عنون الشيخ علي البني بحثه في ليلة الخامس من شهر محرم بعنوان "حاكمية العقل والاستقامة على الطريق" ، وانطلق في بحثه بداية برواية وردت عن الصادق عليه السلام: أنه قال (العقل ما عُبِدَ به الرحمن واكتُسِبَ به الجنان) ، قبل أن يقّدم لبحثه بمقدمة مختصرة مفادها أننا المجتمعات في محاوراتها العرفية تستخدم لفظة العاقل ، ويثبتون هذه الصفة إلى أحد من البشر أو ينفونها عنه لتواجد بعض السلوكيات والأخلاقيات والأفكار فيه أو خلوها منه ، واختصر زبدة مقدمته في جملة صريحها أن مدار التمايز والتفاضل إنما هو من خلال البعد العقلي الموجود عند الطرف الآخر. ولكي يكون الموضوع منظماً قسم الشيخ علي الحديث في البحث في محاور ثلاث بين في الأول موقعية العقل في روايات أهل البيت عليهم السلام ، واستعرض فيه ثلاث روايات علَّق على كل واحدة منها بتعليق مختصر ، والرواية الأولى نَسبها الشيخ للرسول (ص) الذي يقول: "مَا قَسَمَ اللَّهُ شَيْئًا لِلْعِبَادِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ ، وَنَوْمُ الْعَاقِلِ أَفْضَلُ مِنْ سَهَرِ الْجَاهِلِ وَإِفْطَارُ الْعَاقِلِ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الْجَاهِلِ وَإِقَامَةُ الْعَاقِلِ أَفْضَلُ مِنْ شُخُوصِ الْجَاهِلِ" ، والتعليق عليها أن العقل هو من أفضل النعم وأن مدار التمايز والتفاضل إنما هو باللحاظ العقلي ، أما الرواية الثانية فهي للكاظم عليه السلام يقول فيها: "إن لله على الناس حجتين، حجة ظاهرة و حجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والائمة، و أما الباطنة فالعقول!" وعلَّق الشيخ البني أن للعقل قدرةً على إيصال العبد للكمال ، وطرح مثالاً قال فيه لو أنك سألت أي عاقل عن حُسن العدل من قباحته مثلاً لما قال إلا أن العدل حسن ، حتى لو لم يكن متديناً ، أما آخر رواية فهي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) وقوله: "مَنْ كَانَ عَاقِلًا كَانَ لَهُ دِينٌ ، وَ مَنْ كَانَ لَهُ دِينٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ" والتعليق هو أن الموّلد للحالة الدينية هي الحالة العقلية. وانتقل بعد كل ذاك الشيخ علي للمحور الثاني الذي تحدَّث فيه عن زينة العقل ، فقال أنه العلم هو ما يزين العقل ، وليس كل علم بل العلم الذي يُعبد به الرحمن ويُكتسب به الجنان ، وهي أكمل حالة للعقل ، وآخر محور دار حول الميزان العقلي الذي يحقق للإنسان النهاية السعيدة الأبدية ، وهو العقل الذي لا يهتز ويموج مع أول امتحان يمر به ، فالزبير مثلاً كان من خيرة أصحاب الإمام علي عليه السلام وكان عقله سيوصله للجنة ، لكنه انقلب على عقبيه لأنه لم يمتلك الميزان العقلي ، ولعَّل الرواية التي نقلها الشيخ البني عن الإمام الكاظم خير ما يشرح أهمية الميزان العقلي حيث قال الكاظم عليه السلام وهو يوصي هشام «يا بني إن الدنيا بحر عميق، هلك فيه عالم وخلق كثير، فاجعل سفينتك فيه الإيمان بالله، واجعل حشوها تقوى الله وطاعته، واجعل شراعها الدين، به تجري توكلا على الله، لعلك تنجو ولعلك لا تنجو ، يا بني تواضع للحق تكن أعقل الناس» ، وعرَّج الشيخ بعد ذاك للشخص الذي نجح في امتحانه ومال ميزان عقله لنصرة الحسين بعد أن كان ضده وهو الحر بن يزيد الرياحي.
التعليقات (0)