أحيت حسينية الحاج أحمد بن خميس ليلة الثالث من شهر المحرم الحرام وذلك لعام 1436 هـ ، حيث أكمل سماحة الشيخ علي البني سلسلة مجالسه الحسينية وقد استهل مجلسه بحديث عن الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) في وصف أهل صفين { زرعوا الفجور ، وسقوه الغرور ، وحصدوا الثبور } وبالآية الشريفة من سورة التوبة { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون }.
الآية الشريفة تركز على عدة أبعاد ، القرآن الكريم ربط التفقه بخصوص مسألة الدين ، حين نتأمل في الروايات نجد أنه من الخطأ أن يكون المراد من التفقه فقط مسائل الحلال والحرام ، عن النبي الأعظم ( ص ) معرّفُا الدين الى الناس : { الدين النصيحة ، لله ولرسوله ولكتابه وللأئمة المسلمين وعامتهم } ، فالنصيحة هنا بمعنى الخلوص بعبودية الله والطاعة لرسول الله و توجيه وارشاد المؤمنين . التفقه في الدين يشمل جميع المعارف الإسلامية وهو يحبب الناس للدين ويرغبهم اليه . هناك دعوة من الله في التفقه في الدين ، فجميع الأخلاقيات والسلوكيات يجب أن يكون للانسان فقها فيها ، ومنها جاءت الروايات في وصف لمؤمن ، عن الإمام علي ( ع ) : المؤمن له قوة في دين ، وحزم في لين ، وحرص في فقه } و عن الإمام الصادق ( ع ) { تفقهوا في دين الله ولا تكونوا اعرابا ، فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيامة ولم يزكي له عملا } .
ترك التفقه قد يوقع الإنسان في لازم فاسد لا يدركه نتيجة لعدم تفقه والوقوع في الشبهات والمحرمات ، الإنسان مدنيٌ بطبعه و يعيش مع المجتمع ، و للمؤمن على أخيه المؤمن حقوق وواجبات ما منها من حق الا وعليه واجب ، فعلى الإنسان أن يكون على درجة عالية من السلوك الإجتماعي وهذه دعوة من القرآن الكريم في التفقه في جميع الأمور لكي لا يلزم ذلك لازم فاسد إما ان يشعر به او لا يشعر به .
من الأمور التي يبتلي بها الإنسان في المخاصمة هي الفجور وذلك لسوء نية ، وعدم اطّلاع ، و عدم التفقّه بمعارف أهل البيت ، فتكون مخاصمة قد توصل الإنسان الى مرحلة الفجور ، الشارع المقدّس ينظر الى المخاصمة أنها من صفات المنافقين الذين لا يهتدون الى سواء السبيل ، كما ذكرهم القرآن في سورة المنافقون { ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون } وعن النبي الأكرم ( ص ) { أربعٌ من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه واحدة كانت فيه صفة من صفات النفاق حتى يتركها ... فإذا خاصم فجر } وعن علي ( ع ) { من بالغ في الخصومة أثم ومن قصر عنها ظلم .. ولا يستطيع أن يتقّ الله من خاصم } ، من تجاوز الحدود في الخصومة وبالغ فيها فقد أثم وهو إنسان لا يستطيع ان يتقي الله ، فيجب أن تحجب هذه الروايات الإنسان عن الفجور .
في الختام بيّن البني عدة مظاهر في المخاصمة ، من ضمنها الخصومة بين الأفراد وقد بيّن أهل البيت عليهم السلام موقعية المؤمن من خلال الروايات ، أن المؤمن يألف ويؤلف ، و يجب أن يكون في معرض الإنسجام و الألفة و دعى الى الترابط بين عموم المؤمنين ، من سورة الحجرات { إنما المؤمنين أخوة } ، المؤمن لما يقرع سمعه شيء عن أخيه المؤمن ، يجب أن يكذّب سمعه و بصره ، و أن لا يرتّب أثرًا عمليًا على ذلك القول . الشارع المقدس يريد أن يهذبنا بسلوكٍ إجتماعيٍّ واقي ، كرامة المؤمن لا تسقط بحالة من الأحوال ، فالسمع لا يجيز لنا أن تسقط من مروؤة المؤمن ، و أن نقبل إعتذرات المؤمن كما وصّانا النبي الأكرم ( ع ) { من لم يقبل عذر متنصل صادقا كان أو كاذبا لم ينل شفاعتي يوم القيامة } .
التعليقات (0)