في ليلة الحادي عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1435 هـ ، اعتلى منبر حسينية الحاج أحمد بن خميس سماحة الشيخ إبراهيم الصفا ، و كان عنوان محاضرته هذه الليلة ، ( قاعدة الصحة و آثارها الفقهية و السلوكية ) ، حيث إبتدأ سماحته بآيات من سورة الحجرات " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ " ، حيث ذكر سماحته بأن الآية الكريمة المباركة تحدثنا عن الظن ومساوئه ، ويأمرنا الله عن العمل بالظن ، وعندما نتوقف على المستوى العلمي حول الحديث عن الظن ، لابد من المعرفة بأن الظن يشكل نسبة من مستوى الإدراك التي يمر بها الإنسان ، إذا كان مستوى الإنكشاف يصل الى موضع القطع و الإطمئنان - 100 % - يسمّى " علم " ، لكن لو كان حجم الإدراك والإطّلاع يشكّل 75 % فيعبّر بالظن ، فهو معرفة و انكشاف ولكنّها أدنى رتبة من العلم ، أما اذا كان حجم الأطراف عنده متساوية - 50 % - 50 % - فهذا ما يعبر عنه بالشك .
التأمل في قوله تعالى " اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ " فلنا وقفة على ثلاثة أصعدة ، الصعيد الأول على المستوى العقائدي ،المستوى الثاني هو المستوى الإجتماعي ، أمّا المستوى الثالث هو المستوى الفقهي . وهنا طرح سماحته سؤالًا مهمًّا ، وهو هل يجوز التعويل على الظن أم لا ؟ المستوى العقائدي هو بناء المكوّن العقائدي للإنسان حيث الفقه الأكبر - الفقه الأصغر هو عبارة عن الحلال و الحرام و رسائل الفقهاء - . يجب على المكلّف أن يقيم الحجّة و البُرهان في الأمور العقائدية ، وهو محط الإجماع حسب العلّامة الحلي في كتابه المشهور " النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر " على عدم جواز التقليد في الأصول العقادية ، فيجب على المكلّف أن يتعلّم ويبحث وبتأمل ويقيم الحجّة في كل المسائل الإعتقادية ، حيث إستدلّ سماحته بآيات من سورة النحل " وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " .
ذكر سماحته ستة آراءٍ حول التقليد في الأصول الإعتقادية ، الرأي الأول هو عدم جواز التقليد و يتبنّى هذا الرأي مجموعة من العلماء من ضمنهم ، السيد مرتضى والسيد عبدالله شبر ، و الإمام الخميني ، والصدر و السيدالسيستاني وأغلب فقهائنا المعاصرين ، فإن التقليد " ظن " ، ولكنّه بالنسبة للفقيه الّذي أقام الحجّة والبرهان " علم " وينقسم الظن الى قسمين ، ظنٌّ مُعتبر و ظنٌّ غير معتبر ، الظن المعتبر في الشريعة هو الظن الذي قامت عليه الأدلة القطعية من خلال الرويات . الرأي الثاني هو كفاية تحصيل الأصول بالظن و جواز العمل به ويتبنّى هذا الرّأي المجلسي والكاشاني و صاحب المدارك . الرّأي الثالث هو كفاية الظن بالإجتهاد من الظن والإجتهاد و يجوز العمل بالظن بعد أن يبذل وسعه ويتبنّى هذا الرأي البهبهاني . الرأي الرابع هو يصح تحصيل الأصول بالتقليد وفق العلامة الأنصاري و الشيخ الأصفهاني . الرأي الخامس هو لا يجوز التقليد في التوحيد والعدل والإمامة ويجب الجزم بها و إقامة الحجّة ، أما بقايا الأصول مثل المعاد فيجوز التقليد فيها . الرأي السادس و الأخير الّذي يتبنّاه الخوئي هو إذا كان هناك فقهاء يقطعون بوجود هذه المعتقدات فإن كان المكلّف حَصَل على اليقين مِن خلال هذا الفقيه ، فَيجوز عليهِ التّعويل عليه .
الصّعيدُ الثاني من تعاطينا مع الظن هو المستوى الإجتماعي ، المجتمع الإنساني و البشري يجب أن يكون متحابًّا ، يَعيشُ الأُلفة ، لأن الظنّ السلبي بالآخرين يفصم عرى الروابط وله عواقب وخيمة و يوقع الإنسان في الظلم ، وعليه يجب أن نحمل إخواننا على سبعين محمل . الصّعيد الثالث و الأخير هو التعامل مع الظن على مستوى الأبحاث الفقهية ومن خلال هذه الآيات ، أقام العلماء قاعدةً من القواعد الفقهية تسمّى قاعدة الصحة ، وتنقسم القواعد إلى قسمين ، قواعد أصوليه وهي أداة من أدوات الإستنباط وهي الذي يقوم بتطبيقها الفقيه فقط ، أما القواعد الفقهية فيرتب أثرها الفقيه و المكلف ، ومن ضمن هذه القواعد ، قاعدة الصحة ، و هي حمل عمل أخيك المؤمن على الصحة في حالة الشك فيه . و في الختام دعى سماحته الى حسن الظن بالله لنكون أقوياء في مواجهة المصائب والنوائب و نعيش حالة من الإرتياح النفسي .
التعليقات (0)