المنامة - محمد حميد السلمان
يكتب في أحد سطور مذكراته المشهورة ليوم السبت الثامن من شهر يونيو/ حزيران للعام 1929، ثماني كلمات كالآتي: «اليوم يبدأ محرم وسوف أحضر بعض الاجتماعات الدينية».
هذا ما كتبه (تشارلز بلغريف) بعد ثلاث سنوات فقط من حضوره إلى البحرين حتى أصبح من المواظبين على حضور مناسبة موسم عاشوراء الحسين (ع) كل عام ورسم بعض اللوحات الفنية حوله. بينما قبل ذلك، كانت أخبار العاصفة التي هبت على سفن الغوص التي حملت على ظهرها جميع مكونات طوائف أهل البحرين العام 1925 فيما عُرف بسنة الطبعة؛ هي كل ما استطاع (بلغريف) أن يحصل عليه من معلومات قبل نجاحه في امتحان القبول للوظيفة المناط به تسلمها في البحرين في تلك السنة. ومع ذلك، لم تكن تلك المعلومات المشوشة في الصحافة البريطانية تشفي غليله أو تعطيه فكرة واضحة وموسعة عن البحرين وسكانها ومكونات الشعب بها وحياتهم العامة.
وبين وصول (بلغريف) إلي البحرين في نهاية مارس/ آذار 1926، ومغادرة منصبه في 18 أبريل/ نيسان العام 1957، تعلم هذه الرجل الكثير عن البحرينيين، ووضع أساس أنظمة إدارية عديدة، سواء أكانت مجحفة أم منصفة في حق الناس، إلا أنها أضحت الأساس لمرحلة ما بعد (بلغريف).
ومن تلك الأنظمة الإدارية، والتي يتضح فيها مدى تغلغله بين ثنايا معتقدات الناس في البحرين، ضمن قوانين سلطة المستشار في موسم عاشوراء الحسين (ع)، والتي أشرنا إلى جزء بسيط منها في الأسبوع الماضي، ونكمل اليوم ذاك الجزء مع وثيقتين أخريين.
ففي الأولى نجد الطلب نفسه الذي أُرسل إلى مأتم بن خميس، وكنا قد كتبنا أمامه في الأسبوع الماضي أن تاريخ تلك الرسالة هو 5 فبراير/ شباط من العام 1942 لعدم وضوح الأرقام بما تداخل عليها من الحبر؛ إلا أن وثيقة اليوم تكشف أن تلك الرسالة من (بلغريف) والتي وصلت إلى إدارة مأتم بن خميس بمنطقة سنابس؛ قد أُرسلت بتاريخ (2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1949) متضمنة الطلب نفسه تماماً كنسخة طبق الأصل لأكثر من مأتم، وحاليّاً ليس بين أيدينا سوى الرسالتين اللتين أُرسلتا إلى مأتمي بن خميس، والعجم الكبير.
وهذا نص الوثيقة الأولى، ونلاحظ تكرار نفس رقم عددها ونفس اليوم الذي أُرسلت فيه لكلا المأتمين، وكذلك السنة الهجرية:
«العدد 23- 149 / 1361
إدارة مستشار حكومة البحرين
حرر في 18 محرم 1361
(ماتم السنابس)
حضرة الفاضل المكرم الحاج حسن بلجيك (مأتم العجم الكبير) المحترم
بعد التحية-
المرجو أن تفيدوني عن عدد الأشخاص الذين حضروا واشتركوا في العزاء على الوجه التقريبي في يوم 10 محرم 1361.
إنني أقصد من ذلك الاستفهام فقط.
هذا ما لزم ودمتم.
(التوقيع بالانجليزية)
مستشار حكومة البحرين».
وقد جاء رد الحاج حسن بلجيك على المستشار في 30 محرم من العام نفسه، يذكر فيه عدد المعزين كالآتي:
«30 محرم 1369
لحضرة الأجل الأفخم صاحب السعادة المستشار لحكومة البحرين المحترم
بعد التحية وفائق الاحترام تلقيت مكتوبكم الكريم العدد 23- 149 / 1361 المؤرخ في 18 محرم سنة 1369 الذي طلبتوا فيه بعدد الأشخاص الذين حضروا واشتركوا في العزاء على الوجه التقريبي في يوم 10 محرم سنة 1369. بهذا أفيد سعادتكم بأن مع أن ليس لدي احصائية صحيحة لكن على وجه التقريبي عدد الأشخاص كان يقارب نحو أربعة الى خمسة آلاف ( 3000 وخمسمائة) نفس.
ودمتم بالعز والسلامة
حسن بلجيك
(الختم الخاص)»
ويبدو من هذه الرسالة، أن التاجر الحاج حسن بن محمد بن علي بلجيك، كان مسئولاً عن إدارة مأتم العجم الكبير آنذاك. وكنا قد نشرنا في وثيقة سابقة أنه كان في العام 1952 ضمن الهيئة التي تقوم بخدمة مأتم العجم الكبير بكل حب وتفان. ويظهر من هذه الوثيقة أن عدد المشاركين في إحياء شعائر العزاء ذكر مرتين في تصحيح واضح (ما بين 3,500 شخص، و 5000 شخص). وهذا بدوره يؤشر إلى نقطة مهمة جداً، وهو ضخامة عدد المشاركين في عزاء موسم عاشوراء العام 1949 مقارنة بعدد سكان البحرين الذي لم يتجاوز، بحسب إحصاءات (بلغريف) لعامي 1941-1950)، 100 ألف نسمة فقط، وحوالي 20 في المئة منهم من الوافدين الأجانب.
إذن هناك حوالي 10 في المئة من سكان البحرين في وسط المنامة وحدها فقط، وليس أطرافها، يشاركون في إحياء موسم عاشوراء. وللأسف ليس لدينا حاليّاً تلك الرسالة التي رد بها الحاج حسين بن خميس كذلك على نفس طلب (بلغريف) لنعرف كم كان عدد المشاركين في عزاء سنابس لعصر اليوم العاشر من محرم للعام 1369 هـ (1949م)، فلربما وجدنا نفس العدد وأكثر في منطقة سنابس وحدها أيضاً. وبذلك نستشف، أنه إذا أضفنا لتلك الأرقام بقية مناطق المحرق، والجفير، وضواحي المنامة، وقرى الشريط الساحلي الشمالي الغربي، والشريط الساحلي الشرقي للبحرين؛ لربما اكتشفنا أن حوالي 40 في المئة من السكان كانوا يشاركون في إحياء وفي عزاء موسم عاشوراء الحسين (ع) في عموم جزر البحرين... وللوثائق بقية...
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4088 - السبت 16 نوفمبر 2013م الموافق 12 محرم 1435هـ
التعليقات (0)