في الليلة السادسة من شهر رمضان المبارك لعام 1435 هـ ، إعتلى سماحة الشيخ إبراهيم الصفا منبر حسينية الحاج أحمد بن خميس ، وتحت عنوان " شهر رمضان ، ربيع القرآن " . إبتدأ الشيخ بروايةٍ عن رسول الله ( ص ) : " أسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر " ، فالنبي (ص) وفي خطبته التي استهل بها شهر رمضان يؤكد من خلال هذه المقطع على ضرورة أن يكوّن المؤمن علاقه وطيده بكتاب الله لكي يوفّق في أمرين - صيامه ، تلاوته كتابه - ، و أن تتجاوز هذه العلاقة الحدود الظاهرة لتكوّن رابطة قيّمة ، حبّ الكتاب و الذوبان والتولّع فيه هو مؤشر على حب الله ، عندما تأخذ كتاب الله وتضعه على قلبك او عينينك او تحضنه ، فإنّك تتعدى الورق والحبر والجلد و تعبّر عن علاقة متينة بصاحب الكتاب ، و العلاقة مع القرآن يجب أن تتجلى في هذا الشهر ، لأن هذا هو زمان القران ،" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ " ، فشهر رمضان له ميزة خاصة اذ أنه الظرف والزمان الذي احتَضن نزول القران ، فلا نريد أن نكون ممّن يقف يوم القيامه متهمًا ، " إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا " .
علينا أن نذوب في كتاب الله فعن الصادق عليه السلام ( لكل شي ربيع وربيع القران شهر رمضان ) ، نحن بحاجة أن نرتبط بالقرآن لأنه هو المنهج والدستور المتكامل في مختلف مفاصل الحياة و هو ميزان الفصل بين الحق و الباطل و هو الميزان على مستويات عدة ، المستوى الأول من مستويات الإرتباط بكتاب الله هو التلاوة ، فعلينا أن نؤسس علقة قوية على مستوى الإتصال مع القرآن فلا تكون القراءة للقرآن كقراءتنا لأي كتاب ، فهو يتضمّن أسرارًا ربانية ، علينا أن نتعامل معها بكل قداسة ، وهنا دعى الشيخ المؤمنين التغني بالقرآن و التعاطي معه بالصوت الحسن ليجتذب القلوب لما ذلك من أهمية في إظهار البعد الجمالي لقراءة القرآن ، " إن القرآن نزل بحزن فأقرأوه بحزن " .
المستوى الثاني التعقّل والتدبّر في كتاب الله ، " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " ، نجد في كثير من آيات القرآن ما تؤكد على التعقّل والتدبّر والإتصال اللّغوي والإرتباط الآلي فيجب أن يتجاوزنا القارىء مرحلة التجويد و ينتقل من مرحلة المهارة ،و هو أن يتجاوز أحكام التجويد ويغوص في أحكام الله و المعاني ، فعندها نغوص في معارف القرآن ، الله سبحانه وتعالى دائمًا ما يقول ( أفلا يتدبرون ) ( أفلا يعقلون ) ، ولهذا أعطانا الله أداة التعقّل ، وهو العقل ، عن الباقر عليه السلام ، " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ : " أَقْبِلْ " , فَأَقْبَلَ , ثُمَّ قَالَ لَهُ : " أَدْبِرْ " . فَأَدْبَرَ , فَقَالَ : " وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ , بِكَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِي , لَكَ الثَّوَابُ وَعَلَيْكَ الْعِقَابُ " ، وهذا يوصلنا الى قوة العقيدة والمعارف الرصينه ، " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " فالتدبر في آيات القرآن يحوّل الإنسان من إنسانٍ جاهل الى إنسان عالم ، ومن إنسانٍ ضعيف في العقيدةِ الى إنسان ٌ قويٌ في العقيدة .
هناك عدة مستويات في معرفة القرآن ، أولًا المعارف الظاهرية ، وهي معرفة الأحكام على مستوى الظهور العرفي لأن الظهور حجّةٌ فلو كان للآية أكثر من معنىً فالعلماء يفهمون على ضوء الظهور في الألفاظ حسب القرائن ، و هذا ما يعبّرُ عنه بالتفسيرِ ، أمَا التأويل فيحتاج للعودة للقرآن الناطق - أهل العصمة - ، لأن التأويل هو حمل ألفاظ القرآن على خلاف الظاهر منها فهناك روايات عن الصادق والباقر تقول بأن القران له 7 بطون ، وروايات أخرى تقول بأن له 70 بطن . المستوى الثاني هو الفهم والتعلّق به ، أمّا المستوى الثالث فهو الإتصال العملي ، و الإتصال السلوكي ، وهو ثمرة الإتصالين ، أن نجسّدَ ما تعلّمْنَاه قولًا وعلمًا وسلوكًا ، فَنصِلَ بمعارفِ القرآنِ الى التطبيق العملي
في النهاية ، ختم الصفا موضوعه بأن هناك قرآن صامت ، وقرآن ناطق ، فالقرآن الصامت هو القرآن الكريم الذي بين أيدينا ، أما القرآن الصامت فهم أهل العصمه ، و الإمام المنتظر هو إمام زماننا و هناك تقصير عندنا في القرآن الناطق ، وهنا عاتب الشيخ قلة نسبة ذكرنا للإمام و دعى أن نتمسّك بالإمام المنتظر و أن نذكره في مجالسنا بقراءتنا لدعاء الفرج دومًا .
التعليقات (0)