في ثاني ليالي شهر محرم الحرام لعام 1436 هـ ، استهلّ سماحة الشيخ علي البنّي مجلسه هذه الليلة في حسينية الحاج أحمد بن خميس برواية عن الإمام الباقر عليه السلام ، حيث قال : أن الحسين بن علي ( ع ) كتب الى أخيه محمّد المعروف بابن الحنفية ، وقد جاء في كتابه ، { أما من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح } ، وقد كان بحثه هذه الليلة حول قراءات في بيانات الإمام الحسين و قراءات نقدية في نظريات الحركة الحسينية .
الحسين ( ع) لمّا قاد هذه الثورة و بدأ الحركة الإصلاحية ، صدّرها ببيانات وكلمات ، هذه البيانات توضح المعالم التي استندت اليها الثورة وتبين أهم المعالم المنطوية في كربلاء ، وتحتل أهمية لمن يريد أن يقرأ كربلاء ، وهنا نذكر بيانين ، البيان الأول وهو كتاب كتبه الى أخيه محمد الحنفية ، { إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق } ، هذا البيان يجعلنا نخرج بمحصلتين ، أولاً أن الإمام الحسين بيّن معلما مهما من معالم حركته وركيزة أساسية ، و هو منشأ هذا التحرك إنما هو من أجل الإصلاح ، ثانيًا هذا التحرك كان من أجل إحياء فريضة كادت أن تموت وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و هذه فريضة عظيمة وصلت الى مرحلة الإحتضار وقد تضمحل من الفكر الإسلامي .
البيان الثاني وهو الذي قُدّم به المجلس والذي كان في مكة المشرفة ، وقد كتبه الإمام من أول يوم من أيام الثورة ، و كان الحسين يريد من هذا الكتاب ان يصل إلى أن الجهاد واحدة من معالم البعد التضحوي . ثم أكمل البني بنظريات في مدى صلاحية الإستناد الفقهي الى ثورة كربلاء في الحركات الإصلاحية من خلال تلك البيانات ، وقد ذكر النظرية الغيبية التي تنشأ في عدم إمكانية الإعتماد على ثورة الحسين في الحركات التوعية والإصلاحية ، وذلك لأن الثورة الحسينية كانت حركة غيـبـية و فيها تكليف خاص بالإمام الحسين ( ع ) ، لا يمكن أن يتعدّى الى غيره وهناك دليلين على ذلك ، أولًا الحسين كان يستند و يبرّر خروجه بمستند غيبي وليس عقلي و هي الرؤيا التي رآها لجده ( ص ) حيث أمره بالثورة ، ثانيُا كتاب الجهاد في الفقه الإسلامي يقول أن الجهاد يجب كفاية لكل من وجدت فيه شروط تسعة أولها البلوغ و خامسها أن لا يكون عاجز ، حيث تنافت ثورة الحسين مع تلك الشرائط بخروج الرضيع و الشيخ .
نقد البني هذه النظرية بالرجوع الى القران في بعثة الانبياء والرسل بانها واجبة من الله من باب اللطف و أن الأنبياء هم واسطة الفيض بين الله و البشر ولكنهم قد بلغوها من خلال أساليب و أبعاد بشرية و أن الحسين ( ع ) برّر خروجه مرّة برؤيا و مرة برّرها بقول رسول الله ( ص ) { من رأى منكم سلطانا جائرًا مستحلا لحرام الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يعتبر بما عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله } . أمّا مسألة البلوغ و العجز كانت من الواجبات وهناك فرق بين الوجوب و الجواز ، ففي حالة التزاحم يقدّم الأهم ، وهذا يبعد الخصوصية ، و لذلك لا يمكن أن نقول بأن الحركة كانت غيبية ، لكن إستدرك البني وقال هناك بعد غيبي في كربلاء لكن بمعنى آخر ، ليست جميع مفاصل كربلاء كانت ابعاد غيبية .
في الختام ، تطرّق البنّي الى النظرية الرسالية وقد ذكر بأنها نظرية واسعة ومتشعبّة ، ولا يسع المجلس التطرق في ذكرها كلها ولكن بيّن أنّ قوامها يرتكز على بعدين ، البعد الأول أنّ أصحاب النظرية يؤمنون أنّه لابد أن ننقل المفهوم من الذهن الى القلب ، أمّا البعد الثاني هو لابد من الإتيان بنماذج من الحياة . هذا وقد قرأ الرادود الحسيني فلاح أحمد زيارة الحسين ( ع ) قبل المجلس الحسيني .
التعليقات (0)