شارك هذا الموضوع

نداءات التوبة و أصناف العبادة - ليلة الخامس 1435هـ

عن الإمام الحجة (عج) في دعاء الافتتاح :
( فَلَمْ اَرَ مَوْلاً كَريماً اَصْبَرَ عَلى عَبْد لَئيم مِنْكَ عَلَيَّ يا رَبِّ، اِنَّكَ تَدْعُوني فَاُوَلّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ اِلَيَّ فَاَتَبَغَّضُ اِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ اِلَىَّ فَلا اَقْبَلُ مِنْكَ، كَاَنَّ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لي، وَالاِْحْسانِ اِلَىَّ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ، فَارْحَمْ عَبْدَكَ الْجاهِلَ وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ اِحْسانِكَ اِنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ)

هنالك مقامان للإنسان في هذه الحياة الدنيا، الأول هو مقام القرب إلى الله عز و جل - من خلال الطاعة و الإمتثال و الإلتزام بحدود الله. و المقام الآخر هو مقام البعد عن الله عز و جل - من خلال تعديه لمقام حدود الله و جرأته على الله. و إن العبد يسقط اذا أوجد هو بنفسه مسببات السقوط ، ولكن حب الله له لا يتركه في ذلك الطريق دون أن يكون هو مريداً و عاملاً له ، ولذلك جائت النداءات الإلهية و التي تنقسم إلى قسمين:

نداءات عامة - انطلقت قبل 1435 سنة وهي نداءات الإسلام وجدت بوجود القرآن.ففي الآية الأولى يقول عز وجل: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } ، وفي آية أخرى يدعو لسرعة العودة له سبحانه و تعالى فيقول: { وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }. ثم يدعو في آية ثالثة العبد إلى عدم الإكتفاء بالسرعة بل يأمرهم بالفرار له فيقول: { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ }.

و نداءات خاصة - كالنداء الذي ينطلق في شهر رجب و شعبان و رمضان يدعو الله فيها العبد للعودة إليه. قيل في رواية أنه اذا بدأت هذه الأشهر الخاصة ، أمر الله ملكاً يسمى الداعي. ينادي في السماء السابعة و يقول " طوبى للذاكرين ، طوبى للطائعين ". و عند بداية شهر رمضان ينادي الله عز وجل عباده قائلاً " أنا جليسُ مَن جالَسَني، ومطيعُ مَن أطاعني، وغافرُ مَن استَغفَرَني. الشهر شهري، والعبد عبدي، والرحمة رحمتي، فمَن دعاني في هذا الشهر أجَبتُه، ومن سألني أعطيتُه ". تغلق أبواب هذه النداءات في ليلة العيد ، فلذلك على المؤمن أن يغتنم هذا النداء من أول أيامها لكي يضمن الفوز بها و غفران ذنوبه فيها.

إن العباد ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :
1/ العبد المتمرد على الله - يحارب الأنبياء و الكتب و النداءات الإلهية ، مثل أبي بن خلف الذي يأتي للرسول وفي يده عظم لرجل و بكل جرأة يفته أمام النبي و يقول من يحيي العظام وهي رميم إنكاراً لقدرة الله ، فترد اللآية الكريمة: { قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } ، و مثل فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى فيأمر الله النبي موسى و هارون { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ }.

2/ العبد الجاهل - قد يكون مؤمناً لكن معرفته لله لم تصل لدرجة الرقابة الإلهية فهو يخطئ تارةً و يتوب تارةً أخرى. سأل ذعلب اليماني الإمام علي عليه السلام : هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام : أفأعبد ما لا أرى ؟ إن ربي قريب من الأشياء غير ملامس بعيد عنها غير مباين متكلم لا برؤية ظاهر لا بتأويل المباشرة منجل لا باستهلال رؤية بائن لا بمسافة قريب لا بمداناة مريد لا بهمة صانع لا بجارحة دراك لا بخديعة لطيف لا يوصف بالخفاء كبير لا يوصف بالجفاء عظيم العظمة لا يوصف بالعظم جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ سميع لا يوصف بآلة بصير لا يوصف بالحاسة رحيم لا يوصف بالرقةقبل كل شي فلا يقال شيء قبله وبعد كل شيء فلا يقال له بعده هو في الأشياء كلها غير متمازج بها ولا بائن عنها , موجود لا بعد عدم , فاعل لا باضطرار , مقدر لا بحركة لا تحويه الأماكن ولا تضمنه الأوقات ولا تحده الصفات ولا تأخذه السنات سبق الاوقات كونه والعدم وجوده والإبتداء أزله كان ربا إذ لا مربوب وإلها إذ لا مألوه وعالما إذ لا معلوم وسميعا إذ لا مسموع تعنو الوجوه لعظمته وتجل القلوب من مخافته وتتهالك النفوس على مراضيه.

يخرج في الظلمة شاب يحمل الخمر في المدينة بعد نزول آية تحريمه ، و بينما هو يسير في زقاق لا مخرج له و إذا بشبح يلوح من بعيد . فتحير الشاب فأقبل له الشبح و إذا به رسول الله ، فلما أن علم أن القادم رسول الله وضع الزجاجة وراء ظهره ثم ضج إلى الله في قلبه و لم يتفوه بأي كلمة. ناجاه ربه في قلبه قائلاً " يارب استر علي ولا تفضحني بين يدي نبيك وإني أتوب إليك ". اقبل النبي و سلم عليه و قال ما تخبئ بين يديك ، فتبعثر لسانه و قال خل ، فقال الرسول أعطني اياه ، تذوقه الرسول فقال له نعم الخل ، عندما دعا الشاب الله تحول الخمر إلى خل فمرغ الشاب قلبه في التراب و أخبر الرسول بأنه كان خمراً قبل توبته.

3/ العبد العاشق لله - قد سمع النداء الإلهي وتحرك له بكل لهفة علم الله وذاب فيه و هام قلبه به . ما إن يدخل شهر رمضان إلا وهيئوا قلوبهم له. مثل ذلك نبي الله شعيب الذي بكى إلى الله حتى فقد بصره فأعاد له بصره و ذلك لثلاث مرات ، فأوحى الله تعالى إليه: " أن يا شعيب إن كان بكاؤك من مخافة النار فقد أمنتك من النار، وإن كان بكاؤك من أجل الجنة فقد أوجبت لك الجنة". فقال: ﻻ يا رب ولكن من الشوق إلى رؤيتك، فأوحى الله إليه: "أن يا شعيب حَقَّ لِمَن أرادني أن يبكي من شوقي، إنه ليس لهذا دواء غير لقائي". في رواية عن الله سبحانه وتعالى : [كَذَبَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُحِبُّنِي فَإِذَا جَنَّهُ اللَّيْلُ نَامَ عَنِّي ، أَلَيْسَ كُلُّ مُحِبٍّ يُحِبُّ خَلْوَةَ حَبِيبِهِ].

لله نداءات ملكوتية و منها نداء القبر. قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " إِنَّ لِلْقَبْرِ كَلَاماً فِي كُلِّ يَوْمٍ ، يَقُولُ أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ ، أَنَا بَيْتُ الْوَحْشَةِ ، أَنَا بَيْتُ الدُّودِ ، أَنَا الْقَبْرُ ، أَنَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ " يمر عليها أهل الغفلة و كأن لم يسمعو شيء ، فطوبى لمن سمع هذا النداء و عمل بما يرضي الله و اجتنب ما يسخطه.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع