1. مقدمة:
إنّه الحسين سيّد الشهداء في ميادين الحقّ، والذي كانت نهضته تمثيلاً عمليّاً لضمير الأديان على مرّ الدهور.
ولئن اعتُديَ على الحقّ الإلهيّ في غفلةٍ من الزمن، وفي حَلْكة الظلام، فلهذا الحقّ في ضمير الكون شاهد. وكان الحسين عليه السّلام ضميرَ الأديان في عمر الدهور، هو الشاهد الأوحد على محاولة إزهاق الحقّ في ضمير الكون.
ويأبى اللهُ إلاّ أن يُتمّ نوره.. وتأبى حكمته إلاّ أن تبلغ مَداها في فضاء العزّة والجلالة، لتغمرَ آفاقَ البشريّة بالقدسيّة والعدل والنُّبْل.
لهذا المقصد الإلهيّ.. كان الحسين قبسَ هداية، ومِشكاةَ طُهْر، ونموذج أخلاقٍ فاضلة، فكان حقّاً ضميرَ الأديان إلى يوم القيامة
فسلامٌ عليك يا شهيد الحقّ،
ويا سفينة النجاة ومصباح الهدى،
وسلام عليك يا منار الدين، وفخرَ الموالين والمحبّين.
2. قطوف كربلائية:
مراحل نهضة عاشوراء
لا تنحصر معالم الملحمة الحسينية في يوم عاشوراء فقط، بل أنها بدأت قبل أشهر من موت معاوية، واستمرت لأشهر (بل وسنوات) بعد واقعة عاشوراء. ويمكن عرض مراحلها ضمن السياق التاريخي بالشكل التالي :
1-امتناع الإمام الحسين عليه السلام عن مبايعة يزيد وعدم الاعتراف بشرعية حكمه. ويمكن في هذا المجال الإشارة إلى استدعائه من قبل والي المدينة، وكلام الإمام الحسين معه ومع مروان.
2-خروج الحسين من المدينة إلى مكّة على شكل الهجرة الليلية الخفية مع أهل بيته.
3-إقامته أربعة أشهر في مكّة إضافة إلى الخطب واللقاءات، والإعلام الفاعل وتوعية أذهان الناس إلى ماهية يزيد والأمويين، وبيان سبب امتناعه عن البيعة وهدفه من هذه الهجرة.
4-إرسال مندوبه الخاص مسلم بن عقيل إلى الكوفة لتمهيد أرضية الثورة وأخذ البيعة له من الشيعة والأنصار من أجل إرساء أسس الحكومة الإسلامية وذلك في أعقاب تسلّمه الكتب والرسائل المكرّرة من أهالي الكوفة وزعماء الشيعة، وما تبع ذلك من وثوب مسلم في الكوفة، وتبدّل الأوضاع فيها واستشهاده.
5-السفر من مكّة إلى العراق والنزول في ما بينهما من المنازل ومقابلة بعض الأشخاص فيها، وإلقاء الخطب، ومتابعة تطورات أوضاع الكوفة، ومقابلة الحرّ.
6-الوصول إلى كربلاء والنزول فيها، ومحاصرة الجيش المعادي لمخّيمه قبل أن يتسنّى له بلوغ الكوفة وذلك في الثاني من شهر محرّم. وسعيه بضعة أيّام للحيلولة دون سفك الدماء.
7-شهادة الإمام الحسين وأهل بيته وأنصاره في الملحمة الكبرى التي وقعت يوم عاشوراء.
8-سبي عياله، حيث استثمر الإمام السجاد وزينب وعترة الرسول تلك الفرصة لإبلاغ وإيصال نداء من صرعوا على أرض الطف إلى سائر الناس، وقد أتيح لأولئك السبايا فضح ماهية الأمويين في الكلمات والخطب التي القوها في الكوفة والشام.
9-بعد العودة إلى المدينة أقيمت مجالس العزاء والبكاء على الشهداء التي أدّت إلى فضح حكومة يزيد، وبداية انطلاق الحركات المناهضة للأمويين في المدن والأمصار المختلفة، في السنوات اللاحقة التي تلت الواقعة، وخروج التوابين وغيرهم ضد الحكومة الأموية.
يمكن اعتبار جميع الثورات المنادية بالعدالة والمناهضة للظلم التي استلهمت مبادئها من شهادة الإمام الحسين وواقعة عاشوراء-سواء التي حصلت منها في ما مضى أو التي ستحصل لاحقاً- من مراحل ثورة الطف وامتداداً لها؛ لأن تلك الثورة لم تكن مجرد استنكار لفساد الحكومة الأموية ويزيد، وإنما كانت درساً لإحياء قيم الحرية والشرف في كلّ زمان ومكان كما تعدّ مواقف المسلمين الثوريين المناهضة للاستكبار العالمي والطواغيت اليوم امتداداً لتلك الثورة الدامية.
3. قبسات فقهية:
السؤال: هل يجوز إقامة التشابيه، وما حكم ما يصاحب هذه التشابيه من قيام الرجل بأداء دور امرأة وارتدائه ملابس نسائية، واستعمال آلات موسيقية من قبيل الطبل والبوق ؟؟؟
الجواب لا إشكال في إقامة التشابيه، ولكن لا ينبغي للرجل أن يرتدي ملابس نسائية وإن لم يكن دليل على المنع عنه، ولا مانع في استعمال تلك الآلات ومعزوفاتها .
استفتاءات حول الشعائر الحسينية-الشيخ اللنكراني.
4. رحلة العشق:
"الهى... اطلبني برحمتك حتى أصِلَ إليك، واجْذبني بمنّك حتى اُقبِلَ عليك"
سيدالشهداء الامام الحسين بن علي عليه السلام
هي ذي بَعدكم - يا سيّدي - ساحة كربلاء.
ساحة حرب فاجعة بعد انتهاء الحرب:
غبار، و سيوف مكسّرة، و بقايا أجساد منوَّرة، وصبغة على كلّ الأرض حمراء، ورائحة دمٍ تغمر أعماق الملكوت.
إنّ ناراً - يا سيّدي - ما تزال تتلذذ بالتهام الخيام!
وإنّ أصواتاً مفزوعةً مفجوعة ما يزال شررها يتطاير من حناجر أراملكم والأيتام.. وهُنّ يَنُحْنَ مناحات مفردةً أو جماعيةً رهيبة، حول أجساد الشهداء الرجال.
ومن بينها يُشرق، في ظلمة الأرض، جسدُ السيّد الكبير، والعاشق العظيم، لاجَسَداً قتيلاَ، بل قلباً كبيراً تَنزِفُ كلُّ خَليّة فيه، ويَشخَبُ كلُّ عِرْقٍ من عروقه بدماء العشق الذي ليس كمثله في الوجود من عشق.. يتبع...
5. رجال فازوا مع الحسين:
"والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا فإذا نحن قـُتلنا كنا وفينا و قضينا ما علينا"
عمّار بن حسّان الطائيّ
ابن حسّان بن شُرَيح بن سعد بن حارثة... بن سعد بن طَيّ الطائيّ. كان أبوه « حسّان » ممّن صَحِب أميرَ المؤمنين عليّاً عليه السّلام، وقاتَلَ بين يديهِ في حرب الجمل، ثمّ في حرب صِفّين فقُتِل فيها. وأمّا « عمّار » فكان من الشيعة المخلصين في الولاء، ومن الشجعان المعروفين..
وكان عاشر المحرّم
عندما سمع أنسُ بن الحارث الأسديّ رضوان الله عليه بمَقْدَم الإمام ولم يبدأ الإمام أبو عبدالله الحسين سلام الله عليه قتالاً؛ إذ كَرِه ذلك، بل بدأ بالنصائح وتبيين الحقائق، فأبى قومُ السوء إلاّ قتالاً، فرمى عمرَ بن سعد سهمَ شرارة الحرب، ثمّ رمى أصحابه، فأصابت السهامُ ـ وقد أقبَلَتْ كالمطر ـ أصحابَ سيّد شباب أهل الجنّة جميعَهم تقريباً، فاستنهضهم إمامُهم صلوات الله عليه: قُوموا ـ رحمكم الله ـ إلى الموت الذي لابدّ منه؛ فإنّ هذه السهامَ رسُلُ القوم إليكم.
حينها كانت الحملةُ الأولى، حملَ فيها أصحابُ الإمام الحسين عليه السّلام حملةَ رجلٍ واحد، وحمل الشمر بن ذي الجوشن نحو عسكر سيّد الشهداء عليه السّلام بأصحابه يميناً وشمالاً يَرشُقون بالنبل، فصار أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام بين طريح وجريح.
وكان من بين شهداء هذه الحملة الأُولى عمّار بن حسّان الطائيّ رضوان الله عليه.. فحاز ذلك الفوزَ الأعظم، بنصرته إمامَ زمانه أبا عبدالله الحسين سلام الله عليه بعد معرفته، ثمّ بالقتال بين يديه حتّى استُشهِد..
السلامُ على عمّار بنِ حسّانِ بنِ شُرَيحٍ الطائيّ.
6 .تقويم الثورة:
7 محرم 61 : وصول أمر من الكوفة بمنع الماء عن عسكر الإمام. فانتدب لهذه المهمة 500 فارس من جيش العدو على رأسهم عمرو بن الحجاج وسيطروا على شريعة الفرات .
9 محرم 61 : وصول شمر إلى كربلاء على رأس خمسة آلاف شخص، مع كتاب من ابن زياد إلى عمر بن سعد يأمره فيها بمقاتله الحسين عليه السلام وقتله . وأتى معه أيضا بكتاب أمان إلى العباس . والهجوم التمهيدي لجيش عمر بن سعد على معسكر الإمام . وطلبه المهلة تلك الليلة الصلاة والدعاء .
10 محرم 61 : وقوع المعركة بين أنصار الإمام وجيش الكوفة ، واستشهاد الإمام وأنصاره ونهب الخيم ، وإرسال الرأس الشريف إلى الكوفة مع خولي .
7. من ذاكرة الطف:
السبي
وفي واقعة كربلاء،سبي عيال الإمام الحسين من بعد مقتله يوم العاشر من محرم وطافوا بهم البلدان وعرضوهم في الكوفة والشام، وكان هذا العمل نقضا صريحا لأحكام الإسلام التي لا تجيز سبي المسلم وخاصة النساء.
على الرغم من أن يزيد سبى عيال الإمام الحسين عليه السلام وسيّرهم من ولاية إلى أخرى بذلّة واستخفاف من أجل إشاعة الخوف لدى سائر الناس إلا أنّ سلالة العزة والشرف اتّخذت من حالة " الأسر" سلاح لمقارعة الباطل، والكشف عن الصورة الحقيقية للعدو وألقت الخطب والكلمات لفضحه وإفشال خطته وكانت خطبة زينب الكبرى والإمام السجاد في الكوفة والشام مثالا " للمواجهة في الأسر" وقد عابت زينب على يزيد سوء عمله الظالم ذاك على ما فيه من خروج على الدين وقالت:
((أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نُساق كما تساق الأُسارى، أنّ بنا على الله هوانا ... أمِنَ العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول سبايا قد هتكت ستورهنّ وأبديت وجوههنّ تحدو بهنّ الأعداء من بلدٍ إلى بلد ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل...))
أثار سبي أهل البيت بتلك الصورة المأساوية، مشاعر الناس لصالح جبهة الحق وانتهت بضرر حكومة يزيد. وحولت خطب زينب والسجاد عليه السلام طوال فترة السبي لذة النصر العسكري إلى طعم مر كالعلقم لدى يزيد وابن زياد، وحالت دون تحريف التاريخ، وعلّمت عوائل الشهداء درسا في ضرورة أن تكون نصرة الحق من الشهداء بالدماء ومن ذويهم بإيصال رسالة ذلك الدم. فالشهداء يفعلون فعل الحسين، وذووهم يقفون مواقف زينب.
8. وجه من القافلة:
قافلة انطلقت من مبدأ العزّة والكرامة وسارت نحو مقصد الشهادة
أم كلثوم
بنت أمير المؤمنين، وأخت زينب والحسين. ولدت في السنوات الأخيرة من عمر النبي صلى الله عليه وآله كانت امرأة فاضلة وفصيحة ومتكلمة وعالمة. ذكروا أنها تسمى أيضا بزينب الصغرى. شهدت طوال حياتها استشهاد عترة الرسول وفي عام 61للهجرة سارت في ركب الحسين إلى كربلاء وبعد استشهادهم في كربلاء أخذت مع السبايا فكانت تثني في خطبها وأحاديثها على عترة الرسول وتفضح ظلم الحكام.
ومن جملة ذلك أن قافلة السبايا حينما دخلت الكوفة أمرت أم كلثوم الناس بالإصغاء ولما هدأت الأصوات بدأت حديثها بتوبيخ أهل الكوفة لتخاذلهم عن نصرة الحسين وتلطيخ أيديهم بدمه وبدأت خطبتها بالقول:
((يا أهل الكوفة سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم أمواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه، فتباً لكم وسحقاً! ويلكم أتدرون أي دواهٍ دهتكم..))، فارتفع صوت البكاء وخمشت النساء الوجوه ونتفت الشعور.
وفي الشام أيضا دعت شمرا وطلبت منه إدخالهن المدينة من الباب الأقل ازدحاما بالناس، وأن يجعل رؤوس الشهداء بعيدا عن السبايا حتى ينشغل الناس بالنظر إليهن ولا ينظرون إلى وجوه بنات الرسالة، إلاّ أن الشمر عمل خلافا لطلبها وأدخل السبايا إلى مدينة دمشق من باب الساعات(أعيان الشيعة.
وعند وجودها في الشام لم تتوان عن كشف الحقائق وإزاحة الستار عن جرائم الأمويين وبعد الرجوع إلى المدينة كانت أمّ كلثوم ممن يصف للناس وقائع ذلك السفر المروّع والشعر المعروف :
مدينـة جـدّنا لا تقبليـنا
فبالحسرات والأحزان جئنا
التعليقات (0)