ابتدأ سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية وذلك في ليلة الحادي من شهر رمضان المبارك لعام 1436 هـ ، بعد ثبوت هلال شهر رمضان عند أغلب علماء البحرين ، وتحت عنوان " فلسفة الصيام " بالآية المباركة من سورة البقرة " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " . عندما نقف مع إطلالة شهر الله الأعظم مع آيات القرآن الكريم ، حينما يتحدّث عن فلسفة خلق الإنسان فالقران صريحٌ في غاية الخلق ، لأن الله لا يمكن أن يصدر منه شيء عبثي حيث الآية 115 من سورة المؤمنون تبين ذلك " أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون " ، فالعبثية محال على الله سبحانه وتعالى ، و لو كان ذلك من منطلقات العبثية لدلّ على عدم صلاحية الخالق للعبادة ، حيث تؤكد ذلك الآية الشريفة من سورة الذاريات " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فلخلقنا وتكليفنا غاية و لتشريع الأحكام كالصوم غايات و اهداف . نقف الليلة في هذا الشهر ، شهر البناء الفكري التقوائي والروحي والعروج لله ، نجدد فيه طاقتنا وحيوتنا وارتباطنا مع الله سبحانه وتعالى ، الشهر الي تتقشّع فيه حُجب الظلمات عن صفحة العبد وتسطع أنوار معرفة الله ، لابد أن ينطرح سؤال في ذهن كل واحد منّا ، ما هي الأهداف والآثار المرجوّة من الصيام ، فالله خَلق كلّ شيِ لغاية ، وكلّف المرئ بتشريعاتٍ مُتعددة أيضًا لغاية .
الثمرة الأولى ، شحذ همّة الإنسان وإرادته وقوة صبره .. لاريب أن كثيرًا من الأمور لا تتحقق الا بالإرادة التي تبرز في الإنسان صفة الصبر فعن النبي الأكرم ( ص ) : " منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الراس من الجسد " . لا يكون المؤمن مؤمنًا الا أن يكون عنده صبر ، و لا يكون ذلك الا بالارادة و الصبر يُملك الإنسان الإيمان ، وهو وصول المرء الى اعلى مراتب القرب من الله ، في شهر الله الأكل الحلال ممنوعٌ عليك ، و الزوجة الحلال ممنوعة عليك والماء البارد ممنوع عليك ، مع أنّه بوسعك أن تفعل كل ذلك ، ولكن مع وجود الصبر ، تحبس النفس على الطاعة ، ما أحوجنا لصقل هممنا وإرادادتنا والإرادة الخاوية عند العبد تبدأ تقوى ، البعض يكون عبدًا لشهواته ومعاصيه ، ولكن في شهر الله يرفع رأسه صابرًا محتسبًا فيلغي دكان معصيته ، ونحن لا نريد تجميد المعاصي بل نريد الغاءها من حياتنا ، فالإرادة تصنع فينا الصبر . هناك عدة آثار في صقل الارادة ، فهي تعطي المرء صبرًا على طاعة الله ، فنحن مأمورون بالعبادة ، والعبادة تحتاج الى صبر وثبات و لا ترضى الإرادة لصحابها أن يعيش الإنحطاط والتسافل ، كلنا في مضمار واحد نتنافس فيه ، والله يبغض التنافس الحرام ويؤيد التنافس الحلال ، وهو التنافس للقرب من الله لأخذ أفضل المواقع ، فهناك تنافس إيجابي على المراتب العالية عند الله ، فأصحاب الإرادة هم من يفورزن . وكذلك في مقام التنشئة ، فالآية المباركة من سورة طه " وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها " ، تبيّن حينما تجرّ ابنائك للصلاة لابد أن تكون لك القدرة في الإصطبار عليها . الإرادة أيضًا تشحذ في شهر الله ، ولها انعكاس على مستوى الإنجاز و الإبداع.
الثمرة الثانية ، أن المؤمن يصل الى اليقين والتقوى ومراتب المعرفة و اليقين مرتبة من المعرفة " وما خلقت الجن و الإنس الا ليعبدون " فالعبادة غاية وسطية و الغاية الغائية الكبرى هي الوصول الى اليقين " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " ، الصوم والحج سلالم معنوية ووسائل للعروج و التقرب الى الله عروج لأنه معنوي و روحي ، الشيخ عباس القمّي رحمة الله عليه لمّا تكلم عن اليقين وقد أشار من خلال القرآن ثلاثة مراتب لليقين ، علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين ، و حق اليقين أعلى مراتب العلم و المعرفة و الإندماج والذوبان ، فليزن الإنسان نفسه في نهاية الشهر ، فمن لم يتزحزح من مكانه لا معرفةً ولا سلوكًا ولا اخلاقًا و لا توبةً فهو كما ذكر الرسول الأكرم ( ص ) " الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم " . كيف يمكن لشهر الله أن يوصلنا لهذا المقام ، هناك عدة أسباب ، أولًا نيل المراتب الروحية لا يتحقق من خلال الجسد و انما من خلال القلب ، هذا القلب له اسباب تبطئ حركة العروجية وهناك اسباب تنكسه وتقلبه خصوصًا في هذا الزمان الخطير جدا جدا ، وقد سمي القلب قلبًا لكثرة تقلبه ، من سورة آل عمران " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " ، يمكن للقلب أن يُصقل لأن شهر الله يقلع الناس فيه عن ذنوبهم ومعاصيهم ، أما من ذكرهم الله في سورة المطففين " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " هذا الكسب المحرم هو الذي يوجد الحجب و يطمس بصيرة القلب فالذنوب تنكت في قلبه نكتة سوداء ، و تصير البصيرة عمياء و عندها تنتهي مسألة المعرفة واليقين . بصيرة الإنسان تتوقد وتزداد بصيرة وسلوكًا نحو الله عز وجل .
الثمرة الثالثة أن الصيام يولد الشعور بجوع المحرومين والفقراء ويولد التكافل الإجتماعي فلا يعقل أن يوجد في قرانا وجيراننا من لا يجد لقمة لعياله والبعض يتمتع بالمأكولات ، فالإسلام يربينا على التكافل و يحركنا المولى عز وجل لرحمة اليتامى والجوعى .
التعليقات (0)