إعتلى سماحة الشيخ إبراهيم الصفا منبر حسينية الحاج أحمد بن خميس مكملًا سلسلة محاضراته ، في ليلة الثالث من شهر رمضان المبارك لعام 1435 هـ ، و تحت عنوان " المسائل الإبتلائية في الصيام " ، إبتدأ سماحة الشيخ المجلس بحديثٍ عن الإمام الصادق ( ع ) : " ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين " وقد تابع قائلًا ، الإمام الصادق ( ع ) في مقام الحديث عن التفقه ، عندما نقف على الروايات الصادرة منه ، نجده يتصف باللين والشفقة والرحمة ، إلا في مسألة التفقه ، فهو كان صارما لابعد الحدود ، فحديثنا هذه الليلة سيكون حول أنواع التفقّه في الدين وآثارها المترتبه و هنا قارن الشيخ بين أحاديث النبي (ص) والذي يتحدث فيها عن حقوق الحيوان ومن ضمنها ينهى (ص) عن ضرب الدابة على وجهها ، فكيف بإمامنا الصادق حينما يقول " ليت السياط على رؤوس أصحابي " ، وهو منهي في الحيوان وجاز في الإنسان ! الإمام تحدّث بتلك الصورة ليبيّن أهمّية التفقّه في الدين عند المؤمنين من أجل أن يُقادُوا الى حلقةِ العلم ، وذلك لأهمية التفقّه في الدين .
و هنا قسّم الشيخ التفقّه الى قسمين ، الأول ، هو " المعنى الأعم " ، وهو أن يتملّك الإنسان المؤمن معرفةً واسعةً حول دينه وثقافته وعقيدته واهداف رسالته و أن يتعرّف على سياسة الإسلام و أغراضه ، القسم الثاني ، هو " المعنى الأخص " و هو معرفة الحلال والحرام و قراءة الرسالة العملية ، وحضور مجالس الفقه ، فلا يوجد مفصل من مفاصل الحياة والا للفقه مدخل فيه ، فعندما لا نتفقه في الدين تكون مجموعة من العواقب التي تصيب المؤمن أهمها ، الوقوع في الظلم ، و الوقوع في بعض المتاهات التي لها أثرٌ رجعي عليه ، الوقوع في الحرام ، و الوقوع في الفساد . من خلال هذه المقدمة واصل الشيخ حديثه بتقسيم شروط العبادات الى قسمين ، " شروط واقعية " و هي الشروط التي تفسد العبادة في حالة الإخلال بها سهوًا أو جهلًا أو علمًا . " شروط عملية " و هي التي لا تبطل العبادات عند الإخلال بها جهلًا .
وقد دعى سماحة الشيخ المؤمنين تعلّم المسائل الإبتلائية كأحكام الصلاة و الصّيام و الإستحاضة و الدماء عند النساء . وقد تطرق الشيخ الى بعض المسائل الإبتلائية التي لها آثار عملية في الصيام ، أهمها مسألة كثير السفر ، فالآية الكريمة من سورة النساء ، " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " تبيّن أحكام المسافر وهي أن تتحوّلَ الصلواتُ الرباعيةُ ثنائيةً و يفطر الصائم ، ولكن لمّا يكون المكّلف كثير السفر ، فالفقاء انقسموا الى قسمين ، قسم لمسافر شُغله السفر - أن يكون مقدمة عمله السفر - كالطيّار و قبطان الباخرة و البائع المتجوّل ، وقسم من يكون السفر مقدمة لعمله كالطبيب و المهندس و المدرّس الذي يبعد محل عمله بعد المسافة الشرعية ، اذا تحقق عنوان كثير السفر يصلي و يصوم في سفره ، و قد تسائل الشيخ ، متى يكون المكلّف كثير سفرٍ ؟ السيستاني و الخوئي يرون بأنه إذا سافر المكلف عشرة أيام في الشهر الواحد يكون كثير سفر ، سواءً كانت متواصله أم منقطعه ، إذا كان مسافرًا ثمانية أو تسعة أيام ، فتكون هنا شبهة ، فعلى الأحوط وجوبًا أن يجمع بين التمام والقصر ، أمّا اذا كان ستة أيام أو أقل فإنه يصلي قصر ، الخامنئي يرى بأنه لو سافر يومًا كلّ عشرةِ أيام يكون كثير سفر ، فضل الله يرى بأنه لو سافر أربعةَ أيامٍ كلّ شهر يكون كثير سفر - جمعها أو فرّقها - ، وهنا تتبيّن لنا مسألة مرتبطه بها و هي مسألة الطلبة الجامعيين - السفر مقدمة لعملهم - ، فعلماء البحرين و السيد الإمام يرون بأنه يصلي قصرا و يفطر ، الإمام الخميني مؤخرًا يرى بالإحتياط الوجوبي للقصر و أن يرجع للأعلم فالأعلم ، أما السيستاني يرى بأنه يصوم ويصلي تمام ، مسألة أخرى ذكرها الشيخ ، و هي مسألة صاحب سيارة الأجرة ( التكسي ) ، فإذا كان يسافر خارج حدود المسافه الشرعيه فهو كثير سفر . مسألة أخرى ، وهي لو سافر كثير السفر الى منطقة أخرى ، خارج مجال سفره فجميع المراجع يرون بأنه لا يعتبر بكثير سفر ما عدا السيستاني و فضل الله ، فإنهم يرون بأنه كثير سفر - سواءً في سفره أو أي سفر - .
أيضًا من المسائل الإبتلائية هي مسأله تعاطي الحقنة في نهار شهر رمضان ، فالحقنة فقهيًا تعني هو السائل المائع الذي يعطى المكلّف في دبره ، وهو مفطر اذا كان مائع أما اذا كان جامدا في دبره فهو ليس من المفطرات ، أمّا الإبر فقد قسمها العلماء الى ثلاثة أقسام ، القسم الأول ، " مبطلة الحس " كالبنج والمخدر ، و جميع الفقهاء يرون بأنها جائزة بلا إشكال ، القسم الثاني ، " الحقنة الدوائية " كحقنة السكري ، فجميع الفقهاء يرون بجوازه ما عدا الشيخ عبدالله الستري و الشيخ حسين العصفور يستشكلان فيها ، القسم الثالث ، " المُغذّي " أو المصل أو السيلان ، فجميع الفقهاء يرون بأنه مفطر ما عدا السيد السيستاني حتى لو كان بغير ضرورة .
مسألة أخيرة تطرق لها سماحة الشيخ قبل أن يختم مجلسه وهي حكم استنشاق الدخان الكثيف ، كالحريق والسيارات والمصانع والمسيلات ، فإن السيّد الخميني و الخامنئي و فضل الله يرون أن الدخان الغليظ - سحابة كثيفة - ليس مفطرًا ، وهناك فرقٌ بين الدخان أن يكون مشروبًا أو مُستَنشقًا ، فلو كان مشروبًا فإن السيستاني و الخوئي و الشيخ زين الدين ، يرون أنه من المفطرات احتياطًا وجوبيًا ، أمّا الرائحة التي تسبب سيولة في الدموع فإنه لا ضير فيها ، وقد دعى سماحة الشيخ في نهاية المجلس الى التفقه في الدين و الإحتياط في المفطّرات .
التعليقات (0)