أكمل سماحة الشيخ علي البني سلسة مجالسه الحسينية بحسينية الحاج أحمد بن خميس وذلك في ليلة الرابع من محرم الحرام لعام 1436 هـ ، حيث إبتدأ حديثه برواية عن الإمام الصادق ( ع ) : { إن الله عز وجل أنزل في القرآن تبيان كل شيء } . ثم أكمل قائلًا : قد يتوهم متوهم لأمرٍ أو لآخر ، بأن القرآن الكريم ليس له حضوره الفاعل في مدرسة الإمامية ، أو لو كان له حضور فإنه لا يرقى الى مستوى الطموح ، وقد يؤيد هذا التوهم ما يصدر من بعض الأقلام أو ما تتفوه به بعض الأفواه فيما يرتبط في هذا الجانب ، ولسنا في صدّ الرد على تلك الأقلام والدعاوى التي تقول بأن القرآن ليس له حضور فاعل في التشيّع ، فكلامنا حول معاني العلاقة بين القرآن الكريم والفقه الإمامي .
ممّا لا شك فيه ، وجود علاقة بين القرآن الكريم والفقه الإمامي ، أصل وجودها أمرٌ مسلّم وقد حاول البعض إطراح الإشكالات في مدى العلاقة ومستواها ، ورد عن الباقر ( ع ) { إذا حدّثتُكم بشيء فاسألوني من كتاب الله } ، الإمام الباقر ( ع ) في مقام التعليم ، علّم أصحابه أن يرجعوا للقرآن ؛ لأنه ينبغي الى أتباع علي ( ع ) أن تكون بينهم وبين القرآن علقةٌ وثيقة ، علاقة الفقه الإمامي بالقرآن الكريم تُشكّل سمةً بارزةً و هناك عدة معالم بين القرآن الكريم والفقه الإمامي .
المعلم الأول من معالم العلاقة بين القرآن والفقه وهو من أهم المعالم ، رويات أهل البيت جعلت موقعية القرآن الكريم هو المصدر والمرجع ، ويمكن أن نستدل على هذا المعلم بطائفتين من الروايات تدلّل وتبيّن بشكل واضح موقعية المرجعية والمصدر ، أولًا الروايات العامّة وهي التي ترشد بشكل عام بالرجوع للقرآن الكريم ، فعن علي ( ع ) { ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم ، اخبركم عنه ، إن فيه علم ما مضى ، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة ، وحكم ما بينكم وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون } وقد قال أيضًا ( ع ) { واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش والدليل الذي لا يظل والمحدث الذي لا يكذب وأنه ليس بعد القرآن من فاقه ولا قبله من غنى فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لأوائكم فإن فيه الشفاء من الداء الأكبر الكفر والنفاق والغي والضلال وأنه ما جالس أحد هذا القرآن إلا قام عنه بزيادة أو نقصان زيادة في هدى أو نقصان من عمى واعلموا أنه شافع مشفع وماحل مصدق ، من شفع له شفع فيه ، ومن محله صدق عليه ، وهو كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم } .
الطائفة الأولى قائمة على أن موقعية القرآن بأنه قطب رحى وجود الامة الإسلامية ، ثانيًا الروايات الخاصّة التي بينت الموارد الخاصة التي كان اهل البيت عليهم السلام يُرجعون فيها اصحابهم الى القرآن ، و أنه المصدر في بعض الفتاوى و شهّد على ذلك البنّي بحادثة العالم الجليل زرارة بن أعين حين سأل الإمام الباقر ( ع ) عن أصل مسح بعض الرأس وبعض الرجلين ، فأجابه الإمام من القرآن ، حين ذكر من سورة المائدة { فاغسلوا وجوهكم } أي ينبغي غسل الوجه كله وحين قال { وامسحوا برؤوسكم } أي مسح بعض الرأس حيث دخلت الباء على فعل الأمر والتي أفادت التبعيض .
المعلم الثاني وهو أنّ الروايات أمرتنا بالرجوع الى القرآن في حالة التعارض وقد ذكر البنّي مقدمة قبل التطرق في هذا المعلم وهو الموروث الروائي حين نبتلي ببلية التقية وأنّ الرواية صدرت في ظرف التقية ولا يمكن الإعتماد عليها ، وأضاف البنّي : بعض الروايات فيها تكذيب وتدليس على الإمام ، قال الإمام الباقر ( ع ) { ما وافق كتاب الله فخذوه وما لم يوافق القرآن فردّوه } . النتيجة بأن رويات أهل البيت قالت في حالة التعارض بين الرواية والقرآن ، يؤخذ بالقرآن فهو المرجعية والأساس .
المعلم الثالث ، الإقتباس التعبيري واللفظي الى بعض الأبواب الفقهية ، الفقه له لغة خاصة بما يدعى بمصطلحات فقهية ، هذه المصطلحات بعض العلماء يقول بأن منشأها القرآن الكريم ، وهناك دليلين ، الدليل الأول هو قاعدتين في الفقه الإسلامي ، الأولى قاعدة نفي الحرج ، و الثانية نفي السبيل من الكافرين للمسلمين ، كلا القاعدتين نفاهما القرآن ، وقد اقتبسا من القرآن ، الدليل الثاني هو بعض الأبواب الفقهية إقتبست ألفاظها من القرآن الكريم ، كالبيع مثلًا .
وفي الختام ، ذكر البنّي المعلم الرابع و الأخير ، وهو تفرّد الفقه الإمامي ببعض الفتاوى المطابقة للقرآن تمامًا ، وهذه من مميزات الفقه الإسلامي التي قد يفتقرها غيرها من المذاهب الأخرى من جملتها الطلاق . عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال لأبي يوسف: { إن الدين ليس بقياس كقياسك وقياس أصحابك، إن الله أمر في في كتابه بالطلاق وأكد فيه بشاهدين ولم يرض بهما إلآ عدلين ، وأمر في كتابه التزويج وأهمله بلا شهود ، فأتيتم بشاهدين فيما أبطل الله، وأبطلتم شاهدين فيما أكد الله عز وجل } .
التعليقات (0)