمل النور يكون مشرقا .
من المسائل الفقهية التي ينبغي الإلتفات اليها فيما يتلعق بالصوم ، هي المفطرات ، الحقنة وهو ما يأخذه الإنسان في دبره ، فالحقنة بالمائع يفطر و اما اذا كانت الحقنة جامدة وان ساحت بعد ذلك لا تفطر ، هناك ثلاثة انواع لحقنة الإبر ، أولًا مبطلة الحس وهي الإبرة المبنّجة والمنوّمة فكل الفقهاء يرون بأنها لا تضر ، ثانيًا الابرة الدوائية فهي ليست ضارة كذلك ، ثالثًا المصل او السيلان ، السيستاني يرى بأنه لا يضر على الإستحباب و انه يفطر على الاحوط وجوبا عند الخميني والخامنئي والخوئي والتبريزي و عند أغلب الفقهاء . الربو ، أو ما يطلق عليه بضيق التنفس ، والذي يعالج بالبخاخ ، مرةً يكون يدوي ومرة كهربائي ، هناك اختلاف بين العلماء ، اذا كان هذا البخاخ عبارة عن تقاطر مواد سائلة وتدخل في الجوف فلا ريب أنها تفطر ، أما اذا كانت سائلة ويحوّلها الى بخار فإنّها لا تضر إلّا لو دخلت مجرى الطعام ، و الرأي المشهور بين الفقهاء ما دام هذا البخاخ هواءً فإنه لا يضر . الغبار له قسمان ، غبار كثيف وغبار عادي ، الغبار المعتاد كالذي يرى في أشعّة الشمس لا يفطّر ، أمّا الغبار الكثيف عندما يدخل الى الجوف متعمدّا يُفطِّر ، أمّا اذا كان من غير قصدِ فلا يفطّر ، وعلى الذين يعملون بين الغبار عليهم لبس الكمّام للحيلولة دون دخوله الى الجوف . في الختام يجب علينا الإكثار من قراءة الرسالة العملية ، فالزيادة في العلم تعطي للإنسان جمالًا ، و كلّما ابتعد الإنسان عن العلم يُسلب الجمال الباطني والنورانية الباطنية .
التعليقات (0)