في ليلة الفاجعة الكبرى ، ليلة ذكرى استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام التي تصادف ليلة الواحد والعشرين من شهر رمضان المبارك ، إبتدأ سماحة الشيخ الدكتور عبدالله الديهي حديثه في حسينية الحاج أحمد بن خميس بآيات من سورة الجن ، " وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا " و بحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام " مَا أَصْبَحَ بِالْكُوفَةِ أَحَدٌ إِلا نَاعِمٌ إِنَّ أَدْنَاهُمْ مَنْزِلَةً يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ وَيَجْلِسُ فِي الظِّلِّ ، وَيَأْكُلُ مِنَ الْبُرِّ ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَصْحَابِ الصُّفَّةِ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ ، وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ ، قَالُوا : لَوْ أَنَّ لَنَا فَتَمَنَّوُا الدُّنْيَا " حيث كان حديثه حول محاورٍ ثلاثة .
المحور الأول ، الرأي الذي يرى بأن علي ( ع ) يُقْرأ مِن خِلال سيرتهِ الذاتية ، فما هي المبرّرات لذلك ، وقد تحدّثنا فب الّليالي السّابِقة أنّ عليٍّا من القدوات الصالحات ، كان النبي ( ص ) هو القدوة التأسيسية ، ولكن علي هو القدوة التصحيحية ، المُقتدى الأول يضع القوانين والتشريعات ، ولابد من الإشراف على تلك النظم و علي ( ع ) هو المصحح، خلال الخمس والعشرين سنة ، علي ( ع ) تدخّل في أكثر من تسعين موقف لتصحيح المسيرة . عندما نبحث عن علي ( ع ) من خلال سيرته الذاتية لنا عدة أسباب ، بحث سيرة علي ( ع ) هي أنفع للمجتمعات ، لأن أمثال علي ( ع ) ما خُلقوا لزمانهم وإنما خُلقوا لكل زمن ، فعلي ( ع ) نعتبره عِدْل القرآن الكريم . السبب الثاني أن علي خط والخط لا يمكن أن تفصله عن صاحبه ، لا نتحدث عن شخص علي ( ع ) بل نتحدث عن أنه كان خطًّا في الطهارة والعفة والعصمة و العدالة والمساواة . السبب الثالث ، عليٌّ مُقتدى فأفعاله و تقريراته حجّه و سُنّة يجب أن نعمل بها - كما أفعال النبي ( ص ) حجّة - ، فنحن لا نستطيع أن نقتدي بعلي إلا من خلال التعرّف الى سيرته الذاتية و العصمة لطف من الله لا يعطاها الا المختصون .
المحور الثاني ، علي ( ع ) لم يكن إمامًا في الفقه والعقيدة والشريعة فحسب ، ولم يكن حاكمًا مُهمّته تثبيت سُلطانُ حُكْمهِ والدّفاع عن الدولةِ الإسلاميةِ فَحسب ، كان ( ع ) صاحب مشروع حضاري من أهم معالمه التنمية البشرية ، ومن مظاهر هذا المشروع الحضاري عنده ( ع ) ، اعتنى ( ع ) بالإنسان وقدراته وطاقاته ؛ لأن المقصد الأساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية هو الإنسان ، وكل ما في الوجود للإنسان ، ولذلك خطة الإمامة هي تنمية شباب الأمة و رجالها ، وهذه العملية تصب في مسارات عدة ، إمّا في الجانب التعليمي أو السياسي أو الإقتصادي أو الصحي . قضية التنمية البشرية مهمة للغاية خصوصا في هذا العصر ، كان علي ( ع ) يوظّف كل طاقاته العلمية في هداية الأمة حتى شهد العدو بعلم علي ، أما في جانب التنمية الإقتصادية عند علي فهو كما قلنا في الحديث أوّل المجلس . " مَا أَصْبَحَ بِالْكُوفَةِ أَحَدٌ إِلا نَاعِمٌ إِنَّ أَدْنَاهُمْ مَنْزِلَةً يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْفُرَاتِ وَيَجْلِسُ فِي الظِّلِّ ، وَيَأْكُلُ مِنَ الْبُرِّ ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَصْحَابِ الصُّفَّةِ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ ، وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ ، قَالُوا : لَوْ أَنَّ لَنَا فَتَمَنَّوُا الدُّنْيَا " . أمّا في جانب التّنمية السياسية ، فقد فتح علي ( ع ) باب الرأي ، و حثّ المسلمين على الإعراض على الحاكم إذا رأوا منه إنحرافًا . وقد قام علي ( ع ) بعدة خطوات مع معارضيه ، فقد قام ( ع ) بإعطاءهم الحرية الدينية ، و لم يمنعهم من الفيء ما دامت أيديهم معه ، ولم يبدأهم بحرب قبل أن يبدأوا بها .
المحور الثالث ، هو المسارات و الإتجاهات التي سار فيها علي ( ع ) لتحقيق هذا الهدف ألا وهو التنمية البشرية والتنمية الإنسانية ، المنهج الأول الذي استخدمه علي ( ع ) هو منهج القرآن و استنهاض الطاقات والقدرات فكل انسان له طاقات يجب إبرازها ، يجب إزالة ثقافة الخمول والكسل . من أقول علي ( ع ) " إعلموا أن الله لم يخلقكم عبثا وليس بتارككم سدى كتب آجالكم وقاسم بينكم معائشكم ليعرف كل ذي لب منزلته وأن ما قدر له أصابه ، وما صرف عنه فلن يصيبه ، قد كفاكم مؤونة الدنيا وفرغكم لعبادته ، وحثكم على الشكر وافترض عليكم الذكر " ، وقد قال " من كان في الدنيا عاجزا فهو في الآخرة أعجز " . المنهج الثاني هو أنه كان يحث على التعاون و العمل التطوعي . المنهج الثالث فهو يخص الدولة التي بيدها مقدرات الأمة . فقد قال ( ع ) " وأشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن سبعا ضاريا تغتنم أكلهم ، فإنهم صنفان : إما أخ في الدين أو نظير لك في الخلق! " ، وكان يدعو إلى إعمار البلاد و إصلاح العباد ، و قد كان ( ع ) يركّز على الإنتاج فقد قال : " وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأنَّ ذلك لايدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلا " ، وكان يدعو إلى إختبار الموظفون ، أهم مؤهلون لذلك أم لا ، حيث قال " ثمّ انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختبارا ، ولا تولّهم محاباة وأثرة ، فإنّهما جماع من شعب الجور والخيانة ، وتوخّ منهم أهل التّجربة والحياء " .
التعليقات (0)