شارك هذا الموضوع

حقيقة التباكي ومشروعيته - الشيخ البني في ليلة 1 من المحرم 1436هـ

في أولى ليالي محرم الحرام لعام 1436 هـ ، إبتدأ سماحة الخطيب علي البنّي سلسلة مجالسه الحسينية في حسينية الحاج أحمد بن خميس بحديث عن الإمام الصادق ( ع ) ، { ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعرًا فبكى فله الجنة ومن أنشد في الحسين عليه السلام شعرًا فتباكى فله الجنة } ، حيث أكمل قائلًا ، إنّ إظهار الحزن والتفجّع على مصاب الحسين ( ع ) هو من ما ندب اليه الشارع المقدس ، و أكدته غير واحدة من روايات أهل البيت ( ع ) ، فلا شك ولا شبهة أن هذه المسألة من مسلمات المذهب الحق ، وهي ثابتة لا محالة ، إنما الكلام يقع في جهة أخرى وقد ذكرت في ألسن الروايات وتكلم عنها أهل البيت وهذه تحتوي على آثار الحزن و البكاء على الحسين ، وهي مفردة التباكي وهي من المفردات التي وردت في ألسنة أهل البيت ( ع ) كما في الحديث المتقدّم حين جعل الإمام الصادق ( ع ) الجزاء الجنة على البكاء مرة ، و على التباكي مرّة ، بيّن أنه هناك فرق و لذلك ثنّى الإمام الجملة ، فنجد أن الإمام جعل الجزاء بالجنة للبكاء ، ثم ترقّى وجعل الجنة ثوابا للمتباكي .



لو خُلّي الوجدان البشري وطبعه - بعيدا عن الروايات - فإن الإنسان في هذه الحياة عندما يعتري قلبه ما يحزنه ، فالتعامل معها لا يخلو من حالتين ، الحلة الأولى هو التفاعل مع المصيبة والفاجعة و إبراز ذلك التفاعل من خلال إما قسمات الوجه أو من خلال إسكاب الدموع وقد يصل الى حالة النحب و هذه الحالة تسمى بكاءً . الحالة الثانية هو عدم وجود حالة البكاء ، وإنما يتصنع البكاء ويتظاهر به ، فحيت تنظر الى من يتصنّع البكاء تعلم أنّه لا يبكي و إنّما يتصنّع ، وهنا طرح الشيخ سؤالًا هامًا و هو هل يقصد الإمام من التباكي هذه الصورة ؟ 



لبيان هذه الحقيقة ، استدل الشيخ من علماء اللغة في كتاب { الصحاح في مجمع البحرين } ، حيث فسّر معنى تباكى الرجل ،  أي تصنّع البكاء و يتكلّف به ، نصل الى نتيجة من لا يستطيع أن يبكي فليكيّف نفسه و يجتهد في التصنع و يري الناس أنه يبكي . و أمّا من الناحية الفقهية فقد إستدل الشيخ بثلاثة علماء ، الشهيد الثاني حين فسّر التباكي بأنه تصنع البكاء والتكيّف بصورته ، وإن كان البكاء هو الفعل المتصنع لكن الغرض منه أن يكيف نفسه مع هيئة من يوفقّوا في البكاء . أمّا المجلسي صاحب البحار حين ذكر أنّ التباكي هو حمل النفس على البكاء والسعي في تحصيله وقيل معناه هو إظهار الحزن والتشبه بالباكين فإنه من تشبه بقوم كان منهم . و أخيرّا العلامة الحلبي حين فسّر التباكي هو تصنّع البكاء وهما نوعان أحدهما مذموم و الآخر ممدوح ، أمّا الممدوح فهو التباكي من أجل رقّة القلب ، وامّا المذموم فهو من أجل السمعة والرّياء .



في الختام ذكر سماحة الشيخ وجهان للمستندات الشرعية للتباكي و ما يصلح أن يكون دليلًا وحجة ، الوجه الأول وهو روايات أهل البيت عليهم السلام فيها ما يساعد على ذلك المعنى في الدعاء وطلب الحاجة ، الوجه الثاني ساقه الشيخ كمؤيّد وهو الأصحاب اذا قرع سمعهم ما ينكر قلبهم يسألون الأئمة عن تلك الأشياء أمّا مسألة التباكي أخذها الأصحاب من المسلّـمات . وقد تطرّق الى التكييف الشرعي الذي يخرج هذا الفعل عن دائرة الرياء ، فالتباكي هو من باب المقدمة وهي للوصول الى حالة البكاء على الحسين ( ع ) ، و تكرار الفعل يصيّر الفعل ملكةً راسخةً في الإنسان و أن البكاء محمود و التباكي مطلوب .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع